الخناق يضيق على بوتفليقة مع تفكك مُتسارع لأحزمة الدعم

أي رفض واضح من الجيش الجزائري لمطالب التحول الديمقراطي من شأنه أن يعمق أكبر أزمة سياسية تشهدها الجزائر منذ عام 1992.

مخاوف من اضطرابات في إنتاج الغاز والنفط
أكبر اتحاد للعمال الجزائريين يؤيد رحيل بوتفليقة
اتساع دائرة القافزين من سفينة النظام
الحراك الشعبي يعتبر تطبيق المادة 102 إطالة لعمر النظام
الحراك الشعبي يطالب برحيل النخبة الحاكمة وليس بوتفليقة وحده
المادة 102 تخرج بوتفليقة من الحكم وتبقي على نظامه
حزب أويحيى يتخلى عن الرئيس المريض لانتزاع مكاسب سياسية

الجزائر - بات الجيش الجزائري واثقا على ما يبدو من إنهاء حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المستمر منذ 20 عاما بعدما كسب دعم حلفائه الرئيسيين، لكن المتظاهرين رفضوا خطة خروجه مطالبين بالإطاحة بالنخبة السياسية برمتها.

والتحول من جانب عدة أركان في مؤسسة الحكم اليوم الأربعاء إشارة واضحة على أن فرص الرئيس الذي يبلغ من العمر 82 عاما ونادرا ما ظهر إلى العلن منذ إصابته بجلطة في عام 2013، في الاستمرار في الحكم باتت ضعيفة للغاية أو معدومة.

وفي أقوى ضربة للرئيس الجزائري، قال حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم اليوم الأربعاء إنه يؤيد دعوة الجيش لأن يعلن المجلس الدستوري بوتفليقة غير لائق للمنصب.

وقال الحزب في بيان "نعلن تأييدنا لهذه المبادرة كبداية لخطة دستورية تسمح لنا بحماية بلدنا من المخاطر"، فيما يراقب الجيش الموقف عن بعد انتظارا للحظة المناسبة للتدخل بعد أن كسب إلى صفه حلفاء بوتفليقة في عملية أفرغت دائرة المقربين من الرئيس، أملا منه في فترة انتقال سلس.

واتسعت دائرة المنفضين من حول بوتفليقة من حلفائه الذين شكلوا أحزمة دعم سياسي لأكثر من عقدين من عمر حكمه، حيث تسارعت وتيرة القفز من سفينة النظام بعد دعوة الجيش إلى تطبيق المادة 102 من الدستور المتعلقة بشغور منصب الرئاسة كمخرج للأزمة السياسية.

وإلى جانب الحزب الحاكم، أيّد أكبر اتحاد للعمال في الجزائر وحزب كبير اليوم الأربعاء دعوة الجيش التي جاءت في إطار خطة خروج سرعان ما رفضها المتظاهرون الذين يسعون للإطاحة بالنخبة السياسية برمتها.

وأيد حزب حزب التجمع الوطني الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم هذه الدعوة بعد يوم من قول رئيس أركان الجيش، إنه يتعين إعلان بوتفليقة غير لائق للمنصب، داعيا لتفعيل المادة 102 من الدستور والمتعلقة بشغور منصب الرئاسة بسبب مرض الرئيس.

وقال الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أكبر اتحاد عمال في البلاد، إنه يؤيد إعلان الجيش ويحث بوتفليقة على التنحي.

ويدل ذلك بوضوح على أن الرئيس (82 عاما) الذي ندر ظهوره في أي مناسبة عامة منذ أن أصيب بجلطة دماغية عام 2013، لم تعد أمامه فرصة تذكر للبقاء في السلطة.

لكن قادة الاحتجاجات التي بدأت قبل خمسة أسابيع وفجرها الغضب من استشراء الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة الاقتصادية، قالوا إن الخطة ليست كافية وتهدد بمواجهة مع الجيش.

الحراك الشعبي يتمسك برحيل النظام بكل رموزه
الحراك الشعبي يعتبر تطبيق المادة 102 من الدستور خطوة غير كافية

وقال مصطفى بوشاشي المحامي والناشط الجزائري، إن الاحتجاجات ستستمر ومطالب الجزائريين تشمل تغيير النظام السياسي.

وأضاف أن تطبيق المادة 102 من الدستور يعني أن رموز النظام سيشرفون على الفترة الانتقالية وسينظمون الانتخابات الرئاسية.

وحسب الدستور الجزائري يتولى رئيس مجلس الأمة (البرلمان بغرفتيه) عبدالقادر بن صالح منصب القائم بأعمال الرئيس لمدة لا تقل عن 45 يوما بعد رحيل بوتفليقة يجري خلالها الترتيب للانتخابات الرئاسية.

وقال المتظاهرون مرارا إنهم سيرفضون أي ترتيب لخلافة مدبرة أو أي تدخل للجيش في السياسة وإنهم يريدون تحولا يقود إلى حكومة توافقية.

ويرى القائمون على الحراك الشعبي أن دعوة الجيش تخرج بوتفليقة من الحكم ولا تخرج النظام بنخبته السياسية المتهمة بالفساد، فيما اعتبر قائد أركان الجيش الجزائري الفريق قايد صالح أن تطبيق المادة 102 من الدستور هي الحل المناسب لإنهاء الأزمة السياسية.

وقال زكريا الجزيري (26 عاما) الموظف بهيئة البريد "نريد ديمقراطية حقيقية وليس ديمقراطية صورية".

ومن شأن أي رفض واضح من الجيش لمطالب التحول الديمقراطي أن يعمق أكبر أزمة سياسية تشهدها البلاد منذ عام 1992 عندما ألغى الجيش انتخابات كان الإسلاميون على وشك الفوز فيها مما أثار حربا أهلية أودت بحياة 200 ألف شخص.

وقال جميل حديدي (37 عاما) الموظف ببنك حكومي "نرحب بمبادرة الجيش لكننا لا نريد أن يحكمنا رجال بوتفليقة لحين إجراء الانتخابات التالية".

ودعا صالح المجلس الدستوري لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان بوتفليقة لائقا للمنصب. وسيتعين تصديق أعضاء مجلسي البرلمان بأغلبية الثلثين على القرار.

وقال أحمد أويحيى زعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي اليوم الأربعاء، إن بوتفليقة يجب أن يتنحى وفقا للمادة 102 من الدستور التي تحدد كذلك إجراءات استقالة الرئيس.

وهذا أوضح إعلان من أحد أكبر أحزاب السلطة (حزب من الموالاة)، لكن توقيه يشير أيضا إلى أن حزب أويحيى يسعى لانتزاع مكاسب سياسية مستغلا أزمة الرئيس بوتفليقة.

مسيرة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة
الجزائر توشك على طي صفحة عقدين من حكم بوتفليقة

وتسارعت وتيرة القفز من سفينة النظام الموشكة على الغرق في مؤشر واضح على أن الخيارات بدأت تضيق على السلطة الحاكمة منذ الاستقلال والتي فشلت في تمرير خارطة الطريق التي اقترحها الرئيس بوتفليقة ذاته والتي تمدد ولايته الرئاسية الرابعة حتى الإعداد لانتخابات رئاسية مبكرة وتعديل الدستور وهي مسائل تتطلب وقتا أطول وتطيل عمر النظام على خلاف رغبة الحراك الشعبي.

وحتى إذا استقال بوتفليقة فليس هناك بديل واضح يمكن أن يحظى بقبول جميع الأطراف.

وفي مواجهة أكبر تحد لحكمه، عدل بوتفليقة عن اعتزامه السعي لفترة ولاية خامسة وأجل الانتخابات ووعد بحريات أكبر.

لكنه لم يصل إلى حد التنحي مما أغضب الجزائريين الذين يريدون الخلاص من جيل قدامى المحاربين في حرب الاستقلال عن فرنسا بين 1954 و1962 الذي يضم قادة الجيش وكبار رجال الأعمال الذين يهيمنون على البلاد منذ عقود.

وقالت لويزا دريس أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر "هل هناك خطر وقوع مواجهة إذا رفض المتظاهرون نهج الجيش؟ هذا افتراض لا يمكن استبعاده تماما".

وقال مسؤول من وكالة الطاقة الدولية يوم الثلاثاء إن المخاطر كبيرة لكون لجزائر عضوا مهما في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومصدرا رئيسيا للغاز لأوروبا وإن كان إنتاجها من النفط والغاز لم يتأثر في ما يبدو حتى الآن بالاضطرابات التي تشهدها البلاد.

وتنظر الدول الغربية للجزائر أيضا باعتبارها شريكا في مكافحة الإرهاب وقوة عسكرية مهمة في شمال أفريقيا وطرفا دبلوماسيا رئيسيا في جهود حل الأزمات في مالي وليبيا.