
الدعم السريع تعلن عن حكومة موازية وسط مواجهات مع الجيش
الخرطوم - أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الثلاثاء قيام حكومة موازية في السودان، مع دخول الحرب التي أوقعت عشرات آلاف القتلى وأغرقت أنحاء من البلاد في مجاعة، عامها الثالث فيما يأتي هذا الإعلان رغم الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوداني في الفترة الماضية خاصة في العاصمة الخرطوم.
وطالب 15 بلدا والاتحادان الأوروبي والإفريقي الثلاثاء خلال مؤتمر في لندن بـ"وقف لإطلاق النار فوري ودائم" في السودان، مع التشديد على "ضرورة الحؤول دون تقسيم السودان".
وجاء في بيان لدقلو على تلغرام "نؤكد بفخر قيام حكومة السلام والوحدة - تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان".
وأضاف "ستوفر حكومتنا الخدمات الأساسية - التعليم والصحة والعدالة - ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقوات الحركات بل في جميع أنحاء البلاد. نحن نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية. ونصدر وثائق هوية جديدة، حتى لا يُحرم أي سوداني من حقوقه".
ودخلت الحرب في السودان الثلاثاء عامها الثالث بعد أن خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص متسببة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق.
واشتدت المعارك في إقليم دارفور غربي السودان بعد إعلان الجيش استعادته السيطرة على العاصمة الخرطوم.
وأعلن الجيش السوداني أنه نفذ الاثنين "ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات العدو شمال شرق الفاشر" وأدت إلى مقتل عدد من المقاتلين وتدمير مركبات عسكرية.
واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين، عبدالفتاح البرهان قائد الجيش ونائبه السابق دقلو (حميدتي) في 15 أبريل/نيسان 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف. وفي غضون ساعات تحولت مدينة الخرطوم الهادئة إلى ساحة حرب تملؤها الجثث بينما لاذ مئات الآلاف بالفرار.
وخلال عامي الحرب اتُهم طرفا النزاع، الواقعان تحت العقوبات الأميركية، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بينها القصف العشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان الثلاثاء إن السودانيين "محاصرون من كافة الجهات - حرب وانتهاكات واسعة النطاق ومهانة وجوع وغيرها من المصاعب. يواجهون حالة من اللامبالاة من العالم الخارجي الذي لم يُبدِ خلال العامين الماضيين اهتماما يُذكر بإحلال السلام في السودان أو إغاثة جيرانه".
وفي ولاية الجزيرة بوسط السودان يؤكد محمد الأمين (63 عاما) أن مواطني مدينة ود مدني يعيشون "بلا كهرباء". ويضيف "بعد تحرير المدينة حدثت بعض المعالجات للمياه لكنها توفر لحوالي 8 ساعات في اليوم".

وبعد دخول الجيش السوداني الخرطوم الكبرى، عادت زينب عبدالرحيم إلى منزلها في بَحْري لتجد أنه "نُهب بالكامل".
وتقول زينب إن المدينة محرومة من مياه الشرب والكهرباء، مشيرةً إلى صعوبة الحصول على الأدوية أو الوصول لمستشفى ما زال يعمل. وتضيف "للحصول على المواد الغذائية علينا الذهاب إلى أم درمان (على بعد نحو 9 كيلومترات)، فسوق مدينة بحري محطم واحترق".
وبحسب الأمم المتحدة، قد يعود أكثر من 2.1 مليون نازح إلى الخرطوم في خلال الأشهر الستة المقبلة، إذا ما سمحت الأوضاع الأمنية والبنى التحتية بذلك.
وشهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة في الأشهر الماضية، خصوصا مع محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال خارجة عن سيطرتها في الإقليم.
وأطلقت هذه القوات الأسبوع الماضي هجوما جديدا عند أطراف الفاشر التي تحاصرها، أتاح لها السيطرة على مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة، بعد يومين من القصف المدفعي العنيف وإطلاق النار.
ونقلت الأمم المتحدة الاثنين عن "مصادر موثوقة" تأكيدها أن حصيلة هذه المعارك تجاوزت 400 قتيل، بينما فرّ نحو 400 ألف شخص من المخيم، حسبما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الإثنين إن السودان "لا يزال عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى" داعياً إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي".
ودعا غوتيريش "المتمتعين بأكبر قدر من النفوذ لدى الأطراف" المتحاربة إلى "استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة" مشددا في بيانه على أهمية "وقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة" مشيراً إلى "مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره".
وفي البيان الختامي، تعهّدت البلدان المشاركة في مؤتمر لندن بأكثر من 80 مليون يورو إضافية لمساعدة السودان في مواجهة أزمة إنسانية كارثية.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في افتتاح المؤتمر المنظّم بمبادرة من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والاتحاد الإفريقي "لا يمكننا بكلّ بساطة أن نشيح نظرنا".
وتابع أن "كثيرين تخلّوا عن السودان... وهذا خطأ أخلاقي نظراً لعدد القتلى المدنيين والرضّع الذين بالكاد بلغوا عامهم الأوّل وتعرّضوا لعنف جنسي وعدد الأشخاص المهدّدين بالجوع الذي يفوق المستويات المسجّلة في أيّ مكان آخر في العالم".
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والإمارات المتحدة وتشاد وممثلون عن الاتحاد الأوروبي بينما يغيب عنه طرفا النزاع السوداني.
وأحصت الأمم المتحدة قتل أو تشويه 2776 طفلا بين 2023 و2024 في السودان، مقابل 150 في 2022. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى.
ومن الصعب التوصل لأرقام دقيقة لضحايا حرب السودان بسبب انهيار القطاع الصحي، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى السودان توم بيرييلو قدر عدد القتلى بنحو 150 ألفا.
واعتبرت منظمة الأمم المتّحدة للطفولة (اليونيسف) أن "عامين من الحرب والنزوح حطّما حياة ملايين الأطفال في أنحاء السودان".