الحلم يدق باب السرد في تونس

هيام الفرشيشي تتنقل بين نصوص سردية تتجلى فيها رؤى مبدعيها، من خلال قراءات نقدية تفكك شفرات الحلم.
بطلة قصة نافلة ذهب لها منفذ حلمي حكائي ينفذ إلى الواقع ويتواصل معه
خمسة نصوص مستلهمة من قصة لأخوان الصفاء حول التزاوج بين القردة والبشر

تونس ـ افتتح بيت السرد بابه للحلم مؤخرا في دار الثقافة ببن عروس وإعداد وتقديم الكاتبة هيام الفرشيشي، حيث تنقلت الفرشيشي بين نصوص سردية تتجلى فيها رؤى مبدعيها، من خلال قراءات نقدية تفكك شفرات الحلم؛ بدءا بقصة "حضرية لن تعود" لنافلة ذهب من مجموعتها القصصية "حكايات الليل" التي وشحتها بالاستهلال والديباجة والخاتمة من خلال عبارات من التراث العربي الاسلامي تدعو للتصديق وحكمة الرؤى إضافة إلى فضاء الحكاية السحري عبر رموز عدد الغرف السبعة والسقائف الثلاث فضاء عجيب يدعو للهوس والغموض.
البطلة تحلم ولها منفذ حلمي حكائي ينفذ إلى الواقع ويتواصل معه، إذ تدرك حضرية أن أحلامها تتواصل مع حقيقتها، إلى أن تتحول من خلال رموز أحلامها ذات العلاقة بغزال الصحراء إلى اكتشاف لباطنها الروحي المتلبس بروح الغزال كما في الميثولوجيا القديمة، وهي المكتسبة لصفاتها الجمالية وبديهيتها فهي "كمرسلة من الجن للتخلي عن قشور المادة، وعن أقنعة المدينة وأولها خلع اسمها الذي لا يشدها إلى حقيقة أحلامها الرائية عبر تصدع أبنية الواقع الثقافية، شكليا القصة زاخرة بالرموز الحلمية والفضاءات السحرية منفصلة عن تصاميم المدينة التي تحجب وتخبئ حقيقة الروح تكشفها الرؤى.
وبينت الفرشيشي أن رواية "القرد الليبرالي" تثير حلم الراوي بعودة الإنسان إلى الغاب ليستعيد فردانيته التحتية واسترجاع لغته الإبداعية الطبيعية وفكره الطليق مشبها الإنسان بقرد معزول في قفص في حديقة تعبيراته تحمل الحزن كما الإنسان تبدو في نظراته، ويدحض ما ورد في المرجعيات الدينية عن التماسخ والتناسخ والمسخ ليكتب سرديات مختلفة من خلال خمسة نصوص مستلهمة من قصة لأخوان الصفاء حول التزاوج بين القردة والبشر في جزيرة ما لذلك تشبث بحلمه الإبداعي بتأمل أصله الطبيعي الكامن فيه، وتنقسم الرواية إلى فضاء الواقع الملوث والمقنع وإلى فضاء الحلم الذي يثري اللغة صورا وأفكارا مختلفة ورموزا.  

في حين تجسد قصة "ملاك الحلم" لسوسن العجمي حسب هيام الفرشيشي استبدال البطلة لتجربتها الفموية الأولى مع حليب الأم إلى البحث من خلال صور الذاكرة بوجهيها الجميل والقاسي عن طعم قطعة السكر من طرف الوالد الذي غيبه الموت قبل ولادتها؛ لتتحول صور الحلم إلى تعويض عن واقع مباشر بالخيال بحثا عن ملاك حلم هو نقيض لشخصيات كابوسية زرعتها فيها تربية قاسية مثل ملك الموت والغولة مستعينة بالعقاب الجسدي. 
شكليا لم تعبر القاصة عن تجربة الرواية من خلال البوح فحسب بل تلوذ إلى صور من الذاكرة والتخيلات ورغبتها الدائمة في تسلق الشجرة نفهم من خلاله عودتها للحضن الوجود الأول كفرخ مرتجف لم تعبث به الأيادي القاسية في تطلع واضح للحلم والطيران. 
إلى جانب الضيوف الذين أحسنوا قراءة نصوصهم القصصية وفرضوا هيبة الإصغاء والتفاعل الرهيف مع التجارب الباطنية وتفاعلوا مع نصوص بعضهم البعض، حضر كل من الشاعر مراد العمدوني الذي لامس شعرية الحكاية من خلال لغة سفيان رجب وهي تتقمص فضاءات سردية وأقنعة واقعية لتحرر الفكرة، ووجد السيناريست الشاب لطفي مبارك في قصة نافلة ذهب حكاية بصرية. 
وتناول الجامعي طاهر المناعي خاصية البوح في قصة سوسن العجمي، بينما قدمت خلود الطرابلسي ورقة حول إصدارات الضيوف وعلاقتها بالحلم، وحضر الجلسة ثلة من التلاميذ.