الخلافات تكبح جماح الاندفاع التركي للتقارب مع دمشق
أنقرة – رد وزير الخارجية التركي حقان فيدان على التسريبات الصحافية التي نشرتها وسائل إعلام تركية وروسية وإيرانية، بشأن مسار التطبيع مع دمشق، مؤكدا عدم وجود جدول زمني واضح في الوقت الحالي للقاء بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد، فيما ألمحت تصريحاته إلى تراجع في الاندفاعة التركية بهذا الشأن ووجود خلافات شائكة لم يتم التوافق عليها خلال اللقاءات التي جرت بين مسؤولي البلدين بدعم الوسطاء، وقال "هنالك فقط إعلان عن وجود إرادة للقاء".
وتناولت تصريحات فيدان جميع ملفات مسار التطبيع مع النظام السوري، من بينها القضاء على الإرهاب اللاجئين والانسحاب والشروط المسبقة ومشاركة إيران.
وقال فيدان بحسب ما نقلته صحيفة "صباح" التركية الخميس، إنه خلال اتصالاته مع الحكومة السورية وجد أن هناك انفتاحا على التفاوض، فيما أنقرة لم تتلقى أي شروط مسبقة حتى الآن.
لكنه رغم ذلك أشار إلى الشروط التي أصر عليها الرئيس السوري في لقاءاته الصحافية وخطاباته أكثر من مرة وأكد فيها عدم المصالحة مع تركيا دون انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية، ووقف دعم الفصائل المسلحة، وقال فيدان في لهجة حادة "خذوا لاجئيكم، ودمروا الإرهابيين في أرضكم، وأنا سأسحب جنودي. دعني أرى المؤشرات بأنك ستنشئ هيكلاً إدارياً لن يرسل لي لاجئين مرة أخرى ولن يشكل تهديداً أمنياً. عندما يتم طرح الشروط، لدي المزيد من الشروط".
فيدان للأسد "خذوا لاجئيكم، ودمروا الإرهابيين في أرضكم، وأنا سأسحب جنودي. دعني أرى المؤشرات بأنك ستنشئ هيكلاً إدارياً لن يرسل لي لاجئين مرة أخرى ولن يشكل تهديداً أمنياً".
وأكد أن شرط الأسد بانسحاب القوات التركية من سوريا "يتطلب إجراء مفاوضات لتحقيق ذلك". وفيما يتعلق بفصائل المعارضة أشار إلى أن "صنع السلام مع المعارضة هو مشكلة الحكومة السورية".
وتابع "أشجعهم لكن لا أجبرهم. لا يمكننا أن نتفق مع الحكومة ونتجاهل المعارضة، فهذا ليس منطقياً. ما نريده من الحكومة هو مواجهة المعارضة ورؤية المشاكل والبدء بالمفاوضات للحل". معتبرا أنه في حال حدوث ذلك، فإن الاجتماعات قد تُعقد في دولة ثالثة، لكنه أكد أن الأمر غير واضح حتى الآن.
وتطرق إلى الموقف الروسي مشيرا إلى أن المطلوب منها أكثر من جمع الخصوم وقال "الروس قالوا إن إيران يجب أن تكون على الطاولة، وقلنا إننا كنا نفعل ذلك من قبل". وأكد فيدان أن الأولوية بالنسبة لأنقرة ليست من يجمعهم بل في "اللقاء" بحد ذاته، مشيراً إلى أن هناك فرقاً بين "أنا أجمعكم" و"أنا أتوسط".
ومنتصف شهر يوليو/تموز الفائت، أكّد فيدان في لقاء مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان في إسطنبول بأنّ اتصالاتهم مع سوريا خلال الفترات الماضية، لم تأتِ بنتائج إيجابية، مشيراً إلى أنّ الأزمات في هذا البلد تحتاج زمناً طويلاً لحلّها.
وأضاف أنّ "تركيا ليست في موقف ضعيف بشأن الأزمة السورية، لكنّها ترغب في إيجاد حل"، مردفاً "قمنا بحوارات مع النظام السوري بشكل سري"، كما أنّ الرئيس أردوغان وضع خطة لإحلال السلام في المنطقة.
وبالتوازي مع تصريحات فيدان، نفى "مركز مكافحة التضليل الإعلامي" التابع لرئاسة الجمهورية التركية، يوم أمس، مزاعم انتشرت مؤخراً حول مسودة اتفاق بين أنقرة ودمشق تتضمن محاربة الطرفين لـ قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مقابل انسحاب الجيش التركي من سوريا.
وزعمت بعض الصحف أن مسودة القرار تشمل حظر تركيا لنشاطات المعارضة السورية وتسليم مناطق إدلب وشمالي حلب والمعابر الحدودية للحكومة ودعم جهود الجيش لبسط نفوذه على مناطق شمال شرقي سوريا.
وتناقلت وسائل إعلام تركية وروسية وعربية في الفترة الماضية تسريبات عن مكان وموعد لقاء أردوغان والأسد، ومجربات ونتائج مفاوضات التطبيع، تناقضت معظمها في التفاصيل.
بدورها، تحدثت صحيفة "الوطن" المقربة من دمشق في يوليو/تموز الماضي عن وجود اتصالات مستمرة بين دمشق وموسكو وعواصم عربية من أجل أن "يخرج أي لقاء مع تركيا بتعهد واضح وصريح وعلني بالانسحاب الكامل من سوريا، وفق أجندة محددة زمنيا".
واعتبرت الصحيفة أن ما سبق "ليس شروطا مسبقة"، وقالت إنها "قاعدة أساسية يمكن البناء عليها للبحث في المتبقي من الملفات"، على رأسها "دعم المجموعات الإرهابية والمقصود بها وتعريفها".
وتقدم تركيا دعما لآلاف المقاتلين في شمال سوريا، وهؤلاء يتبعون لتحالف "الجيش الوطني السوري"، وينسحب دعمها أيضا إلى الشق الإداري والخدمي والسياسي، حيث تستضيف أعضاء كثر من المعارضة السياسية السورية على أراضيها.
في المقابل يعتبر الرئيس الأسد المسلحين المعارضين في شمال سوريا "إرهابيين". وعلى مدى السنوات الماضية خاض ضدهم عمليات عسكرية، كما أن الكثير من أعضاء تلك الفصائل المسلحة كانوا قد انتقلوا بأسلحتهم الخفيفة، بموجب اتفاقيات رعتها روسيا في ريف دمشق ودرعا وحمص وسط البلاد.
ولا يبدو أن الجانب التركي مستعد حتى الآن لتصنيف حلفائه على الأرض كـ"إرهابيين"، وهي النقطة التي أثارتها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، دون أن تحدد جهة مسلحة دون غيرها.
ورغم أن أنقرة تشترك وتتقاطع مع الأسد في عداء "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المسيطرة على مناطق في شمال وشرق سوريا، إلا أن طريقة التعاطي والنظر عند كل طرف تختلف عن الآخر.
وتنظر أنقرة إلى "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية على أنها ذراع عسكري مرتبط بحزب "العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب لديها، وفي واشنطن وعواصم أوروبية أخرى.
أما الأسد فقد صنّف "العمال الكردستاني" في تسعينيات القرن الماضي على أنه منظمة "إرهابية". لكنه لم يتخذ ذات الإجراء مع "قسد"، وتباينت تصريحاته ضدها خلال السنوات الماضية ما بين وصف أعضائها بـ"العملاء" من جهة وبـ"الخونة" من جهة أخرى.
كما أن الكثير من التقارير الإعلامية وعدة أوراق لمراكز أبحاث محلية وغربية كشفت على مدى سنوات ماضية خيوطا اقتصادية وخدمية تربط كل من النظام و"قسد".
واتضح شكل خيوط أخرى على العلن بعد عام 2019 عندما أبرم الطرفان (النظام وقسد) عدة تفاهمات بخصوص الانتشار العسكري على الأرض، مما فتح بابا لعناصر الجيش للدخول إلى شمال شرق سوريا برفقة عناصر من الشرطة العسكرية الروسية، والذين تمركزا في قواعد بعد ذلك، أبرزها في مطار القامشلي.