الحقيقة أعلى من أن يقفز عليها

كيف يستقيم المنطق الإيراني الذي يقوم على أن العقوبات الجديدة ستؤثر على إيران ولن تؤثر عليها معا؟

قدرات القفز الطبيعية والاستثنائية للإنسان محددة أي إن هناك مستوى محددا لها لا يمكن تجاوزها، ومن حاول ذلك فإنه أمام إحتمالين لا ثالث لهما: إما الفشل في تحقيق أية نتيجة؛ أو أن يتم دفع ثمن ذلك من خلال أضرار تلحق بجسد الذي حاول ذلك. وبالتعابير المجازية في مجال السياسة فإن القفز على الحقائق ممكن مع حجم ومستوى تلك الحقيقة، لكن لا مجال للقفز على حقائق دامغة صارت كأمر واقع وثابتة للعيان، فذلك النوع من القفز يعتبر عملية خداع للنفس قبل خداع الآخرين، وكذبة تثير السخرية لأن أمرها مكشوف!

مع إقتراب العد التنازلي لتنفيذ الحزمة الثانية من العقوبات الاميركية، والتي كما هو واضح الاقوى والاكبر تأثيرا على طهران بموجبه آراء وتوقعات معظم المراقبين خصوصا وإن آثار الحزمة الاولى قد صارت واضحة للعالم كله على الاوضاع في إيران داخليا وخارجيا، فقد قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إن العقوبات الأميركية ستؤثر على بلاده اقتصاديا، لكنها لن تغير من سياسات طهران، محذرا واشنطن من عدم جدوى تلك العقوبات.

هناك الكثير من التصريحات المتباينة التي تم إطلاقها من جانب قادة ومسٶولين إيرانيين بعد سريان الحزمة الاولى من العقوبات الاميركية وقبل تنفيذ الحزمة الثانية تحذر جميعها من الآثار والتداعيات والنتائج السلبية المحتملة لهذه العقوبات كليا ولاسيما للحزمة الثانية والتأكيد من إن إيران غير مستعدة لتحملها وإنها سرعان ما ستصيب النظام بحالة من الكساح والشلل لكن التأثير الاخطر وبحسب هذه التصريحات هو على الاوضاع الداخلية وإحتمال إندلاع إنتفاضة كبرى لا يمكن السيطرة عليها هذه المرة خصوصا وإن الشعب قد صار أشبه ما يكون بالمعبأ ضد النظام والمهيأ للإنقضاض عليه في اللحظة المواتية والظرف "المناسب" الذي يمكن تسميته بدرجة الاتقاد.

ظريف عندما يقول بأن "العقوبات الأميركية ستؤثر على بلاده اقتصاديا، لكنها لن تغير من سياسات طهران، محذرا واشنطن من عدم جدوى تلك العقوبات"، فإنه يعلم جيدا بأن المشكلة الاكبر التي يعاني منها النظام الايراني هي المشكلة الاقتصادية التي تعصف بالداخل مع عدم وجود أي مجال لإيجاد حلول مناسبة لها حتى وإن كانت جزئية، وإن عدم تغيير السياسات التي يتحدث عنها سيصبح مجرد تعبير إنشائي وكلام للإستهلاك عندما تحين الساعة خصوصا مع التحذير "السمج" الاخير الذي أدلى ذلك إن الذي ليس فيه أي جدوى وأهمية هي المحاولات التي تقوم بها طهران للتخلص من كابوس العقوبات التي هي محرقة للنظام إذا لم يتم تدارك الامر وإعلان الاستسلام والرقص على الإيقاع الاميركي.