الخلافات المستمرة حول التمويل تحول دون التوصل لاتفاق في كوب27
شرم الشيخ - يستعد المفاوضون في مؤتمر المناخ كوب27 المنعقد في شرم الشيخ في مصر لبذل مساعي أخيرة اليوم السبت من أجل التوصل إلى اتفاق بعد أن أدت الخلافات المستمرة بشأن التمويل إلى تمديد المحادثات المستمرة منذ أسبوعين.
ومما زاد الأمور تعقيدا ثبوت إصابة المبعوث الأميركي الخاص للمناخ جون كيري بكوفيد-19 بعد أيام من الاجتماعات الشخصية الثنائية مع نظرائه من الصين والاتحاد الأوروبي إلى البرازيل والإمارات العربية المتحدة.
ويمثل كيري قوة فعالة في الدبلوماسية المتعلقة بالمناخ.
وينظر إلى نتائج المؤتمر، الذي كان من المقرر أن ينتهي أمس الجمعة، على نطاق واسع على أنها اختبار لعزم المجتمع الدولي على مكافحة تغير المناخ، حيث تشتت الحرب في أوكرانيا وتضخم أسعار المستهلكين الانتباه الدولي.
وأكدت مسودة رسمية للاتفاق صدرت صباح أمس الجمعة على الالتزامات السابقة بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية بحيث لا تتجاوز 1.5 درجة مئوية - وهي النقطة التي يقول العلماء عندها إن تأثيرات تغير المناخ ستزداد سوءا.
لكن مسودة الاتفاق تركت قضايا حاسمة دون حل، منها نقطة الخلاف الرئيسية بين الدول الغنية والفقيرة حول كيفية تعويض البلدان التي دمرتها بالفعل الفيضانات والجفاف والعواصف الضخمة وحرائق الغابات.
وفي انفراجة محتملة، قال الاتحاد الأوروبي يوم الخميس إنه سيدعم طلب مجموعة السبع والسبعين التي تضم 134 دولة نامية بإنشاء صندوق لمساعدتها على التكيف مع ما يسمى "بالخسائر والأضرار".
ولكن لم يتضح أمس الجمعة ما إذا كانت الدول النامية ستقبل شرط الاتحاد الأوروبي بأن يأتي التمويل من قاعدة عريضة من الدول منها الصين، وأن "الدول الأكثر تأثرا" فقط هي التي تستفيد من المساعدة.
ولا يزال المندوبون ينتظرون معرفة كيف ستستجيب الولايات المتحدة والصين.
ويجب أن يحظى أي اتفاق يتم التوصل إليه في مؤتمر كوب27 بالتأييد من جميع الدول الحاضرة وعددها 200 تقريبا.
تتواصل السبت مفاوضات صعبة في مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب 27) الذي مُدِّد ليوم واحد على الأقل في غياب الاتفاق على نقاط خلافيّة عدّة، بدءا بتمويل الأضرار الناجمة من التغيّر المناخي التي تتكبّدها الدول النامية.
وعقد مفاوضو حوالي 200 دولة مجتمعين في منتجع شرم الشيخ المصري على البحر الأحمر، اجتماعات ومباحثات ثنائية طوال ليل الجمعة السبت في محاولة للتقدّم على صعيد النقاط الشائكة مثل مصير الطاقة الأحفورية أو التعويض على الأضرار الحاصلة جراء التغير المناخي فيما بات يعرف بملف "الخسائر والأضرار".
ووعدت الرئاسة المصرية للمؤتمر التي انتقدت التأخّر الحاصل في هذه المفاوضات المعقّدة، الجمعة بتولّي زمام المبادرة.
وحضّ رئيس كوب27 وزير خارجية مصر سامح شكري الأطراف على تكثيف الجهود في المفاوضات.
وقالت وزيرة انتقال الطاقة الفرنسية أنييس بانييه-روناشير الجمعة إنّ "الاتفاق ليس بالضرورة في متناول اليد".
وأكّد مانويل بولغار-فيدال من الصندوق العالمي للطبيعة "يجب تكثيف المفاوضات سريعا. لا يمكن ترك هذا العدد من مواضيع التفاوض من دون نتيجة حتى المؤتمر المقبل".
ومن أكثر المسائل تعقيدا مسألة "الخسائر والأضرار" التي لا تزال في صلب النقاشات بعد الفيضانات غير المسبوقة التي شهدتها باكستان ونييجريا. وتطالب دول الشمال بإنشاء صندوق خاص لتعويض هذه الأضرار.
تقدم خجول
ومساء الجمعة سرى اقتراح جديد غير رسمي بعد مشاورات قادتها المملكة المتحدة، على ما أفاد مصدر مطلع على المفاوضات. ويتضمن الاقتراح طرق تمويل "جديدة ومحسنة" من بينها "صندوق" محتمل يموله شركاء من القطاعين العام والخاص.
وكان "الميسّرون" الرسميّون عرضوا مسوّدة قرار حول هذه المسألة اقترحت ثلاثة خيارات أحدها يشير إلى إنشاء صندوق تحدّد آليّات عمله في وقت لاحق.
وقالت وزيرة التغير المناخي الباكستانية شيري رحمن باسم مجموعة 77+الصين التي ترأسها بلادها وتضم 130 دولة إن هذا الخيار مقبول "مع بعض التعديلات القليلة التي اقترحناها".
وتتحفظ الدول الغنية منذ سنوات على فكرة إنشاء آلية خاصة لتمويل هذه الأضرار خشية أن تواجه مسؤولية قانونية قد تفتح الباب أمام تعويضات لا تنتهي.
وكان الاتحاد الأوروبي سعى إلى حلحلة هذه العقدة بقبوله بشكل مفاجئ الخميس مبدأ إنشاء "صندوق استجابة للخسائر والأضرار". إلا أن هذا الصندوق يجب أن يمول من جانب "قاعدة واسعة من المانحين" أي من دول تملك قدرة مالية على المساهمة، في إشارة إلى الصين حليفة الدول النامية في هذا الملف.
ويطالب الأوروبيون بدعم من مجموعات أخرى بإعادة تأكيد أهداف قوية على صعيد خفض انبعاثات غازات الدفيئة.
وقد رحب سيفيه باينيو وزير المال في أرخبيل توفالو المهدد بارتفاع مستوى مياه البحر، بالعرض الأوروبي معتبرا أنه "تنازل واختراق كبيران".
ولم تكشف الولايات المتحدة ولا الصين موقفهما من الاقتراح فيما شخصت إصابة المبعوث الأميركي الخاص للمناخ جون كيري بكوفيد-19 في خضم المفاوضات.
الطاقة الأحفورية
ومصير الطاقة الأحفورية التي تتحمل المسؤولية الأكبر في الاحترار المناخي منذ الثورة الصناعية، محور مناقشات مكثفة في كوب27.
وكان مؤتمر المناخ في غلاسغو العام الماضي حدد للمرة الأولى هدفا يقضي بخفض استخدام الفحم الذي لا يترافق مع نظام لالتقاط ثاني أكسيد الكربون. وتريد بعض الدول تعزيز هذا الهدف من خلال ذكر النفط والغاز صراحة، الأمر الذي لا يلقى حماسة لدى الدول المنتجة.
ونشرت الرئاسة المصرية للمؤتمر مسودة وثيقة نهائية لا تلحظ إحراز تقدم حول هذه النقطة، لكنها تشير للمرة الأولى إلى ضرورة تسريع اعمتاد اطلاقة المتجددة.
دعت الوثيقة إلى "مواصلة الجهود لحصر الاحترار ب1,5 درجة مئوية" في إشارة واضحة إلى أهداف اتفاق باريس للمناخ المبرم العام 2015 التي كانت تخشى بعض الدول خفضها.
نص اتفاق باريس حول المناخ الذي يشكل الحجر الأساس في مكافحة التغير المناخي، على هدف حصر الاحترار دون الدرجتين المئويتين وإن أمكن بحدود 1,5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
إلا أن الالتزامات الحالية للدول المختلفة لا تسمح بتاتا بتحقيق هذا الهدف. وتفيد الأمم المتحدة بأنها تسمح بأفضل الحالات بحصر الاحترار ب2,4 درجة مئوية في نهاية القرن الحالي.
ورفض الاتحاد الأوروبي مقترحا قدمته الرئاسة المصرية لقمة المناخ "كوب27"، معتبرا أنه "غير مقبول" لأنه سيعرض الالتزامات السابقة بشأن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحترار، للتشكيك.
وقال مسؤول في وزارة انتقال الطاقة الفرنسية لوكالة فرانس برس "في هذه المرحلة، تشكك الرئاسة المصرية في المكاسب التي تحققت في غلاسكو بشأن خفض الانبعاثات"، في إشارة إلى نتائج مؤتمر الأطراف حول المناخ "كوب26" العام الماضي، مؤكدا أن "هذا امر غير مقبول بالنسبة لفرنسا ودول الاتحاد الاوروبي".
واتهمت منظمة غرينبيس البيئية غير الحكومية خلال جلسة الجمعة على هامش قمة المناخ كوب27 المنعقدة في مصر، الدول العربية بـ"تعطيل" الحد من مخاطر التغير المناخي، وسط مطالبات بدور أكبر للشباب في المفاوضات.
وقال أحمد دروبي مدير الحملات الإقليمية في المنظمة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن مجموعة الدول العربية المشاركة في قمة المناخ "صبت كل طاقتها على تعطيل أي تقدم حقيقي في مجال تقليل المخاطر الناجمة عن تغير المناخ".
وأضاف "كما عرقلت الوفود العربية الاتفاق على نص يحدد 1,5 درجة مئوية كحد أقصى للاحترار وكانت شرسة في معارضتها لأي لغة تتحدث عن التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري".
وطالبت عضو وفد غرينبيس المشارك في المؤتمر الشابة هاجر البلتاجي "بالسماح لأفكارنا (الشباب) المبدعة وقدراتنا المثابرة وجهودنا المستمرة بالمساهمة في تحقيق الأفضل لمستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة".
وعلى الرغم من اعتراف دروبي بدعم الدول العربية لفكرة تأسيس صندوق تعويضات عن الخسائر والأضرار المناخيّة، رأى مسؤول غرينبيس أن البلدان العربية كان يجب أن تؤدي "دورا رياديا في المناداة بمصلحة" الشعوب والمجتمعات في الدول النامية.
وقال "من المفترض أن يكون هذا المؤتمر مؤتمراً إفريقياً بامتياز"، إلا أن المديرة التنفيذية لدول الشرق الأوسط وشمال افريقيا غِوى نكت حثّت في تقرير للمنظمة الأسبوع الماضي "الوزراء والقياديين والوفود المجتمعة (في كوب27) على الاستماع إلى ممثّلي المجتمعات والدول الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ وتجاهل منصات الشركات التجارية العملاقة"
وكانت مجموعات رقابية أفادت بأن المدافعين عن استخدام الوقود الأحفوري في النسخة الحالية من مؤتمر الأطراف حول المناخ أغرقوا اجتماعات قمة المناخ مع حضور أكثر من 600 ممثل لكبرى الشركات الملوثة للبيئة في العالم بزيادة نسبتها 25 % عن حضور النسخة السابقة من المؤتمر في غلاسكو.