الديوبندية الهندية.. صلتها بطالبان وإيران

العلاقات بين التيارين الديوبندي وإيران ولاية الفقيه شهدت تطوّراً جديداً منذ عام 2008 من خلال تردّد زعماء جمعية علماء إسلام على طهران للمشاركة في عدد من المؤتمرات الدينية والثقافية، وحتى افتتاح مدارس في إيران وتأسست طالبان بتأييدها.

بقلم: محمد خلف

تشكّل بريطانيا حاضنة لمختلف التيارات الإسلامية الجهادية والصوفية وقوى الإسلام السياسي التي وجدت لها ملاذاً ومتتفساً في الديموقراطية الليبرالية الغربية ومشروعها لبناء مجتمعات متعددة الأقليات والإثنيات والأديان في دول أوروبا الغربية خلال العقود الخمسة الأخيرة.

يشكّل المسلمون في بريطانيا أكثر من 5 في المئة من عدد السكان الفعلي، ووفقاً لبيانات رسمية فإن أكثر من 5 في المئة منهم يحتلون مناصب مختلفة في الإدارات العليا للمؤسسات الرسمية، ويعملون في الجامعات والمعاهد والمدارس البريطانية، ويحمل أكثر من 20 في المئة منهم شهادات جامعية وينتمون إلى أصول متنوعة، لكنهم لا يشكّلون وحدة سياسية واجتماعية متجانسة.

البحث في ظاهرة الإسلام السياسي في بريطانيا والانتشار الإسلامي عموماً يؤدّي إلى الكشف عن كثير من الحقائق عن جماعات دينية مستوردة من الخارج، لا تحظى بالكثير من الاهتمام وتظل مجهولة لملايين من الناس من المسلمين وغير المسلمين، من بينها جماعات في غالبيتها قدمت من الباكستان والهند ومنها المدرسة “اليوبندية” التي ظهرت ونشأت في الهند وامتد وجودها إلى بريطانيا. ويعتبر المسلمون الهنود أول مجموعة مسلمة هاجرت إلى بريطانيا عام 1709، وشكّل البحارة الذين عملوا في شركة الهند الشرقية أول جالية إسلامية في مدن الموانئ البحرية.

في كتابها المعنون “المدينة في برمنغهام والنجف في برينت” الذي صدر عام 2015 تكشف الصحافية البريطانية إينيس بوين بالتعاون مع مراسل هيئة الإذاعة البريطاني “بي بي سي” للشؤون الأمنية عن خفايا المجتمع الإسلامي في المملكة المتحدة، موجّهة الانتباه إلى ما يسمى “المدرسة الديوبندية” التي تمتلك كما تقول أكثر من 44 في المئة من المساجد في عموم البلاد.

ارتكزت بوين في استنتاجات كتابها على أكثر من 80 حواراً أجرته مع ممثلين من مختلف الجماعات والبيئات المسلمة في بريطانيا. قضت سبع سنوات متواصلة في إجرائها بمساعدة باحثين مسلمين بريطانيين من أصول باكستانية. وكانت بوين روت في مقابلة صحافية تفاصيل تجربتها في كشف خفايا الديوبندية وتحدثت عن مساجدها وعلمائها الذين يتراوحون بين (معتدلين) يندّدون بالإرهاب و(متطرّفين) يجنّدون مقاتلين لحركة طالبان.

نمت هذه الحركة وتطوّرت حيث أعلنت في عام 1980 إنشاء “المجلس العالمي للحركة الديوبندية”، وكان الهدف من إعلانها هو تنظيم التيار الديوبندي في العالم، بخاصة في معاقله الرسمية، وهي الهند وباكستان وبنغلادش، إلى جانب أفغانستان ودول إسلامية أخرى. وتمكن من تنظيم 10 مؤتمرات عالمية في كل من الهند وباكستان وبنغلادش، وكان الهدف منها توحيد صفوفهم، ووضع إستراتيجية خاصة بهم.

الديوبندية وطالبان الأفغانية

”الديوبندية” طائفة من الأحناف في شبه القارة الهندية، تتخذ منهجاً عقدياً أقرب إلى المذهب الأشعري الماتريدي، إلا أنها تختلف في تكوينها العقدي عن شريكتها طائفة البريلوية الصوفية التي تتميز بالكثير من المخالفات العقدية، وينتسب زعماء حركة طالبان إلى الطائفة الأولى ذات المنهج الماتريدي. و”ديوبند” هي بلدة في ولاية أوترا براديش، اكتسبت شهرتها بفضل الجامعة الإسلامية الشهيرة “دار العلوم”- أو كما تسمى أيضا أزهر الهند- التي تأسست فيها عام 1857، وكان الهدف الأساسي من إنشاء هذه الجامعة هو تأييد المذهب الحنفي ونشره وإخضاع السنة النبوية وتطويعها لهذا الفقه”.

شهدت هذه المدرسة التي أسستها مجموعة من العلماء المسلمين نمواً واسعاً حتى أصبحت أكبر المعاهد الدينية للمذهب الحنفي حيث سرعان ما تبنّت جميع المدارس في كل من الهند وبنغلادش وباكستان، هذا الفكر الذي وصلت امتداداته إلى افغانستان وروسيا. وبحسب رئيس جمعية بريطانيا الشيخ حافظ اكرام الحق رباني “ظهرت هذه المدرسة لحماية الإسلام من التأثير الغربي في شبه القارة الهندية وابتلاعه للديانة الإسلامية”.

كانت حركة طالبان نشأت في ولاية قندهار جنوب غربي أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994، على يد الملا محمد عمر، وهو أبو طالبان وكانت تهدف كما ادّعى مؤسسها إلى القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الديبوندية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994.

الديوبندية والشيعية الإيرانية

يشير تقرير نُشر مع (العصر) الإلكتروني إلى أنه بعد العملية الإرهابية في واشنطن ونيويورك في أيلول 2001، “تراجع صراع “مجلس الديوبندي العالمي” مع الشيعة، وتحوّل إلى علاقات دافئة، ظلت تتطور من خلال العلاقات الديوبندية مع إيران الدولة، أو من خلال تقارب وجهات النظر بين زعماء “جمعية علماء إسلام” وملالي إيران، لمواجهة الهيمنة الأميركية، حتى وصلت الحال إلى أن عرضت إيران على زعماء الديوبند في باكستان في عام 2006، احتضانها مؤتمر المجلس الديوبندي العالمي في طهران، وهو ما يمثل تطوراً مهماً بين الفكرة الديوبندية والفكرة الشيعية”.

كانت العلاقات بين التيارين الديوبندي والشيعي، قد شهدت تطوّراً جديداً منذ عام 2008 من خلال تردّد زعماء “جمعية علماء إسلام” على طهران للمشاركة في عدد من المؤتمرات الدينية والثقافية، وحتى افتتاح مدارس ديوبندية في المدن السنية في إيران. وكانت “جمعية علماء إسلام”، قد تلقت عروضاً إيرانية خلال اللقاءات التي دارت بينها وبين الزعماء الروحيين الإيرانيين من أجل بناء عدد من المدارس الديوبندية في باكستان، وكان زعماء التيار الديوبندي الباكستاني، الذين يمثلهم اليوم في باكستان (مجلس العمل المتّحد)، قد أعلنوا أنهم لن يسمحوا بهجوم أميركي على إيران، وأنهم سيقفون مع هذه الجمهورية الإسلامية.

ملخص مقال عن صفحة درج
(الديوبندية: طائفة هندية ازدهرت في أحضان مسلمي بريطانيا)