الدبيبة يقاوم ضغوطا سياسية وشعبية تستعجل تشكيل حكومة جديدة
طرابلس – هاجم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة، المطالبين بتشكيل حكومة جديدة وفتح باب الترشح لرئاستها، معتبرا أنه "مسار وهمي" لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد المرحلة الانتقالية دون تحقيق أي تقدم فعلي، بينما تتزايد الضغوط السياسية والشعبية عليه لمغادرة السلطة، والتأسيس للمرحلة القادمة في البلاد وتوحيد المؤسسات.
وقال الدبيبة في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك "بدلاً من فتح باب الترشح للمرة العاشرة في مسار وهمي لم يُنتج سوى تعزيز النية لإطالة المرحلة الانتقالية، كان الأجدر بالسيد عقيلة صالح أن يتخذ موقفاً وطنياً ينهي حالة الإنفاق الموازي الذي استنزف المالية العامة وأثقل كاهل المواطنين بأضرار فادحة".
وأضاف "عليه أن يفتح باب الحقيقة، ويكسر هذا الصمت المريب، ويطرح السؤال المؤجل الذي تلاحقه مسؤوليته الأخلاقية والعرفية قبل النيابية: أين نوابه المغيبون عن أبناء وطنهم؟".
وجاء حديث الدبيبة على خلفية دعوة رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح الى إيلاء أولوية لتشكيل حكومة موحدة جديدة وفتح الترشح لرئاستها، موضحا أن الليبيين "في حاجة إلى توفير الغذاء والدواء والكهرباء والتعليم والمرتبات أولا، وهذا هو عمل السلطة التنفيذية".
وردا على المطالبة بتنظيم انتخابات برلمانية، علق صالح في كلمة مصورة، قائلًا "تشكيل حكومة جديدة موحدة "لا علاقة له بإجراء الانتخابات"، متابعا أنه "طالما هناك دعوات إلى تنظيم انتخابات برلمانية، بالضرورة هناك إمكانية لإجراء انتخابات رئاسية بالتزامن في يوم واحد".
وتكررت دعوات عقيلة إلى تشكيل حكومة جديدة منذ سحب مجلس النواب الثقة من حكومة "الوحدة الوطنية الموقتة" في سبتمبر/أيلول 2021. كما فتح البرلمان في يوليو/تموز 2024، باب الترشح لرئاسة حكومة جديدة، داعيًا من يرغب في الترشح تقديم مستندات ترشحه إلى مقر المجلس في بنغازي.
ويأتي ذلك في سياق تصعيد سياسي جديد قبيل جلسة حاسمة للبرلمان في مدينة بنغازي من المقرر أن تناقش خلالها تزكيات المرشحين لرئاسة حكومة جديدة.
وقد تم الإعلان عن أسماء عدد من المرشحين خلال الأيام الماضية، وسط تكهنات حول إمكانية التوصل إلى توافقات سياسية لاختيار شخصية توافقية.
ومن المتوقع أن تتناول الجلسة المرتقبة ملفات حساسة، على رأسها الهيكلية المقترحة للميزانية العامة لعام 2025، والتي تجاوزت 174 مليار دينار، إضافة إلى حزمة إصلاحات اقتصادية تستهدف معالجة أزمة انخفاض قيمة الدينار الليبي وترشيد الإنفاق، فضلاً عن ملف تشكيل الحكومة الجديدة. قدمها محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، أمام اللجنة المالية بمجلس النواب، بالإضافة إلى بحث المراسيم الرئاسية الثلاثة التي أصدرها المجلس الرئاسي في إطار ما أسماه "خطة الإنقاذ الوطني".
وأثارت هذه المراسيم جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الليبية، بين مؤيدين يرون فيها مخرجاً من حالة الجمود السياسي، ومعارضين يعتبرونها تجاوزاً لصلاحيات المجلس الرئاسي.
كما تتزايد الدعوات إلى التوجه نحو إجراء انتخابات شاملة تُنهي المراحل الانتقالية التي امتدت لأكثر من عقد، وسط تأكيدات على ضرورة تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في ليبيا.
وأوضح النائب عبد المنعم العرفي أن الحكومة المقترحة ستُناقش في ضوء التقدم الحاصل في الحوار مع مجلس الدولة، بهدف التوصل إلى توافق بشأن سلطة تنفيذية موحدة تنهي الانقسام وتؤسس لمرحلة سياسية أكثر استقراراً.
ووسط هذا المناخ السياسي المتشابك، تبقى الجلسة البرلمانية المرتقبة اختباراً حقيقياً لقدرة مجلس النواب على تجاوز الانقسامات وتقديم مبادرة جامعة بشأن الحكومة، لكن النجاح في ذلك لا يتوقف على مجرد التصويت أو الإعلان، بل يتطلب توافقاً فعلياً مع مجلس الدولة، واستعداداً دولياً لاحتضان أي مخرجات جديدة، في ظل مشهد معقد.
وتزداد الضغوط مع تراجع الأوضاع الاقتصادية، وحالة الانفلات المؤسسي، وتدخل الأطراف الدولية التي تدفع باتجاه إجراء انتخابات في بيئة من التوافق، وهو ما يعارضه بعض الأطراف التي تشترط أولاً إعادة تشكيل السلطة التنفيذية وتوحيد مؤسسات الدولة، مما يجعل المجلس في اختبار سياسي دقيق بين الاستجابة لمطالب الداخل وضغوط الخارج.
ويتعرض الدبيبة الى ضغوط شعبية إضافة الى الضغوط السياسية حيث تتواصل الاحتجاجات الشعبية في مدينة مصراتة للمطالبة بإسقاط حكومته، على خلفية اتهامات بالفساد وسوء الإدارة، وسط دعوات متزايدة لتشكيل حكومة محايدة تُشرف على الانتخابات المقبلة وتنهي المرحلة الانتقالية.
وشهدت الأيام الماضية خروج مئات المواطنين إلى الشوارع، لا سيما أمام مجمع المحاكم، للتعبير عن غضبهم من تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية، واستشراء الفساد، وسيطرة الميليشيات على مفاصل الدولة.
ويؤكد مراقبون أن السخط المتصاعد في مصراتة، المدينة ذات الثقل الاقتصادي والسياسي غرب البلاد، يعكس حجم الاستياء الشعبي من تعثر المسار السياسي وتفاقم الأزمات المعيشية، ما قد يدفع نحو تغيرات حاسمة في المشهد الليبي.
وأكد النائب علي الصول في تصريحات سابقة، أن التوافق مع مجلس الدولة على حكومة موحدة أصبح أولوية مطلقة، وهو ما يتطلب تسريع المشاورات بين الطرفين وقطع الطريق على محاولات حكومة الوحدة للبقاء أطول في المشهد.
وانتقد الصول مواقف المبعوثة الأممية هانا تيتيه، واصفاً إياها بأنها لا تُعبّر عن واقع التوازنات السياسية في البلاد، وتتماهى مع أجندة الطرف الغربي في المشهد الليبي.
كما اتهم تجمع الأحزاب الليبية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالخروج عن دورها كوسيط نزيه وتحولها إلى طرف منحاز يعمّق الانقسام ويعيد إنتاج الأزمة وفق أجندات دولية متقلبة.
وفي بيان شديد اللهجة صدر السبت، رفض التجمع مضمون بيان البعثة الأخير حول قرارات المجلس الرئاسي، واصفا إياه بمحاولة وصاية مرفوضة تتنكر للسيادة الليبية، وأكد أن البعثة باتت تتعامل مع البلاد كـ"غنيمة دولية"، مشيرا إلى تدخلها المتكرر كلما اقترب الليبيون من صياغة حلول محلية مستقلة.
واستنكر البيان صمت البعثة عن الابتزاز السياسي والتدخلات الأجنبية، وتحيزها ضد المبادرات الوطنية الخارجة عن قنوات النفوذ الدولي، متهما إياها بترويج "عقلية استعمارية حديثة" تستهدف أي قرار سيادي ليبي.
وختم التجمع بدعوة إلى تحرك سياسي وشعبي لإعادة النظر في دور البعثة الأممية، مطالبًا بـ"وقف العبث بمصير الوطن تحت غطاء الشرعية الدولية".
وكانت دعت تيتيه، قبل أسبوع إلى ضرورة أن تتحمل كافة المؤسسات مسؤولياتها في تمهيد الطريق نحو الانتخابات، مع الإشارة إلى أن جميع المؤسسات الحالية تجاوزت ولايتها القانونية، وهو ما يتطلب معالجة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين مقاربة الشرق ومقاربة الغرب، ففيما يركّز الشرق على تشكيل حكومة جديدة تقود إلى الانتخابات، يطالب الغرب بضمان توافق دستوري وتوحيد المؤسسات الانتخابية قبل الانتقال إلى صناديق الاقتراع.
وترأس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا حاليا هانا سيروا تيتيه، التي عُيّنت ممثلة خاصة للأمين العام في أبريل/نيسان 2024 وفي أحدث تقاريرها لمجلس الأمن، حذّرت من "انزلاق خطير" في المشهد السياسي الليبي، داعية إلى خارطة طريق شاملة تقود لانتخابات قبل نهاية 2025.