الرئيس العراقي يهدد بالاستقالة بعد فرض طهران السهيل لرئاسة الحكومة

قائد الحرس الثوري عاد من طهران إلى المنطقة الخضراء في بغداد لفرض اسم السهيل بعد أن أجهض اتفاق أبرم يوم الخميس بين عدة قوى سياسية على ترشيحه لرئاسة الحكومة الجديدة.
تساؤلات حول حذف الصدر تغريدة دعا فيها السهيل إلى احترام إرادة الشعب
مخاوف من عودة العنف للمظاهرات بعد رفض الشارع للسهيل
حملة إضراب عن الطعام في ساحة التحرير حتى التصويت على قانون الانتخابات
إيران تدفع تحالف 'البناء' إلى فرض قصي السهيل لتكليفه بشكيل الحكومة

بغداد - كشف مصدر في مكتب الرئيس العراقي برهم صالح أن الأخير لوح بتقديم استقالته من منصبة جراء ضغوط "كبيرة جداً" من قوى سياسية مدعومة من إيران لقبول مرشحها لرئاسة الحكومة المقبلة.

وقال المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه لحساسية الموضوع في تصريح صحفي إن "الرئيس صالح لوح بتقديم استقالته من منصبه".
وأضاف أن هذا التلويح يأتي جراء "ضغوط كبيرة جدا تمارس عليه من محور تحالف 'البناء' ومن يقف خلفه" في إشارة إلى القيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي يتواجد في بغداد منذ أسابيع.

وأشار المصدر إلى أن تلك القوى المقربة من إيران تضغط لتكليف مرشحها قصي السهيل لتشكيل الحكومة المقبلة.

ويأتي تلويح الرئيس العراقي بالإستقالة وسط غليان الشارع الذي استعاد زخم الاحتجاجات في وقت دخل فيه العراق فراغا دستوريا بعد انتهار المهلة الدستورية لبرهم صالح بتشكيل الحكومة خلال 15 يوما من قبول استقالت حكومة عادل عبد المهدي.

ومنذ أمس الأحد، عاد المتظاهرون بكثافة إلى الشوارع في العاصمة بغداد ومحافظات الجنوب للتأكيد على رفضهم تسمية قصي السهيل لمنصب رئيس الوزراء الأمر الذي يضع الرئيس العراقي بدوره فيتو قاطعا عليه، حسبما أفادت وسائل إعلام عراقية .

ويتألف تحالف 'البناء' من قوى سياسية شيعية على صلة وثيقة بإيران وعلى رأسها ائتلاف 'الفتح' بزعامة هادي العامري (47 من أصل 329 مقعداً بالبرلمان)، وائتلاف "'دولة القانون' (26 مقعدا).

والسهيل (54 عاما) العضو السابق في تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، انتقل إلى معسكر خصمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الموالي لإيران الذي يتزعم ائتلاف 'دولة القانون'.

وشغل مرشح 'البناء' عضوية الجمعية الوطنية (بمثابة برلمان مؤقت) عامي 2004 و2005، ثم أصبح عضوًا في البرلمان بدورته الأولى بين 2006 و2010 ممثلًا عن التيار الصدري.

وحافظ على مقعده البرلماني في الدورة الثانية، وشغل خلالها منصب النائب الأول لرئيس البرلمان بين 2010 و2014.

وفي 2013 قدم استقالته من عضوية البرلمان تحت ضغوط من مقتدى الصدر، إثر اتهام السهيل بالعمل لصالح خصمه، رئيس الحكومة آنذاك، نوري المالكي، داخل البرلمان.

لكن السهيل سحب طلب الاستقالة وظل في منصبه حتى انتهاء الدورة البرلمانية، إلا أنه ابتعد عن التيار الصدري، وبات مقربًا من المالكي والقوى السياسية الأخرى المقربة من طهران، رغم الترويج على أنه مستقل.

وفي 2018 اختاره عادل عبدالمهدي ضمن تشكيلته الحكومية، ويشغل حتى الآن منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بدعم من القوى السياسية المقربة من إيران، وعلى رأسها ائتلافا المالكي والعامري.

لا يحظى السهيل بتأييد المتظاهرين، الذين وضعوا علامة حمراء على صوره في ساحات الاحتجاج بعد أن ورد اسمه إلى جانب وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق محمد شياع السوداني، ورئيس جهاز المخابرات الوطني مصطفى الكاظمي لقيادة الحكومة الجديدة.

ومنذ بداية الاحتجاجات في العراقي رفع المتظاهرون شعارات مناهضة لإيران رافضين تدخلات طهران في شؤون بلادهم، حيث داس المحتجون على صور للمرشد الأعلى علي خامنئي وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني في الشوارع، فيما قم عدد من المتظاهرين بحرق قنصليات إيرانية في أهم مدينتين للمذهب الشيعي على مستوى العالم وهما النجف حيث مرقد علي بن أبي طالب وكربلاء حيث مرقد نجله الحسين أكثر من مرة.

ويصر المحتجون على وضع حد للتدخل الإيراني في العراق ووضع حد لميليشياتها التي نصبت قناصة ومسلحين لاستهداف المتظاهرين السلميين منذ بدأ الاحتجاجات مطلع أكتوبر الماضي.

وفي الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوب العراق، انتقم السكان المحليون لمقتل أبنائهم المتظاهرين بإعلان المدينة خالية من الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، بعدما أحرقوا جميع مقراتها، وأجبروا المرتبطين بها على توقيع صكوك براءة منها.

وفي مدينة العمارة المجاورة، لم يعد ممكنا للمسلحين الذين ينتمون إلى بعض الميليشيات الموالية لإيران أن يظهروا إلى العلن، بعدما لاحقهم المتظاهرون بتهمة قتل رفاقهم.

وفي مدينة الديوانية مركز محافظة القادسية القريبة، أغلقت مقرات جميع الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، بعدما أحرق المتظاهرون عددا منها، وطلبوا من أشخاص يشغلون أخرى المغادرة فورا.

وفي بابل، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي من ساحة اعتصام مدينة الحلة، يظهر المحتجين وهم يهتفون بعبارات مناوئة لقاسم سليماني.

وخوفا من تراجع نفوذها وفشلها في إخماد الاحتجاجات ضد الأحزاب الموالية لها أعادت إيران قائد فيلق القدس بالحرس الثوري إلى بغداد بعد فشله في سفرات سابقة بين طهران والعاصمة العراقية للسيطرة على المظاهرات ثم الدفع بمرشح يحظى بدعم من المرشد الأعلى.

وتناقلت مصادر عراقية أمس الأحد خبر تواجد سليماني في المنطقة الخضراء إلى جانب نوري المالكي، والقيادي بمليشيات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وقيادات أخرى، من أجل فرض السهيل، لتولي رئاسة الحكومة الجديدة.

وقالت نفس المصادر إن سليماني عاد من طهران إلى بغداد، بعد أن أجهض اتفاق أبرم يوم الخميس الماضي تم التفاهم خلاله بين عدة قوى سياسية على ترشيح السهيل.

لكن هذه الضغوط انتهت بتلويح برهم صالح بالاستقالة أمام إصراره على تلبية مطلب المحتجين بترشيح شخصية مستقلة نزيهة لم تشغل مناصب رفيعة خلال السنوات الماضية، وهو ما لا ينطبق على السهيل.

كما لا يحظى السهيل بدعم قوى سياسية رئيسية، على رأسها تحالف 'سائرون' المدعوم من مقتدى الصدر، وائتلاف 'النصر' بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، فضلاً عن قوى سياسية سُنية، بينها تحالف 'القرار'، بزعامة رئيس البرلمان الأسبق، أسامة النجيفي.

وكان مقتدى الصدر قد دعا السبت في تغريدة السهيل إلى "احترام إرادة الشعب" و"حفظ الكرامة"، ثم عاد وحذف التغريدة لاحقا ما أثار تساؤلات حول تعرضه هو الآخر لضغوطات.

وقال الصدر في تغريدته المحذوفة " أيها الأخوة في كتلة البناء.. أيها الأخ قصي السهيل.. احقنوا الدم العراقي.. واحترموا أوامر المرجعية.. واحترموا إرادة الشعب واحفظوا كرامتكم هو خبر لنا ولكم وللعراق أجمع".

ولا يحظى السهيل أيضا بدعم المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، الذي دعا أكثر من مرة إلى إسناد رئاسة الوزراء إلى شخصية مستقلة نزيهة لم تشغل سابقًا مناصب رفيعة، تلبية لمطلب المحتجين.

تغيير قانون الانتخابات أهم مطالب المحتجين
قاسم سليماني مهندس اجهاض الانتفاضة العراقية

وقال برهم صالح، الأحد، إنه تلقى طلبا من تحالف 'البناء' قدم في 18 كانون الأول/ديسمبر الجاري بتكليف مرشحها قصي السهيل لتشكيل الحكومة المقبلة باعتباره الكتلة البرلمانية الأكبر.

ويقول تحالف 'البناء' إنه الكتلة البرلمانية الأكبر بـ150 نائبًا، وسط جدل لم يُحسم بشأن هوية الكتلة الأكبر، والتي من حقها تقديم مرشح لتشكيل الحكومة.

من جهته أبلغ تحالف 'سائرون' المدعوم من الصدر رئاسة الجمهورية أيضا في كتاب رسمي في 3 كانون الأول/ديسمبر الجاري بأنه هو الكتلة الأكبر وهو المعني بتقديم المرشح لتشكيل الحكومة.

وقالت رئاسة الجمهورية أن 174 نائبا قدموا طلبا آخر للرئيس صالح في 16 كانون الأول/ديسمبر الجاري حددوا فيه الشروط الواجب توافرها في المرشح لرئاسة مجلس الوزراء وهو أن يكون مستقلاً ممن لم يتولى منصب وزير أو نائب ومن غير مزدوجي الجنسية.
وأدت محاولة الأحزاب الموالية لإيران فرض السهيل خلفا لعبدالمهدي إلى تصعيد شعبي كبير، حيث استعادت الاحتجاجات زخمها منذ أمس الأحد وتواصلت المظاهرات اليوم الاثنين في بغداد ومدن الجنوب.

وفي بغداد استمر المتظاهرون بالاحتشاد عند جسري السنك والأحرار فيما تم قطع طرقات وجسور بالإطارات المشتعلة جنوبا من قبل المتظاهرين، تنديداً بالطبقة الحاكمة التي فشلت حتى الآن بالاتفاق على تسمية رئيس جديد للوزراء، وبالضغط الإيراني لضمان بقاء نفوذ طهران في البلاد عبر الدفع بمرشح وكلائها.
ومن أجل تجديد الطبقة السياسية، يطالب المتظاهرون بقانون جديد للانتخاب يخول الاقتراع على أساس فردي "يضمن صعود نخبة من الجيل السياسي الجديد الذي يقدر على الأقل أن يصلح ما أفسدته الأحزاب الحاكمة"، بحسب المهندس محمد رحمن الذي يتظاهر في الديوانية.

وقال رحمن إن "مطالب المتظاهرين العراقيين بسيطة ولا تحتاج إلى كل هذه المماطلة والتسويف: اختيار رئيس وزراء بمواصفات مهنية ويتمتع باستقلالية ولا ينتمي إلى أي حزب شارك بالعملية السياسية منذ سقوط نظام صدام حسين".

وفي بغداد أعلن متظاهرو ساحة التحرير الإثنين، البدء بحملة الإضراب عن الطعام بالتزامن مع دخول البلاد في فراغ دستوري.

تغيير قانون الانتخابات أهم مطالب المحتجين
تغيير قانون الانتخابات أهم مطالب المحتجين


وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لعشرات المحتجين وهم يضعون شريطاً لاصقاً على أفواههم.
وذكر بيان للمتظاهرين نشر فجر الإثنين، "ندعوكم للبدء بالإضراب عن الطعام من الساعة 8 صباح الاثنين إلى حين التصويت مساء على قانون الانتخابات الذي يجب أن يكون وفق ما نرتضيه".

وأجرى مجلس القضاء الأعلى ظهر اليوم الاثنين قرعة اختار خلالها 5 من أعضاء مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات واثنين من المستشارين، فيما أرجأ اختيار اثنين آخرين جراء عدم ورود أسماء المرشحين من إقليم كردستان شمالي العراق.

وقال إن القرعة أشرف عليها بشكل مباشر ممثلي الأمم المتحدة.

ويناقش البرلمان تشريع قانون جديد للانتخابات البرلمانية منذ أسابيع، حيث تحول الخلافات بين القوى السياسية على بعض بنودها عائقاً لتمرير القانون.

وفي 5 ديسمبر/ كانون أول الجاري، أقر البرلمان قانون مفوضية الانتخابات، على أن يتشكل مجلسها من 7 قضاة مستقلين ومستشارين اثنين من مجلس الدولة، يجري اختيارهم عن طريق القرعة.

وتتولى مفوضية الانتخابات الإشراف على عمليات الاقتراع في الانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية للمحافظات.

وذكر بيان للمجلس أنه سيجري القرعة لاختيار العضوين الباقيين فور ورود الأسماء، وسط تخوف من عودة العنف إلى الشارع والذي أسفر عن مقتل نحو 460 شخصاً وإصابة 25 ألفاً آخرين بجروح، تبدو السلطة مشلولة.

والغالبية العظمى من ضحايا الاحتجاجات التي بدأت منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي سقطوا في مواجهات مع قوات الأمن ومسلحين تابعين لميليشيات موالية لإيران.