الدين تنظيم النسل.. قلة أشداء أفضل من كثرة ضعفاء

الأديان هدفها كرامة الإنسان، وتكوين أسرة سعيدة هو هدف نبيل، ولكن كيف تكون الأسرة سعيدة ورب الأسرة غير قادر على الإنفاق وتسديد الاحتياجات بسبب كثرة الإنجاب؟

بقلم: القس رفعت فكري سعيد

كثر الجدل عن رأى الدين في تنظيم النسل، هل يصرح به أم لا؟ هل تنظيم النسل يتفق مع القيم الدينية؟ وهل تنظيم النسل فيه معارضة لإرادة الله؟

مما لا شك فيه أن الأديان لم تفرض شرائع أو مبادئ على الإنسان ليحيا في بؤس ومرض وشقاء، كما أن الأديان لم تعلمنا أن ننجب أجيالًا من البشر البؤساء الذين يتزاحمون ويتقاتلون ويتصارعون بسبب قلة الموارد، هذا فضلًا عن أن الأديان لم تنادِ بكثرة الإنجاب للتفاخر، حيث إن التباهي والتفاخر يكونان بالابتكار والتقدم العلمي وليس بالعدد، كما أن الأديان جاءت لتكون في خدمة الإنسان وليس في شقائه أو تعاسته، أين كرامة الإنسان فيمن ينجب ويلقى بأولاده في الشارع؟

 أين الكرامة الإنسانية فيمن ينجب ويترك لأولاده الفقر والجهل والتخلف والمرض؟ إن الأديان هدفها كرامة الإنسان، وتكوين أسرة سعيدة هو هدف نبيل، ولكن كيف تكون الأسرة سعيدة ورب الأسرة غير قادر على الإنفاق وتسديد الاحتياجات بسبب كثرة الإنجاب؟ إن الإنجاب غريزة طبيعية، وليس هناك على الأسرة أي حرج من أن تنظم نسلها وتحد من إنجابها، وهنا يأتي دور العقل في حياتنا، فالدين يأمرنا باستخدام عقولنا، لذا فعلينا أن نتدبر بعقولنا أمور حياتنا.

إن كان البعض يرى أن كثرة العدد يضمن الانتصار في الحروب، فالحروب الهجومية والقتال هي من الشرور المتأصلة في المجتمع الإنساني، وهى لا تتفق مع شريعة الله،‏ لهذا فمجرد إنجاب النسل، بغية الحرب، شر،‏ أما إن نظرنا إلى حاجة الدولة الدفاعية، فالحرب في القرن الحادي والعشرين ليست حرب كثرة أفراد، بل هي حرب علمية وتكنولوجية.

وقديماً نادى البعض بكثرة النسل لهدف آخر وهو «نشر الدعوة»، وقالوا إن الدعوة تنتشر بزيادة الأبناء من الدين الواحد،‏ ولعله صار من الواضح جداً – في القرن الحادي والعشرين – أن نشر الدعوة الفعال لا يتم بكثرة النسل، بقدر ما يتم باستخدام وسائل الإعلام استخداماً يؤثر في الجماهير،‏ يضاف إلى ذلك أن وجود قلة من الأبناء الأقوياء النابهين أفضل من كثرة من الضعفاء الجهلة،‏ فالنوع أهم من العدد،‏ والكيف أهم من الكم.

كذلك من التفسيرات الخاطئة التي تشيع بين الناس أن الله تكفل بالرزق لكل كائن حي، والجميع يعلم أن الله هو الرزاق، ولكن الله جعل لكل شيء سببًا،‏ ولذا لابد من الأخذ بالأسباب واستخدام عقولنا لتدبير أمور حياتنا،‏ وعدم استخدام العقل يُعد من الذنوب الكبرى، خاصة أن العقل لا يتعارض مع الدين،‏ وأن هناك فرقًا بين التواكل والاتكال على الله.

لهذا فإن القول «الولد ييجي ورزقه وياه» قول يُبنى على أساس من التواكل، ولو ربطنا مسؤولية الإنسان في هذا المخطط، لتعقل الإنسان، وبنى لنفسه مخطط حياته في ضوء الأرزاق التي بين يديه. هل يمكن للخطاب الديني أن يلعب دوراً في تغيير المفاهيم الخاطئة؟

عن الأهرام المصرية