الحشد يتراجع عن الاعتراف بإطلاق النار خلال 'مجزرة السنك'

الحشد الشعبي الموالي لإيران تراجع عن اعترافه بإطلاق مسلحيه النار ليلة الجمعة في ساحة الخلاني والمنطقة المحيطة بها قرب جسر السنك في بغداد حيث قتل 25 شخصا.

بغداد - تنصل الحشد الشعبي بالعراق من إقراره إطلاق مسلحيه النار ليلة الجمعة في ساحة الخلاني وسط العاصمة بغداد، زاعما أن موقعه الإلكتروني تعرض للاختراق.
ونشر موقع الحشد الإلكتروني تنويها مقتضبا اليوم الاثنين قال فيه إن "موقع الحشد الشعبي الإلكتروني تعرض لهجمات اختراق وتم معالجة الاختراق من قبل الفرق المختصة".
والأحد، أقر الحشد عبر بيان على موقعه الإلكتروني إطلاق مسلحيه النار ليلة الجمعة في ساحة الخلاني والمنطقة المحيطة بها قرب جسر السنك وسط بغداد، استجابة لاستنجاد متظاهرين تعرضوا للاعتداء من "مخربين".
وهذه أول مرة يقر فيها الحشد بتواجد مسلحيه في مواقع تجمع المحتجين المناوئين للحكومة، حيث كرر على مدى الأسابيع الماضية بأن مسلحيه لا يتم تكليفهم بمهام حفظ الأمن أو غير ذلك في مواقع التظاهرات.
وأوضح الحشد أن "المخترقين نشروا بيانا حول أحداث ساحة الخلاني المؤسفة، وهو غير صحيح، وتم حذفه".
وكان مسلحون ملثمون يستقلون سيارات مدنية رباعية الدفع اقتحموا ليل الجمعة ساحة الخلاني قرب جسر السنك ببغداد، وبدأوا بإطلاق الرصاص الحي بصورة عشوائية على المتظاهرين هناك، ما أسفر عن مقتل 25 شخصاً وإصابة 120 آخرين بجروح، وفق مصادر طبية وأمنية وشهود عيان.

وأطلق المتظاهرون على الهجوم اسم "مجزرة السنك" نسبة إلى الجسر القريب من ساحة التحرير المركزية.

واتهم ناشطون في الاحتجاجات فصائل الحشد الشعبي المقربة من إيران بالوقوف وراء الهجوم، كما لم يبرؤوا قوات الأمن من "التواطؤ" مع المهاجمين وافساح المجال أمامهم بالدخول والتجول بحرية في المكان، دون اعتقال أي منهم حتى الآن. لكن السلطات الأمنية نفت هذه الاتهامات، وقالت إنها فتحت تحقيقا في الحادث للوصول إلى الجناة.

ولتهدئة الشارع اضطرت السلطات العراقية تقديم  قائد عمليات بغداد الفريق الركن قيس المحمداوي، ككبش فداء حيث تم إعفائه من مهامه أمس الأحد، في خطوة مستفزة إضافية زادت من حدة الاحتقان ضد ممارسات ميليشيات الحشد التي كان من المنتظر محاسبتها بدل معاقبة الجيش.

وقالت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إن سبب إعفاء المحمداوي يعود إلى "أسباب صحية"، لكن ذلك الإجراء لم يكن سوى حافزا إضافيا لاستئناف الشارع التظاهر، حيث تواصلت الاحتجاجات في العاصمة وجنوب البلاد وسط تزايد الانتقادات الدولية للحكومة.
ويتكون الحشد من فصائل مسلحة شيعية في الغالب، وهو رسميا قوة تابعة للدولة، لكن مراقبين يرون أنها لا تأتمر بأوامر الحكومة وإنما قادتها الذين يرتبط البعض منهم بصلات وثيقة مع إيران.

وتشكلت وحدات الحشد الشعبي سنة 2014، على إثر فتوى من المرجع الديني الأعلى علي السيستاني بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. لكن تنامي نفوذ القوات المسلحة السريع جعل منه اليد اليمنى للنظام الإيراني في العراق حيث تفوقت سلطة تلك الميليشيات سلطة القوات الأمنية الرسمية في البلاد.

ويطالب العراقيون منذ أكثر من شهرين بتغيير الطبقة السياسية التي تحتكر السلطة منذ 16 عاماً، ويتهمونها بالفساد والمحسوبية والتبعية لإيران.
ومنذ بدء الاحتجاجات في العراق مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سقط 485 قتيلا وأكثر من 17 ألف جريح، استناداً إلى أرقام مفوضية حقوق الإنسان الرسمية المرتبطة بالبرلمان ومصادر طبية وأمنية.

ويرى مراقبون للشأن العراقي أن "مجزرة السنك" أصبحت الآن نقطة تحول في مسار حركة الاحتجاج العفوية، حيث كسب المحتجون الجولة الأهم في المعركة السياسية، وإن كان ثمن ذلك باهظا بحصيلة دموية تعد سابقة في تاريخ العراق الحديث.

ومنذ بداية الحراك الشعبي في العراق مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وجهت أصابع الاتهام إلى إيران وميليشياتها لتورطها في قتل المحتجين، حيث ألقت عناصر الحشد المسلحة بكل ثقلها في ساحات الاعتصام في محاولة لقلب الوقائع على الأرض والتغطية على موجة الغضب السائد من التدخلات الإيرانية في العراق.

ونشرت فصائل مدعومة من إيران قناصة على أسطح البنايات مع بداية الاحتجاجات المناهضة للحكومة في بغداد، لترهيب وقتل المحتجين وفقا لما قاله مسؤولان أمنيان عراقيان.

وأقرت اللجنة التي كلفتها الحكومة بالتحقيق في مقتل المتظاهرين بوجود قناصة استهدفوا المحتجين منذ بداية الانتفاضة العراقية لكنها لم تسمي الجهات التي تقف ورائهم.

وتزامنت "مجزرة السنك" مع تحركات يقودها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني المكلف أيضا بالملف العراقي والذي ترددت أنباء عن زيارته الأسبوع الماضي لبغداد، في وقت تجري فيه القوى السياسية مشاورات لتشكيل حكومة جديدة.

وتتوجس إيران من انحسار نفوذها في العراق ولبنان على وقع احتجاجات شعبية أحرقت فيها قنصلية طهران في النجف في مناسبتين كما داس المتظاهرون أو ضربوا بالأحذية صورا لرموز إيرانية بارزة من بينها سليماني.