الدبلوماسية اللبنانية الى اين؟

الدبلوماسية اللبنانية معروفة بهدوئها وتأنيها في العلاقات والتصريحات. ثمة خلل الآن.

لطالما تغنى لبنان منذ الاستقلال بدبلوماسيته الرفيعة في التعاطي مع محيطه العربي والدولي، ولم يسبق لأي إدارة دبلوماسية ان خرجت عن السياق المعتاد والمتعارف عليه بين الدول شقيقة كانت ام صديقة، بخاصة ان السياسة الخارجية اللبنانية ظلت ولعقود طويلة وفي عز الانقسامات الداخلية بمنأى عن تداعيات التوتر الداخلي، وهو سياق متصل تعاقبت عليه الإدارة الدبلوماسية في وزارة الخارجية اللبنانية.

وفي مطلق الأحوال، فالأعراف الدبلوماسية وحتى النصوص القانونية التي ارست تفاصيلها اتفاقية فيينا 1961، إضافة الى قواعد المراسم والبروتوكول والاتيكيت، تفرض سياقا محددا في التعاطي مع أي موقف او حدث او ازمة ما بين دولتين او مجموعة دول، بحيث لا تتخطى قواعد اللياقات ولو في اشد الظروف قساوة. فحتى ولو وصلت المواقف الى اقصى الحدود وحتى ولو استتبعت بالطلب مغادرة البلاد او تجميد او قطع العلاقات الدبلوماسية، فالقواعد الدبلوماسية تحتّم حفظ اللياقات والحماية وعدم التعرّض لفظا او فعلا او عملا يمكن ان يفسر جرحا او خدشا لمشاعر المبعوث الدبلوماسي، باعتباره ممثلا لدولته، وبالتالي التعرّض له يُعتبر تعرّضا لسيادة دولته وكرامتها، ولمن يمثل ان كان رئيسا او وزيرا للخارجية.

ثمة وسائل وطرق للتعاطي مع الازمات الدبلوماسية، وهي عادة تمر بالطرق الدبلوماسية الخاصة الموصوفة نصا وعرفا، ومن ابرزها، التواصل المباشر بين وزارة الخارجية والمبعوث الدبلوماسي، ذلك وفق بروتوكولات خاصة ودقيقة تحكم تفاصيل التصريحات او المواقف التي يمكن ان تصدر عن دولة المبعوث اذا اقتضى الامر، وفي أي حال من الأحوال، من المتفق عليه عرفا وأيضا نصا، ان لا تخرج هذه السياقات الى الأطر الإعلامية التي يمكن ان تسهم أيضا في تأجيج موقف او تفسير تصريح على غير محمله او مقصده.

وفي لبنان حيث الانقسامات الداخلية انقسامات عامودية حتى في القضايا غير الاستراتيجية، عادة ما كانت تحيّد عن مواقف السياسة الخارجية والدبلوماسية ذات الصلة بالمواضيع التي تأخذ حساسية معينة، ذلك حرصا على علاقات لبنان العربية التي تأخذ حيّزا واسعا من الاهتمام والمحافظة عليها في اعلى مستوياتها، وبخاصة مع الدول العربية ذات الوزنين الإقليمي والدولي الفاعل.

ثمة بعض السوابق التي ظهرت في السياسة الخارجية اللبنانية وما نتج عنها من مواقف وتصريحات مباشرة اعتبرت نافرة بعض الشيء، الا ان سرعان ما كانت تسوى الأوضاع دون ترك ظلال كثيفة على العلاقات الخارجية، لاسيما وان أسس السياسة الخارجية اللبنانية تأخذ بالحسبان الأوضاع الداخلية وتتمسك بكثير من قواعد التفاهمات الداخلية بما يخص علاقات لبنان العربية والدولية.

وما جرى مؤخرا، لجهة الوقائع وما أدت من تداعيات تعتبر خروجا عن المألوف في الحياة السياسية والدبلوماسية، ويعتبر امرا غير مبرر من الوجهة السياسية او المهنية، الامر الذي أدى الى تنحي وزير الخارجية عن تصريف اعمال الوزارة في الحكومة المستقيلة أصلا، وهو امر طبيعي سيما، وان المسؤولية ينبغي ان يتحملها من تسبب بهذه الازمة غير المسبوقة، سيما وان تداعياتها شملت دولا عربية عدة، علاوة على شريحة لبنانية كبيرة.

لبنان اليوم الذي يعاني من ظروف قاسية، تكاد تفقده دوره الإقليمي ووحدته الداخلية وبنية نظامه شبه المنهار سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا، هو بحاجة ماسة لمحيطه العربي لتخطي أزماته المتلاحقة التي تكاد لا تنتهي. كما ان لبنان اليوم والذي بحاجة لوسائل دعم إضافية، لتخطي ازماته هو بحاجة فعلية لسياسة خارجية ودبلوماسية اكثر واقعية تعيده الى محيطه العربي الاوسع.