الحزب الحاكم يرفع الغطاء السياسي عن بوتفليقة

حزب جبهة التحرير الوطني يعلن دعمه المطلق للحراك الشعبي المنادي برحيل النظام، محاولا فصل النظام الحالي عن الحزب في أوضح إشارة لتخليه عن الرئيس الجزائري.
بوتفليقة يخسر أحد أكبر حلفائه مع اشتداد الضغط الشعبي
الخناق يزداد ضيقا على بوتفليقة مع اتساع دائرة الحلفاء المنفضين من حوله
حزب أويحيى يصف ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة بأنه 'خطأ كبير'
13 نقابة جزائرية مستقلة رفضت دعم مساعي بدوي تشكيل حكومة
قيادات في جبهة التحرير الوطني قدمت استقالاتها وانضمت للمحتجين
الجيش يريد دورا اكثر فاعلية في الازمة

الجزائر - قال معاذ بوشارب منسق هيئة تسيير حزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم منذ الاستقلال) الذي يرأسه عبدالعزيز بوتفليقة اليوم الأربعاء، إن حزب جبهة التحرير وأبناء حزب جبهة التحرير يساندون مساندة مطلقة الحراك الشعبي ويدافعون بكل اخلاص من أجل أن نصل إلى الأهداف المرجوة وفق خارطة طريق واضحة المعالم".

وأضاف أن الحزب يدعم "مطالب الشعب الجزائري بالتغيير" التي عبر عنها من خلال مسيرات حاشدة، داعيا إلى الحوار من أجل الخروج من الأزمة.

وأشار بوشارب الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس النواب، إلى أن الحكومة "ليست بيد الحزب"، محاولا فصل النظام الجزائري عن حزبه الحاكم للبلاد منذ استقلالها في 1962.

وهذه أحدث إشارة على اتساع دائرة المنفضين من حول الرئيس المريض الذي يتشبث بتمرير خارطة طريق سياسية لقيت رفضا شعبيا واسعا مع قناعة المحتجين أن بوتفليقة يمثل واجهة لنظام يحكم قبضته على الجزائر وأن المطلب الأساسي هو رحيل النظام الحالي بكل مكوناته بما في ذلك الرئيس.

وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الخناق يزداد ضيقا يوما بعد يوم على الرئيس الجزائري حتى من أقرب المقربين، تحت ضغط الشارع الذي يواصل انتفاضته السلمية لتغيير النظام رافضا بذلك كل المقترحات والقرارات الأخيرة التي شملت تمديد الولاية الرئاسية الرابعة والدعوة لتعديل دستوري بما يمهد لنظام سياسي جديد.

وأحدث اعلان بوتفليقة الترشح لولاية رئاسية خامسة ثم التراجع عنها لاحقا مع اشتداد الضغوط الشعبية، شروخا عميقة في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي استقال منه بعض الأعضاء وكذلك في أحد أكبر أحزاب الموالاة حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه رئيس الحكومة المستقيل أحمد أويحي.

وفي أحدث حلقات الخلافات والانقسامات التي ضربت أحزاب السلطة، وصف الناطق باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب في حوار مع قناة البلاد ترشح بوتفليقة بالخطأ الكبير في اشارة واضحة لانفضاض أحد أهم حلفاء بوتفليقة من حوله، سرعان ما تنكر لها حزب أويحيى بأن تبرأ منها قائلا في بيانه "ان النقاش كان أحيانا بأسلوب مستفز وموجه أدى بزميلنا إلى الانفعال وفي بعض الأحيان الابتعاد عن المواقف المعروفة للتجمع الوطني الديمقراطي". 

وتابع الحزب ان موقفه بلوره بوضوح أحمد أويحي الأمين العام للتجمع في الرسالة التي وجهها لمناضلي الحزب، سواء ما يتعلق بقراءة التجمع الوطني الديمقراطي لمجريات الوضع السائد على الساحة الوطنية أو فيما يتعلق بتقدير الحزب ووفائه للسيد رئيس الجمهورية".

وقال صديق شهاب "أخطانا في التقدير والاستشراف ونقص البصيرة بالنسبة لترشح الرئيس بوتفليقة. مضيفا "لم تكن لدينا الشجاعة الكافية للإدلاء بقوة بكل ما كان يخالجنا، لم نكن مقتنعين بترشيح الرئيس وهو في هذه الحالة الصحية". 

ورغم بيان الحزب تجمع كل المؤشرات على أن الخناق بدأ يضيق على الرئيس الجزائري حتى من أقرب حلفائه فيما تشتد عليه الضغوط الشعبية للرحيل عن الحكم حيث طالب اويحي  الاثنين بالاستجابة باسرع وقت ممكن لمطالب المتظاهرين الذين يحتجون منذ اربعة اسابيع لإسقاط نظام بوتفليقة.

وأزاح بوتفليقة أويحيى الذي لا يتمتع بشعبية بين الجزائريين، وكلف وزير الداخلية نور الدين بدوي المعروف بأنه من أعضاء الدائرة المقربة من الرئيس تشكيل حكومة جديدة. كما عين رمطان لعمامرة نائبا لرئيس الوزراء.

وفقد بوتفليقة حلفاء في الأيام القليلة الماضية منذ عودته من رحلة علاج أبقته لأيام في سويسرا من بينهم أعضاء كبار في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم .

وفي رسالة وجهها الى كوادر حزبه التجمع الوطني الديمقراطي الذي يشغل منصب أمينه العام، قال أويحيى "مثلما يحيي الجميع المطالب السلمية لشعبنا فلا بد من الاستجابة لها في أقرب الآجال حتى نجنب بلادنا أي انزلاق لا قدر الله وحتى تستعيد الجزائر أنفاسها لمواصلة مسار تنميتها الاقتصادية والاجتماعية".

وينادي المحتجون بجيل من القادة الجدد بدلا من نخبة حاكمة يهيمن عليها الجيش وكبار رجال الأعمال ممن لهم صلة بقادة حرب التحرير التي استمرت بين 1954 و1962.

وتتصدى السلطات الجزائرية دوما بحنكة لمعارضة ضعيفة تفتقر إلى التنظيم لكن الاحتجاجات الكبيرة أكسبت شخصيات معروفة الجرأة لقيادة مسعى الإصلاح في البلاد.

ومن بين الشخصيات البارزة التي تشملها الجماعة السياسية الجديدة المحامي والناشط المدافع عن حقوق الإنسان مصطفى بوشاشي والقيادي المعارض كريم طابو ووزير الخزانة السابق علي بن واري والسياسيان مراد دهينة وكمال قمازي اللذان ينتميان إلى حزب إسلامي محظور.

وتضم التنسيقية امرأة واحدة حتى الآن هي زبيدة عسول وهي زعيمة حزب سياسي صغير. وقالت التنسيقية الوطنية من أجل التغيير في بيانها "بوتفليقة داس على الدستور الحالي ... بالإعلان عن رغبته في تمديد ولايته الرابعة".

وانطلق رمطان لعمامرة نائب رئيس الوزراء الذي عينه بوتفليقة في هذا المنصب في جولة خارجية للدول الحليفة لطلب الدعم. وزار الثلاثاء موسكو الحليف العسكري الوثيق للجزائر.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن روسيا قلقة من الاحتجاجات في الجزائر وترى محاولات لزعزعة استقرار الوضع.

طوفان من المحتجين رفضا للتمديد لبوتفليقة ودعوة لرحيل النظام
طوفان من المحتجين رفضا للتمديد لبوتفليقة ودعوة لرحيل النظام

ودافع لعمامرة عن مقترحات الحكومة للإصلاح. وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع لافروف إن بوتفليقة وافق على تسليم السلطة إلى رئيس منتخب وإنه سيكون مسموحا للمعارضة بالمشاركة في الحكومة التي تشرف على الانتخابات، مضيفا أن الحكومة استجابت للمطالب المشروعة للشعب الجزائري.

وكرر بوتفليقة في رسالة بثتها قناة النهار الخاصة، ما ذكره سابقا عن خطة لعقد مؤتمر وطني لإصلاح النظام السياسي وأن المؤتمر سيعقد قريبا. ونقلت القناة عن الرئيس الجزائري قوله الاثنين إنه سيتم قريبا عقد "ندوة وطنية جامعة" لإنهاء الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد.

وأضاف أن هذه الندوة ستتخذ "قرارات حاسمة". وذكرت القناة أن الدستور الجديد سيمهد الطريق أمام اختيار رئيس جديد للبلاد.

ويأتي إعلان بوتفليقة في الوقت الذي تواجه فيه الإجراءات التي أعلنها مؤخرا ومنها تأجيل الانتخابات والتأسيس لمرحلة انتقالية لتغيير النظام رفضا شعبيا متصاعدا أربك حسابات السلطة وأعاد خلط أوراقها مجددا.

ونجحت الاحتجاجات في إسقاط الولاية الخامسة لبوتفليقة وتقاوم حاليا لإسقاط تمديد الولاية الرابعة للرئيس الذي يعاني من تبعات جلطة دماغية أصابته في 2013.

ومنذ عودته من العلاج الطبي في سويسرا، خسر بوتفليقة بعض حلفائه في الأيام القليلة الماضية ومن بينهم أعضاء كبار في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم.

وفي ضربة موجهة للنخبة الحاكمة، رفضت 13 نقابة جزائرية مستقلة دعم مساعي رئيس الوزراء المعين حديثا نورالدين بدوي لتشكيل حكومة.

وقال بوعلام عمورة أحد رؤساء نقابات قطاع التعليم للصحفيين إن النقابات لن تجري مناقشات مع هذا النظام لأنها تنتمي للشعب والشعب قال "لا" للنظام، فيما يعتزم رئيس الوزراء الإعلان عن الحكومة الجديدة خلال أيام.

ويزداد الخناق ضيقا على الرئيس الجزائري يوما بعد يوم منذ إعلانه تأجيل الانتخابات الرئاسية واتخاذ سلسلة إجراءات أججت الاحتجاجات، حيث بدأ حلفاء بوتفليقة ينفضون من حوله.

وقدمت قيادات في حزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم منذ الاستقلال) استقالاتها من الحزب ومن البرلمان.

وفي أحدث حلقة في هذا الشأن أعلنت مديرة الإتصال برئاسة الجمهورية فريدة بسة الاثنين استقالتها تضامنا مع الحراك الشعبي، وفق تغريدة نشرها تلفزيون النهار نقلا عن موقع إخباري جزائري.

وحسب المصدر ذاته فإن سبب استقالة مديرة الاتصال برئاسة الجمهورية هو تأثرها بالحراك الشعبي وما يجري من الأحداث في البلاد.

الحراك الشعبي في الجزائر أسقط الولاية الخامسة لبوتفليقة ويضغط حاليا لاسقاط تمديد الولاية الرابعة ورحيل النظام

وأوضح أويحيى الذي ظل يدعم بوتفليقة منذ وصوله الى الحكم العام 1999 أن حزبه يعتبر أنه "لا حكم ولا سلطة أغلى من الجزائر".
ودعا إلى "قبول الجميع التنازلات التي من شأنها إقناع المواطنين بمصداقية الانتقال الديمقراطي السلس المعروض من طرف رئيس الجمهورية باعتبارها تنازلات يمكن أن تقنع اطياف الساحة السياسية لا سيما المعارضة".
ومنذ إعلان ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في 10 فبراير/شباط الماضي لولاية رئاسية خامسة تشهد الجزائر احتجاجات وتظاهرات رافضة لذلك.
وأعلن بوتفليقة الاسبوع الماضي سحب ترشحه لولاية خامسة وتأجيل انتخابات الرئاسة إلى جانب الدعوة لمؤتمر للحوار يفضي إلى تعديل دستوري وانتخابات جديدة لن يترشح فيها.
لكن تلك القرارات لم توقف الاحتجاجات حيث اعتبرتها المعارضة بمثابة "تمديد" لحكم الرئيس الجزائري والتفافا على الحراك الشعبي الذي يطالب برحيله.

وخرج ألوف من الطلاب وأساتذة الجامعات والعاملين بالقطاع الطبي في الجزائر الثلاثاء لمطالبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالتنحي فيما دعت مجموعة جديدة سياسية يقودها نشطاء ورموز معارضة الجيش إلى عدم التدخل في الشأن السياسي.

وفي أول رسالة مباشرة إلى الجيش من قادة أفرزتهم احتجاجات حاشدة على حكم بوتفليقة، قالت التنسيقية الوطنية من أجل التغيير إنه يتعين على الجيش "ضمان مهامه الدستورية دون التدخل في خيارات الشعب".

الكل يسارع للقفز في سفينة النظام التي باتت على وشك الغرق مع اتساع دائرة الاحتجاجات وبروز شروخ كبيرة في معسكر بوتفليقة

واستجاب بوتفليقة الذي يحكم الجزائر منذ 20 عاما للاحتجاجات في الأسبوع الماضي وأعلن أنه لن يترشح لولاية خامسة لكنه لم يترك كرسيه على الفور وقال إنه سيبقى في المنصب لحين اقرار دستور جديد مما يعني عمليا تمديد رئاسته.

ولم توقف هذه التحركات من الاحتجاجات التي بلغت ذروتها يوم الجمعة بخروج مئات الآلاف إلى الشوارع واستمرت هذا الأسبوع.

وقال أحد الطلاب (23 عاما) "لن نوقف ضغطنا حتى يرحل (بوتفليقة)". وجاء في عبارة على إحدى اللافتات "الناس تريدك أن ترحل".

ولم يعد بوتفليقة (82 عاما) يظهر إلا فيما ندر منذ إصابته بجلطة في 2013. ويقول المحتجون إنه غير لائق صحيا للحكم. وقال طبيب من بين مئات الأطباء والعاملين بقطاع الصحة في مظاهرة يوم الثلاثاء "فاض بنا الكيل من هذا النظام. يجب أن يختفي للأبد".

وظل الجيش ملازما لثكناته أثناء الاحتجاجات حتى الآن لكن رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح لمح أمس الاثنين إلى دور أكثر فاعلية قائلا إن الجيش عليه تحمل المسؤولية لإيجاد حل سريع للأزمة.

وعادة ما يدير الجيش السلطة في الجزائر من وراء الستار لكن سبق له التدخل في لحظات حاسمة من بينها عام 1992 حين ألغى انتخابات كان من المقرر أن يفوز بها حزب إسلامي مما أثار حربا أهلية استمرت 10 سنوات.

وأصدر قادة الاحتجاج بيانهم الذي حمل عنوان "أرضية من أجل التغيير في الجزائر" في وقت متأخر أمس، طالبوا فيه بوتفليقة بالتنحي قبل نهاية فترته الرئاسية في 28 أبريل نيسان والحكومة بالاستقالة على الفور.