الدبيبة يتوعد جماعات مسلحة في طرابلس بالخيار العسكري

رئيس حكومة الوحدة يوظف الخيار الأمني لكسب الوقت وتعزيز موقعه السياسي، في ظل الضغوط الدولية والمحلية الداعية إلى تغيير حكومي شامل.
الدبيبة يتهم فصائل بالتخطيط لمحاولة انقلابية يجلب أسلحة من الخارج

طرابلس - هدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة باللجوء للخيار العسكري في مواجهة حراك شعبي يطالب برحيل حكومته بما في ذلك جماعات مسلحة في غرب ليبيا مناهضة لسلطته. 
 
واتهم في تصريحات بثتها قناة ليبيا الاحرار جماعات مسلحة بالتخطيط لمحاولة انقلاب على سلطته من خلال جلب أسلحة من الخارج قال انها تفوق القدرات التسليحية للقوات النظامية موجها تهديدات صريحة إلى الجماعات المسلحة التي ترفض الانصياع لأوامر الحكومة، متوعدًا بإطلاق "حملة أمنية شاملة" في حال لم تلتزم تلك الجماعات بما أسماه "شروط الدولة". كما لمّح إلى احتمال اندلاع مواجهة مسلحة جديدة داخل العاصمة، وهو ما أثار مخاوف من عودة العنف والانقسام، خصوصًا في ظل هشاشة الوضع الأمني وتعدد مراكز القوى.

وتأتي تهديدات رئيس حكومة الوحدة على وقع تصاعد الاحتجاجات المناوئة لسلطته والتي تطالبه بالرحيل خاصة بعد احداث العنف التي شهدتها طرابلس قبل أشهر.

وأكد في حديثه أن عودة الاستقرار إلى طرابلس مرهونة بجملة من الشروط الأساسية، أبرزها تسليم المطلوبين للنيابة العامة، وتفكيك التشكيلات المسلحة الخارجة عن القانون، وتمكين الدولة من بسط سيادتها الكاملة على المرافق الحيوية مثل مطار معيتيقة وميناء طرابلس والسجون التابعة للفصائل. كما طالب هذه الجماعات بالامتثال التام لسلطة الدولة وقوانينها، محذرًا من أن تجاهل هذه الشروط ستكون له "عواقب لا يمكن ضمان نتائجها".

وفي الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن تهديدات الدبيبة ليست جديدة، وإنما تأتي ضمن سياسة دائمة يتبعها للسيطرة على العاصمة، فإن اللافت هذه المرة هو تكرار التلويح باستخدام القوة وسط تزايد حدة الانتقادات الموجهة إليه، سواء من داخل طرابلس أو من الأطراف السياسية المناوئة في الشرق والجنوب.
ويعتبر كثيرون أن رئيس حكومة الوحدة يوظف الخيار الأمني لكسب الوقت وتعزيز موقعه السياسي، في ظل الضغوط الدولية والمحلية الداعية إلى تغيير حكومي شامل، خصوصًا بعد فشل حكومته في توحيد المؤسسات أو إجراء الانتخابات الموعودة.
وبنبرة تصعيدية واضحة، كشف الدبيبة عن امتلاك بعض التشكيلات المسلحة لقدرات تفوق إمكانيات الدولة، وقيامها بابتزاز مؤسساتها، معتبرًا أن هذه الجماعات تعمل خارج الإطار الرسمي وتستغل المناطق المأهولة – مثل سوق الجمعة – كدروع بشرية، ما يعقّد أي تدخل حكومي محتمل.
كما أشار إلى صدور أكثر من 120 مذكرة توقيف بحق مسلحين متحصنين في محيط مطار معيتيقة، لافتًا إلى أن جهاز "دعم الاستقرار" التابع اسميًا للحكومة، عرقل سابقًا عمل الشرطة ومنع المواطنين من تقديم شكاوى، ما دفع عشرات الملفات المتعلقة بانتهاكاته إلى أروقة القضاء.
وتطرق رئيس الحكومة إلى ما وصفه بـ"محاولات انقلابية" تمثلت في استيراد بعض الفصائل أسلحة من الخارج عبر طائرات خاصة، دون علم أو تنسيق مع الجهات الرسمية، محذرًا من خطورة هذا المسار، الذي رأى فيه تمردًا على الدولة أكثر من كونه خصومة مع الحكومة.
وفي ختام تصريحاته، شدد على أن حكومته لا تستهدف أي تيار ديني، مؤكدًا أن استخدام ألقاب مثل "الشيخ" و"الحاج" لا يمنح أي طرف حصانة من الملاحقة القانونية. وأضاف أن من يختبئ خلف هذه الصفات الدينية هو من يسعى إلى تخريب مؤسسات الدولة.
وتلقى تصريحات الدبيبة دعمًا محدودًا من شخصيات دينية محسوبة على مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني، حيث كتب عبدالله الجعيدي، وهو عضو بدار الإفتاء، منشورًا على "فيسبوك" قال فيه إن "كلام رئيس الحكومة واضح وواقع نعيشه، ولا يعارضه إلا أصحاب الأجندات المشبوهة".

لكن هذا التبرير لم يمنع سيل الانتقادات المتواصلة التي تواجهها حكومة الدبيبة، لا سيما من قوى مدنية وشعبية باتت ترى في التهديدات العسكرية دليلًا على إفلاس سياسي وفشل في إدارة المرحلة، فضلًا عن المخاوف من انزلاق العاصمة إلى دوامة عنف جديدة لا تحتملها البلاد في ظل الانقسام السياسي والاقتصادي العميق.
وتعيد التهديدات التي أطلقها الدبيبة إلى الأذهان الاشتباكات التي شهدتها العاصمة مرارًا خلال العامين الماضيين، حين فشلت الاتفاقات الهشة في منع التصعيد بين الفصائل المسلحة المتنازعة على النفوذ. واليوم، يُنظر إلى هذه التهديدات كجزء من لعبة شدّ الحبل بين مراكز القوى داخل طرابلس، في وقت فقدت فيه حكومة الوحدة الكثير من شرعيتها وشعبيتها.
ويعتقد أن استمرار هذا الخطاب العسكري، في ظل غياب أي أفق سياسي أو مشروع وطني جامع، يعمق من أزمة الثقة بين المواطنين والسلطة، ويجعل من أي حلول سلمية بعيدة المنال، خاصة إذا ظلت الأجندات الأمنية تُقدّم على الحلول السياسية.