الرسم شفاء بالنسبة للتشكيلية هالة مستغانمي عياري

الفنانة الجزائرية تجعل من اللوحة اطارا للابلاغ عن حساسيتها ووعيها الانساني بالمحبة تجاه الناس في رحلة مع الفن بوصفه ترجمان حب وتواصل وأحاسيس.
عياري معجبة بتجربة مدرسة تونس وخاصة زبير التركي ومحمود السهيلي
الفن عند عياري لعبة جميلة للخلاص

من عوالم الذات وهي تتحسس خطاها الأولى نحو التلوين الى الشغف المفعم بالاحساس العميق حيث الرسم مجال لا بد منه لقول النفس وهي تنشد الى ما به تتجمل الحياة بأمكنتها ومشاهدها  تفاصيلها.. انها النفس الأمارة بالجمال نحتا لهبوب ناعم مثل فراشات من ذهب الأمكنة.
ثمة هيام وغرام تجاه التلوين بعيدا عن صخب الحياة وانتباها لايقاعات المتعبين والمأخوذين بالوجيعة.. ثمة بهاء مبثوث في الوجوه والحالات المقيمة بجهات شتى.. من الجنوب وجربة وأمكنة أخرى تبرز مشهديات تشكيلية تعمل ضمنها الفنانة بحساسية ومشاعر ديدنها الوفاء للحالات وناسها ووجوهها في ضروب من التعبيرية الانسانية والوجدانية.
نعني هنا الفنانة التشكيلية هالة مستغانمي عياري التي جعلت من اللوحة اطارا للابلاغ عن حساسيتها ووعيها الانساني بالمحبة... المحبة تجاه الناس مواضيع رسوماتها في رحلة مع الفن بوصفه ترجمان حب وتواصل وأحاسيس.
لوحات متعددة لوجوه منها المرأة السمراء من الجنوب والنسوة بالسفساري والمرأة والرجل واللباس الجربي والنظر الآخر بالازرق للسقيفة الكحلة بالمهدية المعلم التاريخي الشهير والفتاة صاحبة المطرية الماشية تحت المطر في لمسة من شاعرية الحال والوجه الموجوع في سمرته وهيئته الدالة والمرأة باللباس التقليدي... والرجل بشاشيته ومشيته الواثقة والحامل للفانوس في المدينة حيث الحوانيت والأقواس... وغيرها من الأعمال الفنية التي ستكون متاحة في معرض فني خاص ينتظم قريبا.
هي فسحة هالة الرسامة الشغوفة مع التلوين حيث رغباتها الجمة في الرسم كطفلة حالمة بالسفر الآخر.. السفر في مشاهد عبر نظرة من شاعرية اللحظة وموسيقاها كل ذلك لتقول بالفن لعبة جميلة للخلاص من الضجيج والقلق والفراغ في أيام الناس وحياتهم. انه الفن الملاذ والسكينة واعادة اكتشاف الذات في بعدها الآخر.. الوجداني والانساني والحميمي.
وعن تجربتها وبداياتها تقول الفنانة هالة "الرسم و التلوين وعوالم السحر الكامنة فيهما... كل ذلك كانت علاقتي به قديمة جدا حيث الشغف والولع كالطفل السابح في طفولته حلما وبراءة وحركة.. وحتى عملي جعلني في صلب الفن بحكم الاعتناء والشغل بالقطع التراثية والفنية والتقليدية من أثاث وأعمال فنية كما كانت لي زيارات الى معارض وأروقة بالخارج ما عرفني على فنانين أجانب منهم  الفنان التركي حبيب فراقي ... أخذت مسألة الفن بجد وبدأت مع الرسم الزيتي بعد بدايات بالقلم.. ومنحني الزيتي مجالات عمل جمة في العلاقة باللوحة والموضوع.
أقف أمام اللوحة بهيبة واحترام وتقدير كبير لجدلية اللحظة الابداعية في الرسم فضلا عن الاحساس العميق الذي ينتابني وأشعر به في كل أعمالي موجودا في عمق العملية الفنية التي اهتممت خلالها بمواضيع شتى منها الأشياء اليومية والمرأة والطفولة والحالات الاجتماعية والمشاهد المختلفة وسعيت لتكريم الناس المتعبين في لوحاتي حيث الفن عندي رسالة انسانية من ذلك الاهتمام بالناس في الجنوب ومشاهد الحياة اليومية.. كل لوحة من لوحاتي مثلت علاقة خاصة لي معها لحظة الرسم والتلوين.. الرسم يمنحني احساسا كبيرا خاصة عندما يمتزج العمل الفني بالموسيقى في لحظات مخصوصة.. انها العلاقة الحميمة الحاضرة في اللوحة.. علاقة حب ووجد وعذاب جميل مع القماشة.

الشعر والرسم عالمان ممتعان تنضاف اليهما الموسيقى وكل ذلك في أجواء من حضور الخيال.. أنا أحب الشعر فهو يثري الفن كالموسيقى تماما.. انها موجات الابداع الساحرة في بحر هذه الحياة.. أعد لمعرضي القريب الذي يضم عددا من لوحاتي المتنوعة في مواضيعها ولكنها تلتقي في ذاتي التي ترى الأشياء والتفاصيل والعالم بشكلها الخاص، هناك تجارب تونسية مهمة ولكني معجبة بتجربة مدرسة تونس وخاصة تجربة الفنان الكبير الراحل الزبير التركي.. أحببت أعماله الفنية وتعامله مع الألوان كما يعجبني الشغل الفني للفنان الكبير الراحل محمود السهيلي... أنا أرسم لأبرأ وأشفى من الأمراض الانسانية وبعملي الفني الذي يتخير العزلة بعيدا عن ضجيج العالم والبشر، أعيش أحساسا مرهفا وقد أبكي وأنا بصدد الرسم ومواجهة مساحة اللوحة في حضرة الموسيقى.. أتمنى النجاح لمعرضي القادم وأقول للفنانة هالة.. لنفسي.. واصلي عملك واحرصي على أن تكوني أنت أي أن تشبهي ذاتك فقط في الرسم والاحساس والنهج الفني والتلوين وحافظي على احساسك الموجع هذا والمولد للابداع وعلى حبك للموسيقى والشعر".  
الرسامة هالة ولدت في تونس من أم تونسية وأب جزائري وكانت شغوفة بالفنون والطبيعة ليكون الفن منفذاً لكل مشاعرها، سواء من خلال الموسيقى أو الرقص أو الرسم وفي حوالي عام 2000 أصبحت مهتمًة أكثر فأكثر بفن الرسم بعد أن كانت ترغب في تعلمه وإتقانه لأجل تضمينه في قوة التعبير لديها. أرادت أن تشارك المقربين منها جمال الحياة من خلال عينيها وأحلامها واستلهاماتها وأثناء حصص تعلمها لفن الرسم، أحاطت نفسها بفنانين تونسيين مثل الفنانين محمد غيلن ومصطفى ريث وطارق فخفاخ، كانت فخورة وممتنة للغاية لتعلمها بعض تقنياتهم وأساليبهم التي أدرجتها في إحساسها الجمالي لتطوير أسلوبها الشخصي. هي فنانة تعتز بأصولها و ببلدها ما جعلها تظل وفية  للموضوعات القريبة من جذورها والتي تبرز جمال تونس التي أحبتها، تطورت تجربتها على مر السنوات ونما شعورها الجمالي وثقتها بنفسها ورغبتها في الازدهار كفنانة وسعت لتطوير هذه الهواية إلى مهنة منظمة وبعد 21 عامًا من الخبرة وها هي تفكر في أول افتتاح لمعرض خاص بها.
وفي هذا الجانب سيضم المعرض الفردي هذا عددا متنوعا من لوحاتها التي اشتغلت على انجازها خلال السنوات الماضية مع لوحات جديدة ما يمكن أحباء الرسم والمعارض الفنية من الاطلاع على تجربتها التي تقول انها مواصلة فيها وبجدية هي من حرصها ووعيها الفني الجمالي الدؤوب.