الجيش السوداني يحبط آمال السودانيين بعد مفاوضات المنامة بالتصعيد في الفاشر

المحادثات توقفت في المنامة بسبب إعادة الجيش السوداني علاقته مع إيران للحصول على الدعمَين العسكري واللوجيستي على الأرض.

الخرطوم - ظلت قوات الدعم السريع طوال الفترة الماضية تمارس ضبط النفس لمنع تعريض حياة المدنيين للخطر التزاماً بالمبادرات التي طرحتها إدارات أهلية وجهات عديدة لتجنيب مدينة الفاشر الحرب والدمار، لاسيما مع ظهور أمل بالوصول إلى تسوية خلال مباحثات المنامة التي أجهضها قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بتقاربه مع إيران، ليعود التصعيد إلى الجبهات بعد انقلاب الجيش مرة أخر على تعهداته بالاستجابة لمبادرات التفاوض وصولا إلى وقف اطلاق النار.

وتصدت قوات الدعم السريع لهجوم من الجيش السوداني بمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، وكبدت القوة المهاجمة خسائر فادحة في العتاد. وأسر عدد من الأفراد والضباط وذكرت في منشور على حسابها في تويتر. إن محاولة الاعتداء على قواتنا في الفاشر ليست الأولى من نوعها، حيث سبق وتعرضت قوات الدعم السريع لهجمات مماثلة رغم التزامها بالمبادرات الأهلية للحفاظ على حياة المدنيين وتفويت الفرصة على الذين يريدون إشعال الحرب في شمال دارفور.

وأضافت في البيان "ندين الأفعال اللا أخلاقية التي مارستها عصابة الفلول والإرهابيين في الهجوم على قواتنا باستخدام معسكرات النازحين والأحياء السكينة المكتظة بالسكان كدروع بشرية، في محاولة لجر قواتنا إلى معركة وسط الأحياء السكنية".
وتأتي التطورات الميدانية بعد أن كشفت تقارير صحافية عن اجتماعات سرية بين نائب القائد العام للجيش السوداني الفريق شمس الدين كباشي، ونائب قائد قوات الدعم السريع الفريق عبدالرحيم حمدان دقلو، في العاصمة البحرينية المنامة خلال الأيام الماضية، ما بعث الأمل لدى قوى مدنية وسياسية في السودان بأن تتجه الأمور نحو التهدئة وأن تكون خطوة في طريق وقف الحرب، على الرغم من الرسائل السلبية التي يطلقها لبرهان.

وينتظر السودانيون أي خطوة تمهد هذه اللقاءات لعقد لقاء مباشر بين قائدي الجيش والدعم السريع بعد تعثر لقاؤهما في جيبوتي الذي نسقت له منظمة الحكومية للتنمية في أفريقيا (إيغاد) واستحال قيامه بعد تجميد السودان لعضويته في المنظمة الإقليمية.

وتمت ثلاث اجتماعات بين الطرفين، خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، في البحرين في أول تواصل على هذا المستوى بين الجانبين في الصراع المستعر منذ 9 أشهر. وذكرت رويترز أن الجانبين اتفقا مبدئيًا على إعلان مبادئ يشمل الحفاظ على وحدة السودان وجيشه، وأنه من المزمع إجراء مزيد من المحادثات لمناقشة وقف إطلاق النار، لكن اجتماعًا للمتابعة تأجل الأسبوع الماضي.

ورجّح مؤيدون لوقف الحرب صحة التسريبات، استناداً إلى مزاعم بأن الفريق الكباشي هو أقرب قادة الجيش للحلول التفاوضية، وأنه بمجرد خروجه من القيادة العامة التي ظل محاصراً داخلها لأشهر عدة، أعلن استئناف مفاوضات جدة وهو ما عرّضه لهجوم من الأطراف الداعية لاستمرار الحرب. ووفق مصادر فإن اللقاء اشتركت في ترتيبه عدد من الدول على رأسها مصر والسعودية والإمارات إلى جانب الولايات المتحدة. وعقد الجانب المصري عقد اجتماعات سابقة للقاء كباشي وعبد الرحيم مع وفد من الدعم السريع تمهيداً لهذا اللقاء.

غير أن مصادر مطلعة ذكرت لاحقا أن المفاوضات في المنامة توقفت بسبب إعادة الجيش السوداني علاقته مع إيران الذي يهدف الحصول على الدعمَين العسكري واللوجيستي على الأرض.

وتراوحت ردود الفعل بين مؤيدي الجيش وأنصار النظام السابق من أعضاء الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان) وحزبهم "المؤتمر الوطني" الداعين لاستمرار الحرب، بين مؤيد لمحادثات المنامة، ومن عدّها "خيانة".

وتأتي هذه المحادثات في وقت كانت فيه المعارك بين الطرفين مشتعلة في عدد من جبهات القتال في الخرطوم وغرب كردفان والفاشر شمال دارفور، مع تحشيد مستمر للجيش على الحدود الجنوبية لولاية الجزيرة وسط السودان التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

كما أن أعداد الفارين من الحرب في تزايد مستمر، حيث أعلن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الأسبوع الماضي، أن المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان أدت إلى نزوح نحو 8 ملايين شخص.

وكانت مفاوضات "منبر جدة" قد رُفعت لعدم التزام الطرفين بتعهداتهما، وتذرّع الجيش بعدم خروج "الدعم السريع" من منازل المواطنين والممتلكات المدنية، بينما تؤكد قوات الدعم السريع بأن الجيش "لم يلتزم بإجراءات إبداء حسن النوايا الممثلة في إلقاء القبض على الإسلاميين الهاربين من السجون، ووقف الحملات الإعلامية المعادية".

وانتقلت محاولات وقف القتال في السودان إلى "إيغاد"، بطلب من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لكنه جمّد التعامل معها، متذرعاً بأنها "لم تفِ بالموعد" الذي حددته للقاء بينه وبين حميدتي، في حين أعلن قائد "الدعم السريع" استعداده لإنفاذ توصياتها. وأدت الخلافات على قرارات إيغاد إلى طلب قائد الجيش تجميد عضوية بلاده فيها.

بالمقابل، تنشط جهود دولية وإقليمية وغربية على وجه الخصوص، للضغط على الطرفين لوقف القتال، استهلتها وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، بزيارات لدول أفريقية معنية بالملف السوداني، بهدف تنسيق مبادرات الوساطة الدولية، وزيادة الضغط على طرفَي الحرب. والتقت، الجمعة الماضي رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير ميارديت، والرئيس الكيني ويليام روتو. وقالت رئاسة جنوب السودان، إن اللقاء "ناقش عملية السلام".

واضطرت بيربوك في بداية جولتها في الإقليم، للتوقف في السعودية، بعد رفض إريتريا عبور طائرتها في طريقها إلى جيبوتي، ومن هناك انتقلت إلى كينيا وجنوب السودان.

وقررت قمة "إيغاد" التي عُقدت في أوغندا في 18 يناير /كانون الثاني الماضي، عقد اجتماع بين البرهان، وحميدتي، خلال أسبوعين من تاريخ القرار، بيد أن الجيش السوداني قطع الطريق على ذلك برفضه المشاركة في القمة؛ احتجاجاً على دعوة حميدتي للمشاركة فيها، كما أعلن تجميد عضوية السودان في الهيئة الإقليمية.

ومع نهاية أجل لقاء الرجلين الذي حددته "إيغاد" وضع البرهان في آخر تصريحاته نهاية مبكرة لجهود الهيئة الإقليمية، بقوله "إن ما تفعله إيغاد" لا يعني جيشه، وذلك بموازاة حملات الضغط الدولية والإقليمية من أجل وقف الحرب في السودان.

وكانت "إيغاد" رغم تجميد السودان عضويته فيها، قد تعهدت باستخدام الوسائل كافة لوقف الحرب بما يجعل العاصمة الخرطوم، منطقة منزوعة السلاح، وإخراج طرفَي القتال منها، ونشر قوات أفريقية للمراقبة، فضلاً عن معالجة الأزمة الإنسانية، تمهيداً لعملية سياسية تنهي أسباب الحرب بشكل نهائي، وهي الخطة التي أجمع عليها المجتمعان الدولي والإقليمي.