الحب والإلهام الأدبي

المحبة هي حالـة قصوى من الضعف الإرادي تجاه شخص آخر تجد نفسك مندفعاً لأن تحبه، وتوليه كل عنايتك، شخص يهيمن على كل مفصل من مفاصل القوة لديك، وترى نفسك متردداً في موقف ترغب أن تقول له: لا.

استطاعت عاطفة المحبة عبر تاريخها العريق أن تلهم المبدعين عيون الإبداعات الأدبية التي خلدت عبر التاريخ، حيث أرّخ المبدع العاشق للحظات لواعج حبه من خلال حالة الكتابة.

المحبة عاطفة إنسانية يتمتع بها الإنسان حتى يستطيع أن يمارس أبعاد إنسانيته، ويعيش علاقات إنسانية واجتماعية في مجتمعه، ومن جهة أخرى فإن المحبة تجعل الإنسان في حالة توازن وتوافق مع ما يلقاه من ألوان وأطياف الناس.

والمحبة هي حالـة قصوى من الضعف الإرادي تجاه شخص آخر تجد نفسك مندفعاً لأن تحبه، وتوليه كل عنايتك، شخص يهيمن على كل مفصل من مفاصل القوة لديك، وترى نفسك متردداً في موقف ترغب أن  تقول له: لا.

لحظات الضعف الكبرى

من هنا يمكنني القول بأن لحظات الضعف الكبرى في حياة الإنسان تكمن في عمق لحظات حبه الكبرى. لذلك نجد أن كلمات الاعتراف الأولى بمشاعر الحب تكون ممزوجة بقلق، وحذر، واضطراب، وإرباك بالنسبة للمحب الذي يندفع كي يعبر عن دفق مشاعر حبه، هذه الأعراض التي تزداد وهناً قدر ما يرزح العاشق تحت سطوة هيمنة قوة الحب التي تجتاحه من سحرية الطرف الآخر، وهو يقف قبالته في هيبة امتحان، ليس امتحان فصل، أو امتحان مرحلة عمرية، بل امتحان الحياة برمتها.

يعرّفنا عمر بن أبي ربيعة على مفهومه للحب في قوله:

كلما قلت متى ميعادنا

ضحكت هند وقالت بعد غد

قلت من أنت فقالت أنا

من شفه الوجد وأضناه الكمد

وتصده هاربة إلى خيمتها وهو يلاحقها:

إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا لكي يحسبوا أن الهوا حيث تنظر

ويقول جميل بثينة :

 إذا خدرت رجلي وقيل شفاؤها

دعاء حبيب كنت أنت دعائيا

وما زادني الواشون إلا صبابة

ولا كثرة الناهين إلا تماديا

ألم تعلمي يا عذبة الريق أنني

أظل إذا لم ألق وجهك صاديا

لقد خفت أن ألقى المنية بغتة

وفي النفس حاجات إليك كما هي

إن غياب الحبيبة يزيد العاشق لوعة، فيكتب جميل :

هي البدر حسنا والنساء كواكب

                  وشتان بين الكواكب والبدر

لقد فضلت عل الناس مثلما

                 على ألف شهر فضلت ليلة القدر

وفي هذا يحضر \ كثيّر \ ليكتب عن الحب بقوة بعد أن ذاقه :

وما كنت أدري قبل عزة ما البكا

                  ولا موجعات القلب حتى تولت

وما يزيد الأمر دهشة  أن زوج عزة  يرغم عليها  أن تذهب إليه وتشتمه وتوبخه , فتضطر مرغمة إلى ذلك , ولكن الحب لا يتحول إلى كراهية فيجيبها:

فقلت يا عز كل مصيبة

إذا وطنت يوما لها النفس ذلت

أسيئي بنا أو احسني لا ملومة

لدينا ولا مقلية إن تقلت

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزة من أعراضنا ما استحلت

أما رامبو الذي عانى الحرمان من الحب، فإنه يعبر عن قوة مشاعره وهو يتخيّل المرأة التي يحبها، فيخاطبها:

في الشتاء سنمضي بعربة وردية ذات وسائد زرقاء , يالسعادتنا.. سنخبئ في كل زاوية صغيرة عشا من القبل المجنونة.. ستغمضين عينيك فلا ترين أي شيء.. وعبر الزجاج تتراقص ظلال المساء القاتمة تلك المسوخ الشكسة الدهماء من الشياطين السود والذئاب السود , ثم تشعرين شيئا يدغدغ خدك.. قبلة صغيرة مثل عش عنكبوت طائش يجري على عنقك.

فتحنين رأسك وتقولين: أبحث عنه /.

وكان آراغون وهو يكتب قصائده العذبة لإلزا يقول لها  :

"المرأة هي مستقبل العالم.. وأنت مستقبلي.. "

ويقول: "إلزا التي شاركتني الحياة والمستقبل شاركتني الآلام والعذاب.. إلزا التي شاركتني كل ما في الحياة من نبضات.. كانت هي مستقبلي.. وكانت هي شعري.. وكانت هي حروف المعرفة والمستقبل في حياتي.

ثم يقول:

"ما من حب سعيد

سواء كان حبك أو حب الوطن" .

وياتي بول إيلوار ليكتب قصائد غاية في العذوبة

إن أشعاره تشبه تلك السيمفونيات  التي خلدت في الذاكرة , والتي يعود إليها المرء بين حين وحين ليستمع إليها مجددا وكأنه يستمع إليها لأول مرة رغم أنها المرة الأكثر من ألف 0.

ومما لاشك فيه أن "غالا" كانت خلف الكثير من قصائد الحب العذبة التي كتبها بول إيلوار.

يقول واصفا حبه العميق  لـ غالا:

كل ما قلت ياغالا 00 كان لتسمعيه

ثغري لم يستطع قط فراقك  0

وكان دوما يردد بألم : لايوجد سوى إنسان واحد، غالا

النسخة رقم 000 مطبوعة خصيصا للتي أحب

غالا التي تخفي عني حياتي وتريني كل الحب.

ويبلغ الحب مرحلة يغدو فيها المحب في حالة حب لكل ما يتعلف بمن يحب، تقول كاترين في رواية مرتفعات وذرنغ:

أحب الأرض تحت قدميه، والهواء فوق رأسه، وكل شيء يلمسه، وكل كلمة يقولها.. أحب كل نظراته وكل أفعاله، أحبه بكل مافيه، أحبه بمجمله.

وهذا يذكرني ببيت شعري بديع لعنترة يقول فيه :

ولقد ذكرتك والرماح نواهل

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

طاقة الحب

تفجّر المحبة طاقات الإنسان نحو الخير والبناء،  إنها قوة جبارة ضد التنازلات الكبرى ضد السقوط الذريع الذي يتعذر النهوض بعده.

من المحبة تولد زهور العفاف، وعذوبة  النقاء، وإمكانية الاستمتاع بقيم الإنسان والطبيعة في علاقة عذوبة  أبدية بين الإنسان والطبيعة، بين الإنسان والإنسان.

المحبة هنا تبني الإنسان، وتدفعه إلى الامتلاء بالحياة ، ولأن يكون صاحب قضية وصاحب موقف.

المحبة هي بيت الإنسانية الكبير الذي يتسع لجميع سكان الأرض.

تلبث المحبة مشرقة في حدائق قلوب الإنسان  ، وتملأ المدن  بروائح الحياة، تملأ سكانها بأنوار الحياة، وأنوار الإنسان .

أجمل العلاقات الإنسانية

إن أجمل العلاقات الإنسانية التي يعيشها الإنسان خلال حياته، هي علاقات المحبة، ولاشيء بمقدوره أن يقف حائلاً بين الإنسان ومشاعر المحبة في أي مكان، وأي عمر، وفقط عندما يشعر الإنسان أن طافة الحب ذبلت في تربة روحه، عندها يفقد أي صلة له بالحياة حتى لوكان يمشي على قدميه، ويتحدث مع الآخرين، بيد أنه في حقيقة الأمر شبح إنسان ذلك لأنه كائن لم يعد قادراً على الحب أعني هنا حب الرجل للمرأة وحبها للرجل حصرياً تجنباً لأي لبس.

أجل بوسع لحظات عابرة برفقة امرأة مجهولة أن تمد الرجل بطاقة من الحياة وتجعل فؤاده نابضاً بإشراقة الحيا.

لاأحد يمكنه الاستغناء عن الحب، لأن لا أحد يمكنه الاستغناء عن المرأة، وحتى لو اعتقد شخص ما ذلك، فإنه في ذروة استيائه من امرأة، ينظر إلى امرأة يمكن لها أن تعوضه عن خسرانه للمرأة التي مني بخسارتها، وفي اعتقادي أن خسارة المرأة هي أعظم خسارة يمكن أن يمنى بها الرجل.

يمكن لك أن تحب في السابعة من عمرك، كما يمكن لك أن تحب في السبعين، ويمكن لك أن تحب مادام قلبك ينبض، ومتى ما شعرت بأن ليست ثمة امرأة جميلة تلفت نظرك على الاطلاق، اعلم بأن قلبك لم يعد ينبض مهما تبدّت لك نبضاته.