الجماعة الإسلامية بمصر... شاهد عليها

1977 الجماعة الإسلامية اتجهت في أن يكون لها كيان أدق تنظيماً فقرروا جعل لكل كلية أميراً يُختار بالتوافق ولكل جامعة أميراً وتم لاحقا تدشين مجلس أمراء للجماعة على مستوى الجمهورية واتخذا أمير عام.

بقلم: رياض حسن محرم

  انبثقت قيادات تنظيم الجماعة الإسلامية عن مجموعة نشأت بالجامعات المصرية، كانت تسمى بـ"شباب محمد"، والتي تأسست من شباب متدين كان يصلّى في مسجد الكلية المعروف باسم "جامع الاتحاد"، أي اتحاد الطلاب، وكان بينهم عدد من الطلاب المؤدلجين الذين ينتسبون إلى الإخوان المسلمين، معظمهم أهليهم أعضاء في جماعة الإخوان، والذين حرصوا على استقطاب آخرين إلى صفوفهم، ففي عام 1973 وبعد أن نما حجم تلك المجموعات في معظم الكليات تداولت قياداتها في اختيار اسم جديد لها، واقترح أحد الشباب اطلاق اسم "الجماعة الإسلامية" عليها تيمنا بأخرى تحمل الاسم نفسه في باكستان، والتي أنشأها أبو الأعلى المودودى، الذى نهل منه سيد قطب وخاصة نظرية الحاكمية الأفكار الأساسية، فتم اطلاق هذا الاسم عليها.

 كان نشاط تلك الجماعة علنيا، بعد إفراج أنور السادات عن الإخوان وتمكّينهم من منابر المساجد الكبرى وإعادة مجلة الدعوة لهم، وكان أغلب نشاطها هو تقديم خدمات طلابية من طبع المذكرات وملخصات الامتحانات، وبيع المستلزمات الدراسية من كتب ودفاتر وكشاكيل وغيرها، إلى جانب ذلك، وهو الأهم، كانوا يطبعون ويروجون لكتب وكتيبات أفكار تلك الجماعة بالإضافة إلى رسائل حسن البنا، وكتب سيد قطب، وأبرزها كتيب "معالم في الطريق"، وأيضا المصاحف وكتب عن الوهابية يتم استحضارها من السعودية بالبالات وتوزيعها مجانا بالإضافة للدعوة للحجاب واطلاق اللحى، وبعدها بدأوا محاولة كتابة مجلات حائط على استحياء، وكان للطلبة اليساريين والقوميين قصب السبق في هذا المجال، والسيطرة على كل حيطان الكليات، ثم جاءت محاولتهم الترشح لانتخابات اتحادات الطلاب.

في الفترة نفسها تقريبا اتجهت "الجماعة الإسلامية"، أن يكون لها كيان أدق تنظيماً، فقرروا أن يجعلوا لكل كلية أميراً يُختار بالتوافق، ولكل جامعة جعلوا أميراً، وتم لاحقا تدشين مجلس أمراء للجماعة على مستوى الجمهورية، وعُقدت اجتماعاته في مسجد كلية طب القصر العيني بقيادة عبدالمنعم أبو الفتوح، وفي عام 1977 أنتخب حلمي الجزار كأمير لأمراء الجماعة الإسلامية على مستوى الجامعات، وفى العام 1977 شاركت الجماعة في انتخابات اتحاد الطلبة، لتفوز بأغلبية مقاعد مجالس ثماني جامعات حكومية من أصل 12 جامعة كانت قائمة آنذاك، وحصلت على أقل من النصف في مجالس الجامعات الأربع الباقية، بينما استغلت الجماعة الإسلامية المناسبات الدينية كصلاة العيدين في الدعاية من خلال الدعوة لاجتماعات كبيرة وصاخبة في مقار تحددها، حدث أن حضرت صلاة العيد الذى نظمته الجماعة بالإسكندرية في ستاد اتحاد الطلاب بالشاطبى الذى أمّه ووقف فيه خطيبا أحد رموزهم، وهو الداعية لاشين أبو شنب، وكان فيه شباب صغار السن يرتدون زياً موحداً، يحملون صناديق كبيرة كتب عليها "تبرعوا للجماعة الإسلامية"، يمرون بين صفوف المصلين، تخيل حجم التبرعات في مثل هذا اليوم. كان يوجد في المواقع الأخرى دعاة أثقل وزنا مثل الشيوخ: عبد الحميد كشك وأحمد المحلاوي وحافظ سلامة وصلاح أبو إسماعيل ومحمد الغزالي وعمر عبد الرحمن، بينما أقيم معرضا للكتاب على أبواب الموقع يضم كتب متعددة ولكنها ذات اتجاه واحد من قبيل "معارج القبول" للشيخ حافظ حكمي، وتفسير ابن كثير، و"رياض الصالحين" و"الأربعين النووية" للإمام النووي، و"جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبلي، و"منهاج المسلم" لأبي بكر الجزائري، فضلاً عن الكتب الفكرية والحركية لسيد قطب والمودودي، وفتحي يكن، وأنور الجندي، وسعيد حوى وغيرهم.

حدث بعدها خلاف كبير في صفوف الجماعة الإسلامية، بين رأى يتزعمه عبدالمنعم أبو الفتوح وعصام العريان وحلمي الجزار من جامعة القاهرة وإبراهيم الزعفراني وخالد داوود من جامعة الإسكندرية، ومحيي الدين عيسى وأبو العلا ماضي من جامعة المنيا، وخيرت الشاطر من جامعة المنصورة، وكان يرى أن تنضم الجماعة الإسلامية بكاملها إلى جماعة الإخوان المسلمين، بينما تحفظ على هذا الرأي مجموعة أخرى، خاصة من جامعة أسيوط، واعلنوا استمرارهم كمجموعة الصعيد في العمل تحت اسم "الجماعة الإسلامية"، وشكلوا مجلس شورى يتكون من 15 شخصا من أبرزهم كرم زهدي، وصلاح هاشم، وأسامة حافظ، وحمدي عبدالرحمن، وفؤاد الدواليبي وناجح إبراهيم وعاصم عبد الماجد، وعصام دربالة، وطلعت فؤاد قاسم وعلي الشريف، هذا المجلس الذى أحس بقوته للدرجة التي شرع فيها يطبق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وليبدأ بالمحاكم الشرعية والفصل بين الجنسين، ثم لينتهي بإعلان الجهاد المقدس ضد نظام الحكم، بينما انشق جناح كبير عن الجماعة الإسلامية بالإسكندرية ،مكونا الجماعة السلفية بقيادة المقدم وبرهامى والشحات وآخرين.

لم يكن بين الجماعة الإسلامية من ينظّر لتلك الأفكار ومن يؤدلج لها كثيرين، فأصدر ناجح إبراهيم وعصام دربالة وعاصم عبد الماجد "ميثاق العمل الإسلامي" عام 1984 مؤكدين فيه على سلفية المعتقد وتبنيهم لثلاثية “الدعوة كأداة لتغيير المفاهيم، والحسبة كأداة لتغيير المجتمع، والجهاد كأداة للتغيير عندما لا تجدي الدعوة ولا تكفي الحسبة”، ووجدوا في كتيب "محمد عبد السلام فرج" (الفريضة الغائبة)، عن الجهاد بالسيف تلك الفريضة التي أهملها وأسقطها مسلمو هذا العصر " فيما بعد سيفتون باهدار دم المفكر فرج فودة بعد إصداره كتاب "الحقيقة الغائبة" لتفنيد كتيب الفريضة الغائبة، ونفذوا عليه الحكم بالاغتيال، ومن المفارقة أن يؤيدهم أحد أقطاب الإخوان (محمد الغزالي) في المحكمة"، وأصدروا بعض الكتيبات التي تواكب الواقع وتتفاعل مع التغيرات السياسة مثل (وجوب العمل الجماعي – الحركة الإسلامية والعمل الحزبي – الطائفة الممتنعة وغيرها والتي اعتبروها جزءا من أدبياتهم.

بعد اغتيال أنور السادات ومحاولة الجماعة الإسلامية الاستيلاء على مدينة أسيوط والزحف إلى القاهرة ارتفعت حدة المواجهات بين الجماعة والنظام، وبينما حاولت الجماعة قتل كل من تستطيع قتله من عناصر النظام ورجال الشرطة والمدنيين، في الجهة المقابلة تحول موقف الأجهزة الأمنية إلى التصفية الجسدية المباشرة في حرب مفتوحة أهدرت فيها دماؤهم واستباحت نساؤهم وأسرهم بلا أي رادع، وامتلأت بهم سجون النظام مع استخدام أبشع وسائل التعذيب، وفى النهاية بدأ البحث عن مخرج بعد الإنهاك الشديد والسجون والتعذيب وانقطاع العيش، واستغلت الداخلية تلك اللحظة بذكاء في محاولة جرّ قيادات الجماعة للتراجع الفكري والعملي، فهيأت لهم سبل الاتصال بأنصارهم في السجون ووفرت لهم المراجع النظرية من أمهات كتب الفقه، وغيرها من التسهيلات فصدرت عنهم مجموعة كتب المراجعات، ثم مبادرة وقف العنف من جانب واحد، وابتدأت سلسلة التنازلات التي انتهت بالإفراج عن المحبوسين وتعيينهم في وظائف مناسبة وتوفير مصدر للحياة المريحة لقياداتهم.

الغريب في الأمر أن الذين أصلّوا للجهاد ضد نظام الحكم وللعنف، قد استخدموا المصادر الفقهية نفسها "ابن تيمية مثالا"، في رفض واستنكار هذا النمط من الجهاد والعنف، أبرز الأمثلة على ذلك تنصلهم من اغتيال السادات، وذكرهم أنه قتل في فتنة، لذا فانه يعتبر شهيداً، وتجب على من قتلوه الفدية لولى الدم (أسرته)، ولمّا سُئلوا: من أين يمكن دفع تلك الفدية، كانت الإجابة: "من ريع كتب المراجعات".

كاتب مصري