الدبلوماسية السعودية الناعمة في قبرص تستفز أنقرة

المملكة عززت علاقتها الدبلوماسية مع قبرص بإرسال أول سفير لها مقيم إلى نيقوسيا ومسؤولون قبارصة يستقبلون وزير الخارجية إبراهيم العساف بحفاوة.

أنقرة - أثارت زيارة وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف إلى قبرص الأسبوع الجاري غضب تركيا التي اعتبرتها تحد لها، في رد فعل يكشف تخوف أنقرة من تقارب متين بين البلدين يهدد مصالحها وأجنداتها في شرق المتوسط والمنطقة.

ووصف ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزيارة التي قام بها العساف إلى قبرص بأنها "تحد لتركيا"، داعيا المملكة العربية السعودية إلى "اتخاذ مواقف أكثر عقلانية".

وقال أقطاي خلال مقابلة تلفزيونية "وزير الخارجية السعودي إلى قبرص اليونانية تتعارض مع أواصر الصداقة، وهذا تحدٍّ لتركيا لا يليق بالمملكة التي ننتظر منها مواقف أكثر عقلانية".

وعززت السعودية علاقتها الدبلوماسية مع قبرص بإرسال أول سفير سعودي مقيم إلى نيقوسيا منذ أسبوعين.

وتلى تعيين السفير السعودي زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف الأربعاء إلى نيقوسيا التقى خلالها الرئيس القبرصي نيكوس أناستاساديس ووزير الخارجية نيكوس خريستودوليديس وعدد من المسؤولين في البلاد.

كما أطلقت الرياض حسابا رسميا لسفارة المملكة لدى جمهورية قبرص على تويتر.

وقال وزير الخارجية السعودي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره القبرصي إن "الرياض تؤيد لقرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالنزاع القبرصي"، مُبديا "أمل المملكة في أن يستطيع الطرفان حل الخلاف القائم بينهما بطريقة سلمية".

وقالت وكالة الأنباء القبرصية، إن زيارة العساف حملت دلالات كبيرة فيما يتعلق بالتعاون بين البلدين.

وتعهد العساف بأن تواصل المملكة دعم قبرص، مشيرا إلى ضرورة الاستفادة من العناصر المشتركة المتعددة بين الدولتين والفرص الاقتصادية التي توفرها لهما.

ورغم أن الزيارة السعودية التي قوبلت بحفاوة كبيرة من قبل المسؤولين القبارصة، تندرج ضمن علاقاتها الدبلوماسية المشروعة لتعزيز التعاون الإقليمي نظرا لثقل المملكة في المنطقة، عبرت الأوساط التركية القريبة من رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عن امتعاضها من هذا التقارب الذي يهدد أطماع أنقرة في المنطقة.

وتأتي زيارة العساف إلى قبرص والتي وصفتها وكالة الأناضول التركية الرسمية بـ"الأولى من نوعها لوزير خارجية سعودي منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين"، بعد فترة توتر شديدة مرت بها العلاقات السعودية التركية بسبب استثمار أنقرة السياسي السلبي جداً في عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول العام الماضي.

كما تتزامن زيارة العساف مع التصعيد التركي في قبرص بعد إصرار أنقرة على التنقيب على الاحتياطات الهائلة من الغاز الطبيعي قبالة سواحل الجزيرة في شرق المتوسط والتي تعد جزءا من المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص، ما أثار انتقادات شديدة من قبل اليونان والاتحاد الأوروبي ومصر.

وجزيرة قبرص مقسومة بين جمهورية قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي وجمهورية شمال قبرص التركية غير المعترف بها دوليا، والتي أعلنت في الشطر الشمالي بعد الاجتياح التركي للجزيرة عام 1974 ردا على انقلاب قام به قوميون قبارصة يونانيون بهدف إلحاق الجزيرة باليونان.
ولا تزال العلاقات متوترة للغاية بين قبرص اليونانية وتركيا، في ظل التنافس بين الطرفين من أجل احتياطيات الغاز الطبيعي.

والثلاثاء دان زعيما اليونان وقبرص أنشطة التنقيب التركية غير القانونية في شرق البحر المتوسط، وطالبا مجددا بإجراء مباحثات لحلّ النزاع في الجزيرة المقسّمة منذ عقود.

وكشف وزير الدفاع القبرصي سافاس أنجيليديس، بداية الأسبوع الحالي بمناسبة زيارة وزير الدفاع المصري الفريق أول محمد أحمد زكي، عن موعد القمة الثلاثية المقبلة بين قبرص واليونان ومصر (حليف السعودية) قائلا أنها سوف تعقد في 8 أكتوبر القادم، وستستضيفها مصر.

ورفضت وزارة الخارجية التركية تصريحات المسؤولين اليونانيين والاتحاد الأوروبي عن عدم شرعية عمليات التنقيب.

jv

وتخشى تركيا من التحالف بين مصر وقبرص واليونان في شرق المتوسط، لأنها تعلم أن هذا التحالف موجه ضدها، ويضرب كافة طموحاتها في المتوسط.

ومنذ أشهر حذرت مصر تركيا التي تشهد علاقاتهما توترا شديدا أيضا بسبب دعم أنقرة لجماعة الإخوان المسلمين واستضافت أغلب قياداتها في إسطنبول، من استمرار أعمال التنقيب قبالة سواحل قبرص، ما دفع أردوغان إلى اللجوء لحلف شمال الأطلسي "ناتو" لتأمين نشاطه في المنطقة .

كما أرسلت أنقرة سفينة ثالثة إلى شرق البحر المتوسط، في تصعيد واضح بالرغم من كل التحذيرات.

وتزايدت المخاوف التركية اليوم، رسمياً وشعبياً، على نحوٍ كبير من الدور الإقليمي والدولي الذي يمكن للسعودية أن تضطلع به في المنطقة بعد انفتاحها على قبرص وتعزيز علاقاتها الدبلوماسية معها، وهو ما يهدد مشاريع أنقرة ومخططاتها لبسط سيطرتها في المتوسط.

ومع تسارع وتيرة العقوبات السعودية التي يتم فرضها تدريجياً على أنقرة وشملت حتى اليوم مجالات الاستثمار العقاري والسياحة والنقل، فضلاً عن مقاطعة المسلسلات التركية التي تمثل ترويجاً لسياسة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، تجد تركيا نفسها محاصرة مع تزايد المخاوف من تواصل انهيار اقتصادها بسبب عقوبات أخرى تنتظرها من الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي.

 وقالت وكالة الأنباء القبرصية إن خريستودوليديس والعساف "اتفقنا على ضرورة العمل سويًّا لتعزيز التواصل بين البلدين والتركيز على قطاعي السياحة والاستثمار".

ويرى مراقبون إن المملكة توجه أنظارها حاليا إلى قبرص كوجهة سياحية مهمة وبديلة لتركيا التي أصبحت وجهة غير آمنة للسعوديين في الفترة الأخيرة.

وأصدرت السفارة السعودية في إسطنبول وجهات حكومية أخرى في المملكة خلال الأشهر الماضية، تحذيرات للسعوديين الذين يزورون تركيا أو يستثمرون أموالهم فيها بوجوب ملازمة الحيطة والحذر بسبب تكرر حوادث اعتداء استهدفت مواطنين سعوديين في تركيا.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أشاد نشطاء سعوديون بالتقارب السعودي القبرصي فيما وصفوه بـ"معاملة بالمثل ردا على التقارب القطري التركي" الذي حاولت من خلاله أنقرة تعزيز وجودها العسكري في الجارة الخليجية مستغلة أزمة الدوحة الدبلوماسية مع بلدان مجلس التعاون الخليجي بسبب المقاطعة الرباعية لها من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ 2017.

ومنذ أسابيع كشفت تقارير صحافية تركية عن عزم أنقرة افتتاح قاعدة عسكرية جديدة في قطر الخريف المقبل، كما ستتم زيادة عدد القوات التركية المتمركزة حالياً في قاعدة "طارق بن زياد" التي افتُتحت عام 2015، وبدأ إرسال عناصر من القوات التركية إليها في 2017 عقب قرار الرباعي العربي فرض مقاطعة على الدوحة.