الروائيون يقاومون كابوس الوحدة بالكتابة

محمد جبريل: الكتابة فعل اكتشاف، أرفض التصور بأن الكاتب يبدأ روايته وهو يعرف تماماً صورتها النهائية.
الرواية تكتسب ملامحها وقسماتها أثناء ولادتها
هالة البدري: الكاتب مهما عرف من بشر فهو يعاني وحدة من نوع خاص، لهذا فهو يحتاج إلى عالم آخر ثري يتخيله ويعيد صياغته.

القاهرة ـ من أحمد مروان وأحمد رجب

الروائي لا يكتب إلا حين تستبد به وحشة الوحدة، والرواية لا  يمكن أن تكتب من فراغ، وهي ليست إلهاما فقط، فالوحي يبرق لحظة ويختفي ثم تحتاج الرواية للمزيد من الجهد، لذا قيل إن وظيفة الروائي هي دمج الحقائق بمشاعر الشخصيات وحكاياتها، فلا حاجة لكتابة رواية ما لم تكن ستتحدث عن الحياة داخل شخصياتك. فمن دون أحداثٍ وحقائق، ستبدو الرواية بلا معنى، ربما لذلك قال أنطون تشيخوف "لا تقل لي إن القمر مضيء، بل أرني بريق ضوئه على زجاج مهشم". في المقولة تأكيد على أهمية ما يبذله الروائي من جهد .
فعل اكتشاف
يقول الروائي محمد جبريل: "الكتابة فعل اكتشاف، أرفض التصور بأن الكاتب يبدأ روايته وهو يعرف تماماً صورتها النهائية، فالرواية تكتسب ملامحها وقسماتها أثناء ولادتها، وقد يأتي المولود في صورة غير التي كان يتوقعها الفنان، وربما غير التي أرادها". الرواية تخطر له أولاً كفكرة لكنه أثناء الكتابة لا تسيطر علي الفكرة بصورة مطلقة.
جبريل يترك للعمل تلقائيته، وقد جعله ذلك يستغرق ثمانية أعوام في كتابة رواية "الأسوار" بينما روايته عن "المتنبي" ألحت فكرتها عليه فعكف علىها وانتهى منها في أسابيع، والكثير من روايات جبريل يبدو فيها البطل واضحاً، مسيطراً، لا يفارقنا منذ بداية العمل إلى نهايته وثمة تشابه بين الشخصيات في أعماله وهو يرجع ذلك إلى كون الشخصيات أو معظمها تعبر بدرجة أو بأخرى عن شخصية الكاتب نفسه، ويعتبر التاريخ من أهم المؤثرات على ولادة الرواية عنده فهو يقول إنه يستعيد التاريخ لإضاءة أحداث معاصرة وقد فعل ذلك في كل رواياته التاريخية مثل "إمام آخر الزمان" و"قلعة الجبل".
لأننا نعيش كابوسا
أما الروائي محمود الورداني؛ فالرواية عنده ولدت من الحرب، فهو بدأ كاتباً للقصة القصيرة، التي كانت مشبعة إبداعيا بالنسبة له حتى تكشفت له نتائج حرب 1973 التي اشترك فيها عسكرياً مجنداً بعد تخرجه، كان العمل الذي أسند إليه هو الاشتراك في تسلم الشهداء من المستشفيات وتسليمهم إلى مقابر الشهداء، فكتب رواية عنهم ليقضي معهم وقتاً أطول – كما يقول – والرواية عنده تولد دائماً كقصة قصيرة، وقد حدث ذلك في رواياته جميعاً. 
وعن "أوان القطاف" يقول: "بدأت كتابة هذه الرواية بقصة قصيرة اسمها (رأس) وفيها تابعت رأساً يتم ذبحه عدة مرات. وكانت أهميتها بالنسبة لي التخلص التام من الأفكار والانطباعات التي كنت حريصا عليها، والحقيقة أنه لم تكن لدي أي فكرة مركزية، كل ما أردته هو الانصات لهذه الاصوات كلها على تنوعها واختلافها، فهي تشترك جميعا في أمر واحد أظن أننا جميعا نشترك فيه وهو تعرضنا المستمر واليومي للذبح ليس بالمعنى المجازي بل بالمعنى الحقيقي، لأننا نعيش كابوسا طويلا. 
هذه الرواية كتبتني ولم أكتبها، فلم أفكر قبل كتابة الرواية فيما أنا مقدم عليه وتركت نفسي حرا تماما وتحليت بقدر غير قليل من الشجاعة، حيث استخدمت تقريبا  كل ما عندي من أساليب السرد وتعدد الأحداث وغيرها من التقنيات". 
الشعور بالوحدة
ويقر الروائي ابراهيم عبدالمجيد أن الرواية لا تسلم نفسها له إلا بعد أن يتعاظم بداخله الشعور بالوحدة، لذا فهو لا يبدأ كتابة الروايات قبل انتصاف الليل، وهو وقت يعطيه الإحساس بأنه وحده في هذا العالم، وغالبا ما يستعد للكتابة بالاستماع للموسيقى لفترات لا تقل عن ساعة، وتحتاج منه الروايات إلى عمل دءوب قبل أن يبدأ في الكتابة وبعد الانتهاء من المسودة الأولى، فمثلا روايته "لا أحد ينام في الأسكندرية" استغرقت منه الفترة من 1990 وحتى 1996، حيث قرأ كثيرا عن المدينة، ولم يكتف بمعرفته الشخصية بها فهو أحد أبنائها، لكنه احتاج أيضا لمطالعة عشرات الكتب عن الحرب العالمية الثانية، وقراءة الصحف الصادرة في ذلك الوقت من 1939 وحتى 1942، كما زار كل الأماكن التي كتب عنها في الرواية، ويضيف: "أنا لا أكتب العمل مرة واحدة لكني أعيده إن لم يعجبني .. كل رواياتى كتبتها ثلاث مرات وبعضها أعدت كتابته أكثر من ذلك مثل "بيت الياسمين" التي كتبتها تسع مرات.
ليست سياحة
ويشاركه الروائي مصطفى نصر في التأكيد على أهمية ما يبذله الروائي من جهد فيقول "الرواية ليست سياحة ومتعة، كما كانت عند يوسف السباعي – مثلاً -  فهي تحتاج جهداً كبيراً في تجميع المادة التي سيعمل الكاتب عليها، كما أنها تستلزم وقتاً طويلاً، فقد تكتب الرواية لأكثر من عشر مرات، وهذا ما فعله نجيب محفوظ الذي قال إنها حرمت زوجته من الزيارات التي تفضلها النساء".
وقد استوحى نصر روايته من محبوبته السينما وحنينه إلى الاسكندرية، فيقول "لدي شغف وعشق كبير للسينما. كانت متعتي أن أحضر الأفلام في صالات العرض، وقد كتبت قصتين حقيقيتين حصلتا معي في السينما إلى أن أصبح لدي حلم كتابة رواية كاملة تدور أحداثها في السينما وهذا ما حصل في رواية سينما الدورادو".
ويشير نصر إلى أنه اعتمد أحداثاً حقيقية حصلت معه في السينما ووثقها في الرواية، ونسج معها أحداثاً أخرى من بنات خياله، كما في قصته القصيرة "أم إبراهيم تدخل السينما"، ويحكي فيها عن سيدة تنتمي إلى صعيد مصر، وكانت تستخف بالجيران مرتادي السينما لارتكابهم معصية في نظرها، وذات مرة احتالت إحداهن على أم إبراهيم وطلبت الخروج معها إلى السوق، وباغتتها بشراء تذاكر لحضور أحد الأفلام في سينما الجمهورية، وتفاجأت أم إبراهيم بجمال عوالم السينما وألغت نظرتها المسبقة عن المكان.
المعمار
ويذكر الروائي فتحي إمبابي أن علاقته بالرواية بدأت "قبل أن التحق مهندسا بالهيئة القومية لمترو الأنفاق مع بداية مشروع مترو القاهرة الكبري، وأرى أن الهندسة تؤسس عقلا.. والعقل يؤسس للعالم، وهناك علاقة واضحة بين التأسيس الفكري، والتأسيس الهيكلي، حيث يجمعهما معمار بنائي ضخم، فالرواية أيضأ معمار يحتاج لتخطيط ولشكل هندسي، ولهذا أتعامل مع الرواية كبناء له أدواته التي تؤسس له، من أجل الوصول للتكوين الجمالي الذي يتكون من لغة السرد ومضمون الحكاية. وقد انعكس عملي في مشروع مترو الإنفاق على كتابتي للرواية، وبدأت ظلاله تظهر في رواية (شرف الله)، وهي رواية خاصة جدا، لأنها مبنية على الصراع بين الحق والواجب بين السحر والحقيقة".
سؤال صعب
وتقول الروائية هالة البدري: "السؤال عن طقوس ولادة الرواية سؤال صعب مثل السؤال عن ماهية الكتابة". ورغم ذلك تحاول الجواب فتقول: الكاتب مهما عرف من بشر فهو إنسان وحيد، يعاني وحدة من نوع خاص، لهذا فهو يحتاج إلى عالم آخر ثري يتخيله ويعيد صياغته، ومن هذه الوحدة تولد الرواية، وقد اخترت موضوع روايتي الأولى "السباحة في قمقم" عن عالم عرفته وأحببته، وهو عالم الرياضة فهي رواية النمو والاكتشاف، فثمة فريق من أبطال السباحة يتصور أن حدود العالم هي حدود النادي ثم تأتي حرب أكتوبر لتغير هذه المفاهيم. 
أما روايتي "منتهى" فقد ولدت نتيجة الشرارة الحادثة عن مفارقة فقد عدت إلى قريتي بعد سفر خمس سنوات للعمل لأجدها اختلفت تماماً، ثم حاولت معرفة أسباب هذا التغيير فكتبت رواية "بيض من خشب"، وجاءت روايتي "ليس الآن" كمحاولة أخرى لمعرفة القرية، وأنا لم أخطط لروايتي الأولى، فقد تدفقت الكتابة، في "منتهى" فقد خططت جيداً وأعددت ملفات لكل شخصية ثم كتبت أشياء وأحداثا أخرى غير التي خططت لها، ولم تكن الملفات والتخطيطات إلا مادة خام أولية. (خدمة وكالة الصحافة العربية)