الخناق يضيق سياسيا وشعبيا على عبدالمهدي

اندلاع الحراك الاحتجاجي يأتي فيما يواجه رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي حراكا سياسيا يستهدف تغيير حكومته أو عزله بعد 11 شهرا من الحكم.

حراك احتجاجي يفاقم متاعب عبدالمهدي
الصدر يدعو إلى تحقيق عادل في أحداث ساحة التحرير والحكيم إلى جلسة برلمانية طارئة
مقتل مدني وإصابة العشرات بنيران قوات الشرطة العراقية
عبدالمهدي يحاول تهدئة الحراك الاحتجاجي بحزمة وعود

بغداد - بدأ الخناق الشعبي والسياسي يضيق على رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي مع اندلاع حراك احتجاجي غير مسبوق من المتوقع أن يتأجج أكثر بعد مقتل متظاهر وإصابة العشرات بنيران قوات الأمن التي فرّقت الاحتجاجات باستخدام الرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع.

وتشكل الاحتجاجات جرعة ضغط إضافية على عبدالمهدي الذي يواجه بعد 11 شهرا من توليه منصبه، ضغوطا سياسية يقودها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الطامح للعودة للسلطة والرئيس العراقي برهم صالح إضافة إلى محمد الحلبوسي رئيس البرلمان ورئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم.

ويسعى هؤلاء إلى دفع عادل عبدالمهدي لتغيير الحكومة وقد يذهب تحركهم إلى أبعد من ذلك بسحب الثقة من الحكومة وعزل رئيس الوزراء الحالي.

ومن المتوقع أن يؤجج الحراك الشعبي الضغوط على عبدالمهدي. كما يُتوقع أن يستغل الحراك السياسي الذي يدفع إلى عزل رئيس الوزراء، الاحتجاجات لتضييق الخناق عليه.

وقد دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي سبق له أن حرك الشارع العراقي لأشهر احتجاجا على سوء الخدمات واستشراء الفساد، اليوم الثلاثاء الرئاسات الثلاث لفتح تحقيق "عادل" بما حدث بساحة التحرير.

وقال الصدر في تغريدة له على تويتر، إنه "على الرئاسات الثلاث فتح تحقيق عادل لما حدث اليوم في ساحة التحرير".

وإلى جانب الصدر، دعا رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم (معارضة) مجلس النواب إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة التطورات الأخيرة وما رافقها من "خروقات".

ونقل موقع السومرية نيوز الاخباري العراقي عن الحكيم قوله في بيان إن "استخدام العنف المفرط في تفريق المتظاهرين أمر مستنكر وغير مقبول وما حصل اليوم من إجراءات لتفريق التظاهرات ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا في صفوف المتظاهرين والقوات الأمنية بحاجة إلى وقفة جادة ومراجعة عاجلة".

وقال الحكيم إنه يدعو إلى "عقد جلسة نيابية طارئة للوقوف على الأسباب والحيثيات والتداعيات وتطويق الفتنة وعدم جر الأوضاع إلى ما لا يحمد عقباه تحاشيا للوقوع في المحذور. كما ندعو الأجهزة الأمنية إلى التعامل بحكمة وروية لاحتواء الموقف وتفويت الفرصة على المتصيدين".

ودعا المتظاهرين إلى أن "تتسم مظاهراتهم بالسلمية وعدم التعرض للأجهزة الأمنية وعدم رفع الشعارات التي تتعارض مع الدستور والقانون".

 استخدمت الشرطة العراقية الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه والذخيرة الحية لتفريق متظاهرين في العاصمة بغداد اليوم الثلاثاء، مما أسفر عن إصابة عدد من الأشخاص بعدما احتشد آلاف العراقيين احتجاجا على البطالة والفساد الحكومي وضعف الخدمات.

وقالت مصادر في الشرطة وناشطون مدنيون إن أكثر 50 متظاهرا وعدد من رجال الأمن أصيبوا خلال تفريق الاحتجاجات التي خرجت في بغداد ومحافظات جنوبية أيضا.
وحاول المتظاهرون، الذين بلغت أعدادهم نحو ثلاثة آلاف، عبور جسر إلى المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد والتي تضم المباني الحكومية والسفارة الأجنبية وسفارات أجنبية أخرى.

واستخدمت قوات الأمن، التي أغلقت الطرق، قنابل الصوت ومدافع المياه لتفريق المتظاهرين. ورفض المتظاهرون مغادرة المكان ففتحت قوات الأمن النار.

وشوهدت سيارات الإسعاف وهي تهرع لنقل الجرحى في بغداد في كان متظاهرون يحاولون الفرار من الشرطة ووجوههم مخضبة بالدماء.

وقال متظاهر طلب عدم نشر اسمه خوفا من الانتقام "هذه ليست حكومة بل مجموعة من الأحزاب والميليشيات التي دمرت العراق".
وكان ناشطون عراقيون يرون أن الحكومة الحالية فشلت في تحسين مستوى معيشة المواطنين وفي تنفيذ برامجها، قد دعوا إلى المظاهرات على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعاني العراق، الذي أنهكته الحروب، من انقطاع مزمن للكهرباء ومياه الشرب منذ سنوات، وطالب المحتجون الحكومة بمحاسبة المسؤولين الفاسدين وعدم التستر على التجاوزات التي تحرمهم من أبسط حقوقهم.

ومن بين الشعارات التي رددها المتظاهرون "باقونا (سرقونا) الحرامية"، في إشارة إلى الطبقة الحاكمة في البلد الذي يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية.

وبحسب تقارير رسمية، فمنذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 ، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق.

وتعتبر هذه التظاهرة أول التحركات المطلبية التي تواجهها الحكومة الحالية التي تتم عامها الأول في السلطة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الحالي.

وإضافة إلى الهتافات المطالبة بالخدمات وتوظيف الشباب الذين تطالهم البطالة بنسبة 25 في المئة وهو ضعف المعدل العام، حمل آخرون لافتات داعمة لقائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبد الوهاب الساعدي.

وأثار قرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الأسبوع الماضي استبعاد الفريق الساعدي، الذي اضطلع بدور كبير في المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية، غضباً في البلاد وسط علامات استفهام عن أسباب القرار الذي فسره البعض بإحكام سيطرة الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران على الملف الأمني في البلاد.

وتقوم قوات الحشد الشعبي المدعوة من إيران بدور كبير في السياسة العراقية ولها ممثلون في البرلمان والحكومة.

وأصدر عبدالمهدي، الذي رأس اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي اليوم الثلاثاء، بيانا يعد فيه بوظائف للخريجين.

ووجه وزارة النفط وهيئات حكومية أخرى للبدء في تطبيق حصة تشغيل خمسين بالمئة من العمالة من المحليين في عقودها مع الشركات الأجنبية.

وتحاول طهران العمل على مزيد فرض هيمنتها على القرار السياسي العراقي وذلك باستغلال نفوذ حلفائها لرسم السياسات العراقية رغم محاولات بعض الساسة العراقيين على غرار عبدالمهدي النأي بالبلاد عن الصراعات في المنطقة.

ولا تستبعد مصادر عراقية أن يكون لإيران دور في تأجيج الحراك الحالي ضدّ عبدالمهدي الذي وجد نفسه أمام اختبار صعب لإحداث توازن في علاقات بلاده مع حليفيه الخصمين إيران والولايات المتحدة.

وشهد العراق احتجاجات حاشدة العام الماضي بدأت في الجنوب معقل الأغلبية الشيعية.

وعانى العراق الغني بالنفط على مدى عقود في عهد صدام حسين وبسبب العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، والغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والحرب الأهلية التي أعقبته والمعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية التي أعلنت بغداد النصر فيها في عام 2017. والفساد منتشر في البلاد والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء ضعيفة.