الجزائر تواجه ثلاثي 'الجفاف والتصحر وندرة المياه'

الحكومة الجزائرية تتحرك لإنقاذ الموسم الزراعي بعد تسجيل شح للسماء هذا الشتاء وتجدد شبح الجفاف وترى الحل الدائم في محطات التحلية.

الجزائر - دخلت السلطات الجزائرية في سباق مع الزمن لتوفير بديل لمياه الأمطار بعد تسجيل شح للسماء هذا الشتاء وتجدد شبح الجفاف الذي تعيشه البلاد خلال السنوات الأخيرة، إذ تعول الحكومة على تدابير استعجالية مؤقتة لإنقاذ الزراعة ومحطات التحلية كبديل دائم.

وبعد بداية مبشرة للشتاء بتساقط أمطار بكميات كبيرة وثلوج على المناطق الشمالية، شهدت الجزائر احتباسا مطريا استمر منذ مطلع مارس/آذار الماضي ما أثر على احتياطات السدود والمياه الجوفية والمحاصيل الزراعية على حد سواء.

وتقول السلطات إن مناطق غرب ووسط البلاد هي الأكثر تضررا جراء الجفاف، بينما كان الضرر أقل بمناطق الشمال الشرقي.

ويعد الوضع هذا العام استمرارا لظاهرة جفاف تعيشها البلاد منذ ثلاث سنوات، تسببت في تراجع مستويات السدود والمياه الجوفية وحتى الينابيع.

وتعتمد الجزائر على مياه الأمطار بشكل كبير في قطاعها الزراعي وخاصة زراعة الحبوب بمناطق شمالي البلاد.

ولم تعلن السلطات إلى حد الآن حالة الجفاف بالبلاد خلال الموسم الحالي، لكن منظمات لمزارعين ووسائل إعلام محلية تنقل يوميا أن أهم المحاصيل وخاصة الحبوب تضررت بفعل شح الأمطار خلال الآونة الأخيرة.ودعت وزارة الشؤون الدينية، الأربعاء، لإقامة صلاة الاستسقاء بكافة مساجد البلاد السبت القادم طلبا للغيث بسبب شح الأمطار، بعد صلاتين كانت قد دعت لهما في الخريف والشتاء الماضيين.

ومن جهتها أعلنت الحكومة يوم 26 أبريل/ نيسان خلال اجتماعها الأسبوعي عن حزمة تدابير لمواجهة هذا الوضع المناخي والذي وصفته بـ"الشح المائي".

وجاء في بيان لها أن وزيري الفلاحة عبدالحفيظ هني والري طه دربال قدما عرضا مشتركا حول التدابير المتخذة لمعالجة آثار الشح المائي على المساحات الفلاحية وكذا التزود بالماء الصالح للشرب.

ووفق نفس المصدر، فإنه تقرر وضع "تدابير استعجالية لفائدة الفلاحين، لاسيما عن طريق اللجوء إلى الري التكميلي وكذا حفر الآبار مع استعمال أنظمة السقي المقتصدة للمياه والتي توفّر نسبة تصل إلى 70 في المئة من هذا المورد المائي وتسمح بالحصول على نتائج أفضل".

كما أعلنت الحكومة عن برنامج استعجالي للتزويد بالماء الصالح للشرب وكذا التدابير المتخذة لمعالجة آثار الشح المائي على مستوى عدة محافظات ويخص التزويد المنتظم للساكنة بماء الشرب خلال السنة الجارية.

وأوضحت أنها درست مدى تقدم المشاريع الجاري تنفيذها قصد ضمان الأمن المائي على المديَيْن القصير والمتوسط دون تفصيل حول طبيعتها.

ومعلوم أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون كان قد وجه في يناير/كانون الثاني الماضي بوضع مخطط لبناء محطات تحلية لمياه البحر على كامل الشريط الساحلي للبلاد البالغ طوله 1200 كلم لمواجهة الجفاف الناجم عن التغيرات المناخية.

واستنفر تبون خلال اجتماع لمجلس الوزراء آنذاك مختلف القطاعات لإنشاء مخطط استعجالي يهدف إلى سن سياسة جديدة لاقتصاد المياه على المستوى الوطني والحفاظ على الثروة المائية الجوفية.

وتمتلك الجزائر 85 سدا مستغلا إضافة لـ15 محطة لتحلية مياه البحر بولايات ساحلية تستعمل لتزويد السكان بماء الشرب، لكنها لم تعد كافية في ظل الوضع المناخي الجديد.

ويرى رئيس النادي الجزائري للمخاطر الكبرى (مستقل) عبدالكريم شلغوم أن 90 في المئة من مساحة البلاد عبارة عن صحراء ما يجعلها عرضة لثلاثي الجفاف والتصحر وندرة المياه.

وأوضح أنه إضافة لمحطات تحلية مياه البحر التي تعتبر مكلفة جدا، هناك حلول متاحة يمكن تجسيدها بأقل تكلفة للتقليل من وطأة الجفاف سواء لمياه الشرب أو الزراعة والصناعة.

وذكر أن خيار محطات تحلية مياه البحر يعتبر مرتفع التكلفة ويغطي فقط المناطق الساحلية والقريبة منها بينما الجزائر هي بلد شاسع.

واقترح نادي المخاطر الكبرى جملة من الحلول أبرزها تحويل المياه الجوفية الذي تتوفر الجزائر على احتياطات مؤكدة منها في الجنوب تغطي مليون سنة من الاستهلاك، بحسب عبدالكريم شلغوم.

وعلق قائلا "حل المياه الجوفية أولا يشمل الصحراء وشمالها (منطقة الواحات) والهضاب العليا (سهول شاسعة بين الشريط الساحلي والصحراء تمتد من الحدود التونسية إلى المغربية)".

ولفت إلى أن "هناك دراسات ثابتة ومؤكدة تشير لوجود احتياطات ضخمة من المياه الجوفية العذبة ليست مالحة توجه للاستهلاك مباشرة تكفي لتغطية مليون سنة من الاستهلاك يجب وضع إستراتيجية لاستغلالها".

أما الحل الثاني المتاح وفق شلغوم فيتمثل في تنقية السدود من الوحل (الطمي) بعد أن تراجع منسوب عدد منها وجف الآخر تماما.

وأشار إلى أن الوحل يمثل ما نسبته 50 في المئة من قدرات تخزين السدود وقد حان الوقت لتنقيتها وبالتالي الرفع من قدرات التخزين مستقبلا، إضافة لتشجير محيطاتها ومجاري الأودية التي تصب فيها بأنواع معينة من الأشجار تمنع انتقال الأتربة.

وبخصوص سقي المحاصيل الزراعية، يعتقد شلغوم أن الحل المتاح وبأقل تكلفة هو تصفية المياه المستعملة (الصرف) عبر تعميم محطات التصفية.

وذكر أن محطات تصفية مياه الصرف تقل كلفتها بنحو 20 في المئة مقارنة بمنشآت التحلية، ويمكن توجيه مياهها إلى سقي المحاصيل الزراعية وحتى للصناعة التي تستهلك كميات كبيرة.

ومن جهة أخرى توقع الخبير بشؤون الزراعة أحمد ملحة أن يكون مردود الحبوب ومنتجات الأعلاف متدنيا هذه السنة بالنظر للجفاف الذي خيم على مناطق واسعة من البلاد.

وأوضح أن هذا العام تميز بقلة سقوط الأمطار وبعضها تساقطت في غير أوانها وستؤثر مباشرة على المحاصيل الزراعية خاصة الحبوب التي تعتمد بشكل واسع على الزراعة المطرية وليس عن طريق الري.

وأضاف "في الصحراء يتم استعمال الري المحوري، لكن في الشمال الاعتماد على الزراعة المطرية خصوصا ما سيؤثر على إنتاج الحبوب والأعلاف وسيكون المردود متدنيا".

الجزائر وجب عليها التكيف مع هذه الظاهرة ولا بد من وضع مورد الماء في قلب المعركة من أجل الاكتفاء الذاتي، وفقا لأحمد ملحة، لافتا إلى أن الخيارات والحلول متعددة منها استرجاع مياه الصرف وتصفيتها لاستعمالها في الزراعة، وبناء سدود جديدة وحواجز تعمل على جمع مياه الصيف الموسمية التي تكون تساقطات قوية (العواصف الرعدية)، إضافة إلى تحلية مياه البحر الذي هو خيار استراتيجي.

ودعا إلى ضرورة استغلال مخزونات المياه الجوفية الضخمة بصحراء البلاد، الذي يعد من بين الأكبر في العالم، قائلا "يمكن استغلال هذه المخزونات لآلاف السنين وقد حان الوقت لجلبه إلى شمال الصحراء ومنطقة الهضاب العليا واستعماله جزئيا وليس كليا ويستعمل بطريقة اقتصادية"، مضيفا "هو خيار استراتيجي ويمكن أن يستعمل لري الحبوب والأعلاف ودعم الثروة الحيوانية لتوفير اللحوم والحليب".