الجملي لا يمانع في تعديل حكومته بعد التشكيل
تونس - أكد رئيس الحكومة التونسي المكلف الحبيب الجملي أنه "لن يتردد بإجراء تعديلات على تشكيلة فريقه الحكومي حتى بعد المصادقة عليها" وذلك بعد ان عرفت التشكيلة الحكومية التي اعلنها انتقادات كبيرة من قبل الاحزاب السياسية.
وفي مقطع فيديو تضمن كلمة له، نشرت على صفحته الرسمية بـ"فيسبوك" الخميس، قال الجملي إنه سيقوم بذلك "في حال ثبت عدم توفر بعض أعضائه على الشروط التي كان حددها (الكفاءة والنزاهة) والتي هي محل مطالبة من طرف نواب الشعب."
وأشار إلى أنه سيقوم بالتعديلات اللازمة شريطة أن لا يظلم أي شخص.
وتواجه حكومة الجملي، مصيرًا غامضًا في جلسة تصويت البرلمان على الثقة، الجمعة، بعد أن أعلنت أغلب الكتل اعتزامها عدم التصويت لصالحها.
وكلف الرئيس التونسي، قيس سعيّد، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، الجملي، بتشكيل الحكومة، بعد طرح اسمه من جانب حركة النهضة (إسلامية – 54 نائبًا من 217)، التي تصدرت نتائج الانتخابات التشريعية، في 6 أكتوبر/ تشرين الاول.
وأكد الجملي أن "الحكومة التي اقترحها مختارة من عديد الكفاءات من مئات المرشحين لهذه المناصب وهم يمثلون ثلة من المقتدرين(ذوي الكفاءة والمقدرة) ومنهم الموجودون داخل أرض الوطن والوافدون من الخارج."
وتابع أنه "اختارها بمقاييس موضوعية وأن لديه ثقة في فريقه وبأنه سيكون قادرا على مهمة إدارة الحكم خلال هذه المرحلة الصعبة والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخ تونس الحديث."
وأشار الجملي إلى أنه " لم يتلق اية وثائق رسمية حول ما يقال حول بعض المرشحين وأن بعض التحريات الأولية.. أثبتت أن ما قيل بشأنهم غير صحيح."
وقبل أيام أكد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، شوقي الطبيب، أن هناك عددا من الوزراء المقترحين من قبل الحبيب الجملي تحوم حولها شبهات فساد.
وأكد الجملي على "ضرورة أن يحكّم النواب المصلحة الوطنية وهي شعار يرفعه كل السياسيين والتونسيين بحبهم لتونس وبوطنيتهم المعهودة منذ القدم."
وقال في هذا السياق "عندما تكون مصلحة تونس ومصلحة البلاد هي الرهان، وعندما تحدق بالوطن أخطار داخلية وخارجية وهو حالنا الآن.. حينها ينسى التونسيون خلافاتهم ويغلبون المصلحة الوطنية."
وزاد "أقول هذا ليس من باب التخويف والضغط من أجل التصويت لفائدة الحكومة بل من باب الشعور بالمسؤولية والواجب الوطني وتحكيم المصلحة العليا للبلاد".
كما أضاف "نحن فعلا في ظروف صعبة داخليا كما أن محيطنا الإقليمي فيه ظروف مهددة لأمن تونس والكل يعلم ما يدور الآن .. وبالتالي فإن تونس بحاجة إلى تركيز حكومة شرعية رسمية في أقرب وقت وذلك لا يحتمل تأخيرا من أجل التصدي للاشكاليات المطروحة وتأمينها ضد المخاطر المحيطة بها."
ودعا الجملي "نواب الشعب دون استثناء من كل الأحزاب سواء التي ساندت الحكومة او ستساندها أو حتى من يعارضها إلى التفكير في مصلحة البلاد."
وقال "رئيس الحكومة سيمد يده للجميع ومستعد لتصويب اي أخطاء".
كما لفت إلى أنّ "منهجية الحكومة معلومة وهي ليست كما في السابق وهي ملتزمة ببرنامج واضح وجملة من الأهداف..".
وأردف بالقول "أنا وعدت بحوكمة سياسية رشيدة وبأن كل وزير سيتابع برنامجه مع مجلس نواب الشعب فيما يتعلق بمدى توفقه في اداء مهمته".
وختم قائلا "لنا ثقة في أنفسنا وفي شعبنا وأن الحكومة لن تعمل في معزل عن الشعب ونوابه..".
ويرى مراقبون ان الجملي ومن ورائه حركة النهضة يعيشان مازقا حقيقيا وسط مخاوف من عدم حصول التشكيلة الحكومية على الثقة بعد رفض اغلب الكتل لكثير من الأسماء.
رفض من أغلب الكتل
وعلى عكس ما ذهب إليه الكحلاوي، اعتبر الشعيبي أن "موقف النهضة محسوم، وهو التصويت لهذه الحكومة في كل الظروف، باعتبار أنها الحركة التي كلفته، ومن غير المعقول ألا تمنحه الثقة".
النهضة مع الجملي
وقال الناطق باسم حركة النهضة، النائب عماد الخميري، إن "التصويت للحكومة محسوم بقرار الشورى (مجلس شورى الحركة)، لكنه (المجلس) سجّل في نفس الوقت اعتراضه على تركيبتها في بعض الأسماء".
وأردف: "الشورى دعا الرئيس المكلف إلى بذل الجهد والاتصال السياسي مع الكتل والأحزاب لتذليل الصعوبات أمام الحكومة".
وأقر الخميري بأن "هناك جهد اتصالي يقوم به الرئيس المكلف، وحتى النهضة، لتذليل أي صعوبة كي تنال الحكومة ثقتها أمام البرلمان".
وشدّد على أن "الأوضاع السياسية والأوضاع الإقليمية، خاصة في الحدود الجنوبية الشرقية (ليبيا) تدفع الأطراف الوطنية لتجاوز التردّد وحالة عدم وجود مؤسسات شرعية قائمة للدولة تعمل في إطار الثقة الدستورية، التي تعطيها كل القوة لتتخذ الإجراءات وتنفيذ كل سياساتها في المرحلة القادمة".
حكومة رئيس
في حال فشل حكومة الجملي في نيل الثقة رأى الكحلاوي أن "البديل سيكون الفقرة الثالثة من الفصل (المادة) 89 من الدستور، حيث يكلف الرئيس شخصية يختارها لتشكيل الحكومة".
وبحسب الدستور "عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية، في أجل عشرة أيام، بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية، لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر".
واستبعد الكحلاوي اللجوء إلى انتخابات مبكرة، وهو ما يوافقه فيه الشعيبي، الذي رأى أن "الأحزاب السياسية غير مستعدة للتفريط في مكاسبها والدخول في مغامرة جديدة"، في إشارة إلى احتمال خسارة مقاعد، إذا أعيدت الانتخابات، بعد أربعة أشهر من التكليف الأول، وفق الدستور.
في حين اعتبر الناطق باسم "النهضة" عماد الخميري أنه "من السابق لأوانه الحديث عن حكومة يعينها الرئيس".

وفي 22 ديسمبر/ كانون أول الماضي، قرّر حزبا "التيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي) وحركة الشعب (قومية ناصرية)، اللذان يشكلان الكتلة الديمقراطية في البرلمان (41 نائبًا)، عدم المشاركة في حكومة الجملي.
وقال التيار الديمقراطي إن قراره "يأتي استنادًا إلى أن التصور العام للحكومة لا يرتقي إلى مستوى التحديات المطروحة في البلاد".
أما حركة الشعب فقالت إن "العرض المقدم من الجملي لا يلبي الحد الأدنى مما طلبته الحركة، وبالتالي فإنها غير معنية بالمشاركة في الحكومة".
وزاد وضع حكومة الجملي تعقيدًا بالتحاق كتل برلمانية أخرى، نهاية الأسبوع الماضي، بموقف حزبي "التيار" و"الشعب"، في رفض منح الثقة للحكومة.
وقال نبيل القروي، رئيس حزب "قلب تونس" (ليبرالي- 38 نائبًا)، الفائز بالمرتبة الثانية في الانتخابات، إن الحزب "لا زال على نفس الموقف من حكومة الجملي، وهو رفضه لها".
وأضاف القروي، في بيان الأحد الماضي، أنه "لم يتمّ التشاور مع حزبه حول التركيبة والأسماء.. تركيبة الحكومة ضخمة العدد، وهيكلتها وتوزيع الحقائق فيها لا تعكس إرادة ناخبي 2019".
وأعلن الجملي، الخميس الماضي، تركيبة حكومة كفاءات مستقلة من 28 وزيرًا و14 كاتبًا للدولة.
كما عبرت كتلة حركة "تحيا تونس" (ليبرالية- 14 نائبًا) وكتلة الإصلاح الوطني (مشكلة من أحزاب - 15 نائبًا) وكتلة المستقبل (9 نواب)، رفضها منح الثقة للحكومة.
وشككت هذه الكتل في استقلالية أعضاء الحكومة الذين اقترحهم الجملي.
هل تُرك الجملي وحيدًا؟
الرئيس السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (حكومي)، طارق الكحلاوي، قال للأناضول: "بالإضافة إلى الكتل غير المشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة، فإن الحزب المكلِف (النهضة) له مشكل مع رئيس الحكومة".
وأبدى مجلس شورى "النهضة" تحفظات على شخصيات مقترحة في الحكومة (دون أن يسميها)، ودعا الجملي إلى "إجراء تعديلات ضرورية في إطار احترام القانون والدستور".
وأضاف: "وحتى الحليف المحتمل، الذي زكى بعض المستقلين (لتولي حقائب وزارية)، حزب قلب تونس أعلن عبر رئيسه أنه غير راضٍ عن الحكومة".
وتابع: "هناك إشكال جدي بإمكانية مرور الحكومة أمام البرلمان"، مستبعدًا أن تؤدي مفاوضات اللحظات الأخيرة إلى أية نتائج.
وأردف: "يمكن القول إن الرجل (الجملي) تُرك تقريبًا معزولًا.. يبدو أن كتلة النهضة تريد تأجيل الجلسة العامة إلى 14 يناير (كانون ثانٍ الجاري)، وهو اليوم الأخير في آجال تشكيل الحكومة".
مفاوضات مستمرة
ورأى الباحث المختص في الفلسفة السياسية المعاصرة، رياض الشعيبي، أنه "من الصعب الجزم بسقوط حكومة الجملي قبل المرور إلى البرلمان؛ فمفاوضات اللحظات الأخيرة لازالت مستمرة بين القوى السياسية الممثلة في البرلمان".
وأضاف الشعيبي أن "لقاءً حصل بين القروي والجملي، ورغم أنه لم يتسرب شيء كبير منه، إلا أنها تعتبر محاولة من الجملي لكسب تأييد كتلة قلب تونس".