الحرائق تعرّي عدم جاهزية الجزائر لمواجهة الكوارث

مصالح الحماية المدنية بالجزائر (الإطفاء) تعلن إخماد كل الحرائق المشتعلة في ولاية تيزي وزو 90 الأكثر تضررا من الحرائق التي تشهدها البلاد، فيما اتهم الرئيس الجزائري من وصفها بـ"أياد إجرامية" بالوقوف وراء تلك الحرائق.
إيقاف 22 شخصا للاشتباه بضلوعهم في إضرام الحرائق
الجزائر تستأجر طائرتي إطفاء من فرنسا للمساعدة في إخماد الحرائق
الدفاع المدني يعلن إخماد حرائق تزي وزو مع مواصلة المراقبة

الجزائر - عرّت حرائق الغابات في الجزائر حقيقة أن السلطات لم تكن مستعدة لمواجهة مثل هذه الكوارث ولم تستعد لها بما يجنبها الأسوأ وبما يقلل من الخسائر، فالرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أعلن في تصريحات سابقة أن بلاده طلبت طائرتي إطفاء من دول أوروبية لكن لم تتلق بلاده تجاوبا يذكر أو مساعدة دولية نظرا لانشغال الأوروبيين ذاتهم في حرائق كبيرة في اليونان.

ويقول خبير متخصص في المخاطر الكبرى أن حرائق الغابات التي أودت بحياة أكثر من 70 شخصا في شمال الجزائر كشفت عن عدم استباق السلطات العامة الأحداث واتخاذ استعدادات لمواجهة حرائق تتكرر كل صيف.

ويقول مدير الأبحاث في جامعة باب الزوار في الجزائر العاصمة ورئيس نادي المخاطر الكبرى عبدالكريم شلغوم إنه "محبط" أمام هول الكارثة التي يعتبر أنها كانت "متوقعة"، مبديا أسفه لغياب "الإرادة السياسية" لتلافيها.

وفي خضم الكارثة التي تشهدها الجزائر يتردد سؤال حول أسباب عدم جهوزية السلطات وضعف قدراتها بمواجهة الحرائق التي دمّرت آلاف الهكتارات خلال أكثر من عقدين؟

وشهدت الجزائر بين عامي 2001 و2004 أربع ظواهر ذات مخاطر كبرى: فيضانات باب الواد في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2001 (950 قتيلا و150 مفقودا)، غزو هائل للجراد في الجنوب، زلزال بومرداس في 21 مايو/ايار 2003 (3000 قتيل) ثم انفجار في مصنع للغاز في سكيكدة في يناير/كانون الثاني 2004.

وقررت الحكومة بعدها إنشاء لجنة خبراء مهمتها صياغة قانون بشأن إدارة المخاطر الكبرى في سياق التنمية المستدامة.

ويقول شلغوم إن "البرلمان أقرّ القانون وأصدره في 25 ديسمبر/كانون الأول 2004، لكن للأسف ورغم إصرارنا، لم تبصر المراسيم التطبيقية النور قط".

وتضمّن القانون على وجه التحديد حرائق الغابات، مع التدابير الاستباقية وقواعد الحماية كافة وإدارة المناطق الجبلية والأحراش والمساحات المكسوة بالغابات.

وأضاف "كل شيء كان مكتوبا ومتوقعا: شراء طائرات لمكافحة الحرائق وأجهزة استشعار عن بعد".

وردا على سؤال "ما هي نتائج عدم تطبيق القانون في الوقت الراهن؟"، أجاب الخبير الجزائري بالقول "تعاني أجهزة الحماية المدنية في الميدان، جراء عدم وجود مسارات في الغابات ولا نقاط مياه أو خنادق".

وأشار إلى أن ذلك كلّه أدى إلى تعقيد تدخل رجال الإطفاء والمهندسين العسكريين الذين يلعبون بشكل عام دورا مهما للغاية أثناء الكوارث الطبيعية، مضيفا "عندما تغيب أبسط قواعد الوقاية، تصبح إدارة الاستجابة أثناء الكارثة معقّدة. هذا هو الوضع الأسوأ الذي يخشاه جميع خبراء المخاطر الكبرى".

واستفادت الجزائر من سيل من الدولارات لسنوات بفضل الوقود. لسوء الحظ، لم يفعل المسؤولون في البلاد الذين أصدروا هذا القانون من دون تطبيقه (في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة) شيئا. "مع ذلك، فقد توقعنا كل شيء. لو توفّرت إرادة سياسية لكنا أكثر استعدادا. أشعر بالإرهاق والإحباط في الوقت ذاته".

وقال شلغوم "صنّف خبراء المناخ في الأمم المتحدة في تقريرهم الأخير الجزائر على أنها نقطة ساخنة للتغير المناخي. ويمثّل التصحّر والجفاف خطرا كبيرا مع الإجهاد المائي وحرائق الغابات المدمرة وخصوصا الفيضانات. كان على السلطات العامة أن تكون على جهوزية".

وخلص إلى أن الأمر يتعلق بـ"قضية أمن قومي وأن الخبراء والمجتمع المدني لم نتوقف أبدا عن إبلاغهم وتنبيههم. وهناك أكثر من عشرة مخاطر كبرى تهدد البلاد بشكل متزامن ومنتظم. التهديدات موجودة أساسا. إنها هناك. وتتمّ إدارة المخاطر الرئيسية عن طريق التوقع والتنبؤ والوقاية".

وكشفت مصالح الحماية المدنية بالجزائر اليوم الجمعة  عن إخماد كل الحرائق المشتعلة في ولاية تيزي وزو 90 كلم شرق العاصمة وهي الولاية الأكثر تضررا من الحرائق التي تشهدها البلاد .

وجاء في  بيان الحماية المدنية "يقوم الأعوان حاليا بعملية الحراسة لتفادي إعادة نشوب الحرائق، بحيث يتطلب على المواطنين الحيطة والحذر في ظل استمرار الظروف الجوية كموجة الحر وكذلك الرياح القوية".

وكانت قد وصلت أمس الخميس طائرتان فرنسيتان استأجرتهما الجزائر بهدف المساعدة في إطفاء الحرائق.

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد أعلن مساء أمس الخميس أن أغلب الحرائق التي تشهدها بلاده، هي من فعل أياد إجرامية. وقال إنه تم إيقاف 22 شخصا للاشتباه بضلوعهم في إضرام الحرائق.

وأضاف تبون أنه لا يجب السقوط في فخ منظمتين إرهابيتين تحاولان ضرب الوحدة الوطنية، مستنكرا ما وصفه بـ"محاولات البعض للتفريق بين مناطق البلاد"، محذرا ممن وصفهم بـ"الجراثيم التي تحاول الدخول والاندساس بين الشعب الواحد" مضيفا "سنتصدى لكل من حاول التفريق بين الجيش والشعب والدولة".

وكانت مصالح الحماية المدنية بالجزائر قد أعلنت يوم الإثنين الماضي عن عمل فرقها على إخماد 124 حريقا في 14 ولاية و33 بلدية لتمتد بعدها لـ 17 ولاية.

وامتدت حرائق الغابات في شرق البلاد وفي عدد من ولايات الغرب، فيما تضررت ولاية تيزي وزو بمنطقة القبائل بشدة.