الحركة الإسلامية تعيش أزمة عميقة في تركيا

حزب العدالة والتنمية وحركة غولن ما إن أفلتا من الإطار الذي وضعته الكمالية حتى انتهيا إلى وضع تفسير للدين أميل إلى السلفية.

بقلم: غوكهان باجيك

حتى أواخر العقد الأخير من القرن العشرين، كان مصطلح "الإسلام التركي" رائجا وبشدة لوصف ما كان يُشار إليها حينها باعتباره نموذجا معتدل نسبيا للتدين يمارسه الأتراك. كما كان هذا النموذج يميز المعتقدات في تركيا عن ثقافتين كبيرتين شائعتين في الشرق الأوسط هما الإسلام العربي والإسلام الفارسي.

لكن ومنذ نجحت الحركة الإسلامية في تعزيز وضعها بعد صعودها إلى السلطة في تركيا عام 2002، يكاد يكون مصطلح الإسلام التركي قد اختفى كليا.

وفي مقابل ما احتواه الإسلام التركي من اعتدال، فإن الأسس التي تقوم عليها الحركة الإسلامية التركية كانت أسسا سلفية أكثر تشددا من نمط الحياة الإسلامي المعتدل في تركيا.

لقد كانت الشخصية السلفية للحركة الإسلامية في تركيا تختبئ تحت عباءة الكمالية العلمانية التي تأسست على مبادئها الجمهورية التركية. لكن هذا كان قبل أن تصل الحركة الإسلامية إلى الحكم.

في البداية، كان كثيرون يأملون أن يعمل حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان ومعه أنصار حركة الداعية التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن على تجديد الخطاب الإسلامي.

لكن حزب العدالة والتنمية وحركة غولن ما إن أفلتا من الإطار الذي وضعته الكمالية حتى انتهيا إلى وضع تفسير للدين أميل إلى السلفية.

كما لعبت جذور الجماعات الإسلامية التركية المنحدرة من منطقة الأناضول الشرقية دورا بارزا في هذا التحول.

فكثير من الحركات والمجموعات كان قد بدأ نشاطه على أيدي رموز كبرى في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حين كان هؤلاء القياديون يحظون بدعم من منطقة الأناضول الشرقية حيث كان تفسير الإسلام أكثر تشددا، ليس فقط في الحياة اليومية، بل كذلك في المدارس والمعاهد الدينية.

وكان كثير من الآباء المؤسسين للحركات الإسلامية التركية على صلة بالمدارس والمعاهد الدينية.

ورغم الانتقال إلى إسطنبول، فإن أحدا من هؤلاء الآباء المؤسسين للحركة الإسلامية التركية قد ارتبط – سواء اجتماعيا أو فكريا – بالفكر الإسلامي السائد في الإمبراطورية العثمانية المنفتحة على العالم ولا على الثقافة المميزة للمدن الكبرى.

على العكس من ذلك، جلب رجال بارزون مثل سعيد نصري، الذي توفي عام 1960، إلى غرب تركيا منهجا بالغ التشدد فُرض بالقوة للطريقة الأشعرية التي هيمنت على الفكر الإسلامي في المدارس الدينية في شرق البلاد.

في هذه الأجواء، تبنى كثير من صغار السن والمتعلمين في المدن الكبرى في غرب تركيا منظورا متشددا للإسلام متأثرين بكتابات أمثال نصري.

وبهذه الطريقة، تفوقت الحركات الإسلامية المتشددة تلك على المذهب الحنفي السائد في غرب تركيا لتهيمن على الفكر هناك الطريقة الأشعرية.

نقلت الحركات الإسلامية التركية كذلك عناصر من الثقافة العربية، فأطلقوا على أبنائهم أسماء عربية، بينما كان ارتداء الملابس العربية مظهرا من مظاهر التقوى.

والآن تعيش الحركة الإسلامية في تركيا أزمة عميقة ووجدت نفسها تعود إلى الخطاب المائل أكثر إلى السلفية لخدمة أغراض سياسية. فاليوم، باتت المجموعات الإسلامية في تركيا، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم وحركة فتح الله غولن، أميل للسلفية مما كانوا عليه قبل عشر سنوات.

نُشر في أحوال تركية