الحزن يخيم على تونس في وداع رجل التوافقات

رجال ونساء وأطفال احتشدوا منذ الصباح أمام المستشفى العسكري بالعاصمة تحت شمس حارقة منتظرين نقل جثمان قائد السبسي إلى قصر قرطاج، رافعين العلم الوطني وصور الرئيس الراحل.
قائد السبسي يشغل التونسيين حيا وميتا
حزن وفخر يرافقان نقل جثمان قائد السبسي من المستشفى إلى قصر قرطاج
المئات يستقبلون جثمان قائد السبسي بالدموع والنشيد الوطني

تونس - تخيم أجواء الحزن على تونس لليوم الثاني منذ إعلان الرئاسة التونسية وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي المعروف برجل التوافقات والذي أنقذ البلاد من الانزلاق للفوضى منذ عودته للحياة السياسية بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

ويجمع التونسيون حتى ممن يختلف مع الرئيس الراحل على أنه كان رجل التوافقات بامتياز وقاد البلاد في أحلك الظروف بحنكة وصبر رغم تقدمه في السنّ.

وتجمع اليوم الجمعة مئات التونسيين أمام المستشفى العسكري بالعاصمة تونس تعبيرا عن حزنهم على وفاة رئيسهم الذي توفي أمس الخميس عن عمر ناهز 92 عاما بالمستشفى ونقل جثمانه إلى القصر الرئاسي بضاحية قرطاج قبل جنازة وطنية يوم السبت من المقرر أن تحضرها وفود عربية وأجنبية من رؤساء ورؤساء حكومات وأمراء وملوك أو من يمثلهم.

نقل جثمان الباجي قائد السبسي من المستشفى العسكري إلى قصر قرطاج
نقل جثمان الباجي قائد السبسي من المستشفى العسكري إلى قصر قرطاج

وكان الرئيس التونسي الراحل الذي ساعد في قيادة الانتقال الديمقراطي في البلاد بعد انتفاضة 2011، شخصية بارزة في تونس منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وبعد توليه منصب رئيس الوزراء في عام 2011 انتُخب قائد السبسي رئيسا بعد ثلاث سنوات، ليصبح أول رئيس للبلاد يتم اختياره عبر الاقتراع المباشر بعد انتفاضة ما يسمى بـ"الربيع العربي".  وأسس الرئيس الراحل حزب نداء تونس الذي يشارك في الحكومة الائتلافية.

وأمام المستشفى العسكري وقف نساء ورجال وأطفال تحت شمس حارقة اليوم الجمعة على حافة الطريق منتظرين نقل جثمان الرئيس إلى قصر قرطاج وكانوا يرفعون أعلام تونس وصور الرئيس الراحل.

وقالت امرأة تدعى سلمى الحبيبي وهي ترفع علم تونس "اليوم فقدنا أب لكل التونسيين... كان مميزا وكان يريد دائما إعلاء قيمة المرأة التونسية"، مضيفة "اليوم كسبنا دولة ديمقراطية فعليا بنقل رائع وهادئ للسلطة. لا دبابات في الشوارع ولا حظر للتجوال ولا بيانات للجيش".

التونسيون: وداعا 'بجبوج'
التونسيون: وداعا 'بجبوج'

وبعد بضع ساعات من وفاة قائد السبسي صباح الخميس أدى رئيس البرلمان محمد الناصر اليمين ليصبح رئيسا مؤقتا للبلاد في انتقال سلس للسلطة في مهد انتفاضات الربيع العربي. وبعد ذلك بقليل قالت الهيئة المستقلة للانتخابات إن الانتخابات الرئاسية ستجري في 15 سبتمبر/أيلول بعد أن كانت مقررة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني.

وينص الدستور على إجراء الانتخابات خلال فترة أقصاها ثلاثة أشهر منذ إعلان الشغور النهائي لمنصب الرئيس وتعيين رئيس مؤقت. وستكون الانتخابات المقبلة ثالث انتخابات رئاسية تجرى منذ انتفاضة عام 2011.

وأمام المستشفى وقفت تشكيلة من حرس الرئاسة وضباط من الجيش بينما نقل جثمان قائد السبسي على متن عربة عسكرية كان يتبعها موكب كبير من السيارات الرئاسية.

وعلى مقربة من قصر الرئاسة بضاحية قرطاج تجمع أيضا عدد من المواطنين لإلقاء نظرة الوداع على جثمان الرئيس الراحل. ورددوا النشيد الوطني بعد مرور جثمانه وكانت طائرات تحلق فوق المكان.

وقال شاب يدعى نبيل "نأمل أن تبقى تونس واقفة مثلما كان يريد ذلك السبسي. سنفتقدك يا بجبوج" في إشارة للباجي قائد السبسي.

وواجه الرئيس الراحل الكثير من الانتقادات وصلت أحيانا حد الثلب والشتم، إلا أنه وبحسب ما ذكرت الناطقة باسم الرئاسة سعيد قراش في تصريحات لإذاعة محلية خاصة، كان صبورا على الأذى.

كم اتهم قائد السبسي بالسعي للعودة إلى تركيز السلطات في يديه بما يعيد للأذهان السياسيات التسلطية السابقة وإلى توريث الحكم، لكن الرئيس الراحل كان يعمل على تعزز التوافق الوطني وإعلاء المصلحة الوطنية.

وبحسب دستور 2014 يتمتع الرئيس التونسي بصلاحيات محدودة ويقتصر دوره على  السياسات الخارجية والدفاعية.

واتهمه منتقدون بالتراجع عن الحريات المتاحة في عصر ما بعد الثورة وعدم دعمه للجنة لتقصي الحقائق تسعى لتحقيق العدالة لضحايا النظام الاستبدادي، لكن قائد السبسي الذي شغل منصب رئيس البرلمان أثناء حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي كان ينفي جميع تلك الاتهامات.

وقال منصف المرزوقي الرئيس السابق وأحد أشد خصوم قائد السبسي "أنا حزين لفقدان الرئيس الباجي قائد السبسي وهو خصم رئيسي من وقت طويل... لكن أشعر بالفخر أيضا بالاعتزاز والفخر بهذا الانتقال السلس".

وأضاف "نحن في تونس من حسن الحظ أننا في مسار انتقال متقدم وننتقل من دولة للأقليات الفاسدة إلى دولة القانون".

ورغم أن الانتقال الديمقراطي في تونس حظي بإشادة باعتباره قصة النجاح الوحيدة في بلدان الربيع العربي يشعر كثير من التونسيين بالضيق بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتدني الخدمات العامة.

ولم يصاحب التقدم السياسي النسبي تقدم اقتصادي. وتبلغ نسبة البطالة نحو 15 بالمئة، ارتفاعا من 12 بالمئة في 2010، بسبب النمو الضعيف وتراجع الاستثمار. كما بلغت معدلات التضخم مستويات قياسية.