الجزائر تكابد لحصار إرهاب قادم من الجبال وعمق الصحراء

الجيش الجزائري يطلق عملية أمنية في جبال عين الدفلى الوعرة في إطار حملة تستهدف القضاء على مجموعات صغيرة متطرفة لكنها باتت تشكل قلقا بالغا للمؤسسة العسكرية.
العملية العسكرية في عين الدفلى تبرز استمرار خطر المتطرفين
جراح العشرية السوداء لم تندمل بعد عقدين على أسوأ موجة عنف بالجزائر
تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية في الساحل الإفريقي يستنفر الجزائر  

عين الدفلى (الجزائر) - أطلق الجيش الجزائري عملية عسكرية واسعة في جبال عين الدفلى الوعرة في ملاحقة مجموعة متطرفة صغيرة، لكن وجودها سلط الضوء على أن خطر الإرهاب لايزال قائما بعد العشرية السوداء في تسعينات القرن الماضي التي قتل فيها قرابة الـ200 ألف شخص على اثر إلغاء الجيش لنتائج الانتخابات التشريعية التي فاز فيها الإسلاميون حينها.

وتعرضت الجزائر الشهر الماضي لهجوم إرهابي بينما تعلن وزارة الدفاع من حين إلى ىخر القضاء على عناصر إرهابية ومصادرة اسلحة وذخائر أو تسليم عنصر إرهابي لنفسه.

وأطلق جنود جزائريون النار بطلقات كبيرة العيار على سفح تل وعر في جبال عين الدفلى الأسبوع الماضي في إطار عملية لاحتواء الخطر القائم الذي يمثله متطرفون تبنوا هجوما إرهابيا في يناير/كانون الثاني.

وانتشر الجنود تحت المطر بين أشجار الصنوبر على امتداد دروب طينية وبنادقهم مرفوعة قبل أن يجثموا على الأرض وكان كثيرون منهم صغار السن لا يذكرون شيئا عن حركة التمرد التي شنها المتطرفون في التسعينات وسقط فيها 200 ألف قتيل جزائري.

وبعد مرور عقدين من الزمان على انتهاء سيل الدماء تم احتواء القسم الأعظم من الخطر الذي يمثله المسلحون في الجزائر، غير أن رجال تنظيم القاعدة وجماعات أخرى أحدها فرع تنظيم الدولة الإسلامية يطلق على نفسه اسم 'جند الخلافة في أرض الجزائر'، لا يزالون صامدين في بعض المناطق النائية وأغلبهم في المنطقة الحدودية الصحراوية مع دولتي مالي والنيجر.

وتستهدف العملية المُنفذة في عين الدفلى مجموعة صغيرة يعتقد الجيش أن أفرادها يختبئون في الجبال الواقعة على مسافة 180 كيلومترا غربي العاصمة الجزائر.

وقال الجيش إن هذه المجموعة انفصلت عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال، أحد أقدم التنظيمات المسلحة التي تعتنق الفكر المتشدد في الجزائر والتي سبقت تنظيم القاعدة.

وقال ضابط برتبة نقيب "هدفنا هو تثبيت مجموعة من الإرهابيين في هذا المحيط ومحاصرتهم وتصفيتهم".

وسار طابور هذا الضابط المؤلف من خمس عربات عبر الأرض القاحلة مستخدما أجهزة تشويش لمنع المسلحين من استخدام الهواتف المحمولة في تفجير عبوات ناسفة.

وفي الطقس المطير استغرق الطابور ساعتين تقريبا لقطع مسافة 50 كيلومترا فقط على امتداد دروب أرضها طينية تحت قمة جبل الونشريس الذي يبلغ ارتفاعه 2000 متر.

وفي أحد الأماكن جلس جنود خلف أكياس من الرمل في معسكر بالعراء مصوبين أنظارهم عبر الوادي الجبلي، بينما كانت الرياح تتلاعب بالغطاء المموه فوقهم.

ودوت طلقات من عيار كبير في المشهد الفسيح، فيما كان الجنود يطلقون النار على مناطق لم يستطيعوا الوصول إليها. وقال ضابط برتبة عقيد "الهدف من هذه الطلقات هو تطهير مناطق ربما يكون الإرهابيون مختبئين فيها".

وتحول التركيز الأمني الرئيسي في الجزائر في السنوات الأخيرة من الخطر الداخلي الذي تفشى في فترة من الفترات في المناطق الريفية والمدن ذات الكثافة السكانية العالية إلى المناطق الحدودية مع دول غير مستقرة.

وقال مصدر أمني عن الجماعات المسلحة التي لا تزال موجودة في الجزائر "هي بأعداد صغيرة ولذا تحتاج لاصطيادها واحدة واحدة".

ورغم أن بعض المسلحين لا يزالون في مناطق مثل عين الدفلى فحياة الريف التقليدية مستمرة في المنطقة.

وقال لازالي بلقاسم الذي يعمل بالرعي مرتديا ثوبا بني اللون بغطاء رأس وعمامة صفراء ويقود حمارا عبر سفح جبلي، بينما كانت أبقاره تسير أمامه إنه يشعر بأمان أكبر مما كان سائدا في الماضي، مضيفا "كنت في العادة أخاف جدا من الإرهابيين، فربما يقتلوك أو يخطفوك".

وفي يناير/كانون الثاني الماضي سقط ثلاثة قتلى من الجنود وستة من المسلحين في اشتباكات في منطقة تيبازة بين عين الدفلى والعاصمة الجزائرية. وكان ذلك حدث نادر الحدوث نسبيا في الآونة الأخيرة في حرب المتشددين التي انتقلت في أغلبها إلى عمق الصحراء.

ووجد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أقوى الجماعات المسلحة العاملة في شمال أفريقيا مساحة أكبر للمناورة في حركات التمرد التي تهز مالي والنيجر.

ولقي زعيم التنظيم السابق عبدالملك دروكدال حتفه في مالي العام الماضي. ومن المعتقد أن الجزائري أبوعبيدة يوسف العنابي الذي خلفه في زعامة التنظيم يتمركز في مالي.

ويسعى التنظيم الذي تأسس في العام 2007 لإقامة الحكم الإسلامي، لكنه لم يشن أي هجمات كبرى منذ الهجوم الذي وقع عام 2013 على محطة غاز في الصحراء وسقط فيه 40 قتيلا من العمال وأكثر من 20 مسلحا.

وفي العام الماضي قالت وزارة الدفاع إنها قتلت 21 مسلحا من المتشددين في الجزائر. ووفقا لتعديلات دستورية تمت الموافقة عليها في استفتاء العام الماضي سيتمكن الجيش مستقبلا من العمل فيما وراء حدود الجزائر في بعض الحالات.