الجنائية الدولية تفتح باب التحقيق في جرائم حرب أفغانستان

وزير الخارجية الأميركي يصف قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الموافقة على إجراء تحقيق في جرائم حرب أفغانستان بالأخرق، وسط تزايد الشكوك حول صمود اتفاق السلام الموقع منذ أيام بين واشنطن وطالبان في الدوحة.

لاهاي - انتقدت الولايات المتحدة اليوم الخميس قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الموافقة على إجراء تحقيق في جرائم الحرب المحتملة في أفغانستان سيشمل توجيه اتهامات ضد القوات الأميركية والأفغانية ومسلحي طالبان، بعد أيام فقط من توقيع الطرفين لاتفاق سلام برعاية قطرية.

ووصف مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي الخميس قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الموافقة على إجراء تحقيق في جرائم الحرب المحتملة في أفغانستان بأنه "أخرق" وغير شرعي.

وأكد الوزير الأميركي في تغريدة على تويتر أن "الولايات المتحدة ستتخذ الاجراءات اللازمة لحماية سيادتها وشعبها".

وكانت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قد وافقت في وقت سابق الخميس على نقض لحكم سابق بفتح تحقيق بشأن احتمال ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أفغانستان، تعارضه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشدّة، في خطوة من شأنها أن تزيد الشكوك حول إمكانية نجاح اتفاق السلام الذي وقعته واشنطن مع حركة طالبان الأسبوع الماضي في الدوحة.

والتحقيق الذي طلبته المدعية العامة في المحكمة فاتو بنسودة يتعلق بانتهاكات ارتكبتها عدة أطراف بينها قوات أميركية في أفغانستان، وبعمليات تعذيب تتهم بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) في البلد الذي تخوض فيه الولايات المتحدة أطول حرب في تاريخها منذ عام 2001.

وقال القاضي بيوتر هوفمانسكي إن "المدعية العامة منحت الإذن ببدء تحقيق في جرائم يعتقد أنها ارتكبت على أراضي أفغانستان منذ الأول من أيار/مايو 2003"، في قرار يلغي قراراً سابقاً اتخذته في نيسان/أبريل المحكمة التي تأسست في عام 2002 للحكم بشأن أسوأ الانتهاكات التي ترتكب في العالم.

وأسفر النزاع الأفغاني عن 100 ألف ضحية بين قتيل وجريح خلال الفترة الممتدة بين عامي 2009و2019، بحسب الأمم المتحدة.

وتسعى المدعية العامة إلى فتح تحقيق بجرائم ارتكبت عام 2003 من جانب القوات الأفغانية ومقاتلين من طالبان، لكن أيضاً من جانب القوات الدولية، خصوصاً الأميركية.

وأجازت المحكمة للمدعية العامة أيضاً التأكد من أفعال تعذيب منسوبة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي ايه) في أفغانستان، وفي دول أخرى أيضاً، مثل بولندا ورومانيا، إلى حيث نقلت الوكالة الأميركية سجناء على صلة بالنزاع الأفغاني.

وقال القاضي إن الأمر يتعلق "بجرائم حرب مزعومة متعلقة بالتعذيب والمعاملة القاسية وإهانة كرامات الأشخاص والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي ارتكبت في سياق نهج سياسي من جانب عناصر في وكالة المخابرات المركزية الأميركية".

واعتبرت المحكمة الجنائية الدولية التي مقرها في لاهاي في نيسان/أبريل في المرحلة الابتدائية أن فتح تحقيقات بشأن جرائم مماثلة في هذا البلد الذي تمزقه الحرب "لا يخدم مصالح العدالة".

ويأتي القرار الجديد بعد أسبوع فقط من رفض الولايات المتحدة منح تأشيرة دخول للمدعية العامة في المحكمة فاتو بنسودة التي أشادت بـ"انتصار عظيم".

وعارضت إدارة ترامب بشدّة فتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في أفغانستان. وأعلنت الولايات المتحدة، غير المنتمية للمحكمة، منتصف آذار/مارس الماضي عقوبات غير مسبوقة ضد هذا الجهاز القضائي الدولي، مع فرض قيود على منح تأشيرات دخول لأي شخص "مسؤول مباشرة" عن هذا التحقيق "ضدّ عسكريين أميركيين".

وسبق وأن وعد ترامب بأن ترد بلاده بقوة على كل المحاولات لإخضاع الأميركيين أو حلفائهم للمحاكمة الجنائية.

ال
الأفغان يطالبون بمحاكمة طالبان عن جرائمها بدل شرعنة وجودها

واستأنفت بنسودة في أيلول/سبتمبر قرار القضاة رفض فتح التحقيق، الذي انتقدته جماعات للدفاع عن حقوق الإنسان، واعتبرته ضربة قاسية "لآلاف الضحايا".

ودعا مكتب المدعية العامة الذي بدأ في عام 2006 درسا أوليا للوضع في أفغانستان، إلى جانب ممثلين لضحايا النزاع الأفغاني، من جديد إلى فتح التحقيق خلال جلسات استماع عقدت في كانون الأول/ديسمبر.

واعتبرت غرفة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية الخميس أن الغرفة الابتدائية قد "ارتكبت خطأ" في اعتبارها أن فتح التحقيق لا يخدم العدالة.

ومع نهاية الجلسة أعلنت المحامية عن الضحايا كاثرين غالاهير "لقد خسرنا عامين إضافيين بسبب هذا الخطأ".

وأكدت أن حكم الاستئناف "ليس فقط ضربة للإدارات الأميركية التي تريد أن تكون مرتبطة بسيادة القانون، لكن أيضاً انتصار لمن يؤمنون بأن المعتقلين يجب أن يعاملوا معاملة إنسانية وأنه يجب حماية المدنيين".

وأعلن بارام-بريت سينغ من منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية أن القرار "يرسل إشارة ضرورية إلى المرتكبين الحاليين أو المحتملين للانتهاكات: العدالة ستطاردكم في يوم من الأيام".

وقال رئيس اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان في أفغانستان عبر تويتر "إنها أنباء مرحب بها من أجل أفغانستان وتحقيق العدالة لضحايا الحرب".

ووقعت واشنطن وحركة طالبان الأفغانية في 29 شباط/فبراير اتفاقاً وصف بـ"التاريخي" على اعتباره يمكن أن يدفع بالمضي قدما نحو عملية السلام ويفتح المجال أمام انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.

لكن قرار المحكمة الجنائية الدولية زاد التساؤلات حول إمكانية نجاح الاتفاق الذي حضره بومبيو في العاصمة القطرية الدوحة وأثار جدلا واسعا بسبب غموض ظهر في تفاصيله ومدى التزام الحركة الأفغانية المتشددة ببنوده التي شكلت خلافات مع الحكومة في كابول.

وتعهدت واشنطن بموجب الاتفاق بانسحاب كامل للقوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهرا مقابل ضمانات من حركة طالبان. لكن خلافات ظهرت حول بند تبادل الأسرى أثارت تساؤلات عما إذا كانت المفاوضات بين كابول وحركة طالبان ستنطلق.
وليل الثلاثاء كان الرد سريعا من الحركة الأفغانية التي شنت سلسلة هجمات دامية على القوات الحكومية قتل خلالها 20 جنديا وشرطيا أفغانيا على الأقل، وفق ما أكد مسؤولون حكوميون الأربعاء، وذلك بعد ساعات على إعلان ترامب أنه أجرى محادثة "جيدة جدا" مع زعيم الحركة المتمردة.

وردا على تلك الهجمات، شن الجيش الأميركي الأربعاء غارة جوية استهدفت مقاتلي طالبان للمرة الأولى منذ 11 يوما.

وكتب المتحدث باسم القوات الأميركية في أفغانستان سوني ليغيت على تويتر "شنت الولايات المتحدة ضربة جوية في 4 آذار/مارس ضد مقاتلي طالبان في نهري سراج بولاية هلمند، والذين كانوا يهاجمون قوات الأمن الأفغانية".ا

وأضاف "نحن ملتزمون في سبيل السلام لكن لدينا مسؤولية الدفاع عن شركائنا الأفغان".

ويتضمن الاتفاق الموقع في الدوحة التزاما بتبادل خمسة آلاف سجين من طالبان تحتجزهم الحكومة الأفغانية مقابل ألف أسير وهو أمر اعتبره المسلحون شرطا مسبقا للمحادثات، لكن الرئيس أشرف غني رفض أن يقوم بذلك قبل بدء المفاوضات.

وساهم استخدام الولايات المتحدة لصياغة مختلفة في الوثائق التي اتفقت عليها مع كل طرف في تأجيج الخلاف بين طالبان والحكومة الأفغانية بشأن إطلاق سراح السجناء.

وكشفت هذه التطورات هشاشة الاتفاق الذي وقع برعاية قطرية خاصة وأن المشاورات تعطلت في السابق مرات عديدة بفعل هجمات تورطت فيها طالبان في مواجهة القوات الأميركية.

وحذر بومبيو خلال المؤتمر الصحافي في واشنطن بعد أربعة أيام من توقيع اتفاق الدوحة، من تجدد العنف في أفغانستان قائلا إنه ذلك "غير مقبول".

وأضاف "يجب الحد من العنف على الفور إذا أريد لعملية السلام أن تمضي قدمًا".

وقالت مصادر مطلعة على حيثيات المفاوضات إن قطر ساهمت أيضا في تسريع الانسحاب الأميركي من أفغانستان بأي شكل من الأشكال للتقرب من واشنطن على اعتبار أن الاتفاق يمثل انتصارا لترامب وتحقيقا لرغبته في الالتزام بوعده الانتخابي "لإنهاء الحروب التي تنتهي".

كما تخدم الوساطة القطرية التي سهلت توقيع "اتفاق السلام" حركة طالبان الباحثة عن إضفاء الشرعية الدولية لنشاطاتها المتطرفة والإرهابية.

يذكر أن قطر وفرت لقادة طالبان ملاذا على أراضيها، كما افتتحت لهم منذ 2013 مكتبا خاصا أقفل في السنة نفسها وسط خلافات بشأن رفع أعلام التنظيم.