الرياض تستعيد التمثيل الدبلوماسي مع دمشق

تطوير العلاقات مع دمشق ضمن استراتيجية الرياض في إرساء توازن سياسي في علاقاتها الإقليمية وتوسيع الشراكات.

دمشق  – عينت الرياض فيصل المجفل سفيرا جديدا لها في سوريا، وهو أول سفير للمملكة في دمشق منذ إغلاق السفارة في عام 2012، وهذه الخطوة تطور مهم في إطار عودة العلاقات بين الرياض ودمشق وفي تحركات الدول العربية لتطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد.

وأعرب السفير المجفل بحسب وكالة الأنباء السعودية عن "بالغ اعتزازه بالثقة الملكية الكريمة، داعيًا -المولى عز وجل- أن يمده بعونه وتوفيقه لأداء مهام عمله بما يحقق تطلعات القيادة الرشيدة، في خدمة مصالح المملكة وتوطيد أواصر العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين".

وأعادت السعودية فتح سفارتها في سوريا هذا العام، وهو ما جاء بعدما قطعت الدولتان العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من 10 أعوام، بينما استأنفت سوريا فتح سفارتها في الرياض العام الماضي وعينت سفيرا جديدا محمد أيمن سوسان في ديسمبر/ كانون الأول.

وفي مايو/أيار الماضي، استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس السوري، بشار الأسد، وجرى خلال اللقاء استعراض سبل تعزيز العلاقات بين البلدين، إلى جانب بحث عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك والجهود المبذولة بشأنها، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية.

ويقول خبراء أن هذا التحول في العلاقات الذي أتى على مراحل يأتي ضمن استراتيجية الرياض في إرساء توازن سياسي في علاقاتها الإقليمية بالارتكاز إلى عدة أمور كتصفير المشاكل وتوسيع الشراكات ومدّ اليد للتعاون التجاري والاقتصادي.

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي، في حديث مع "بي.بي.سي.نيوز" عربي أن هناك ثلاثة أسباب وراء عودة العلاقات السعودية مع دمشق. أوله القلق السعودي على وحدة الأراضي السورية، التي تتنازع عليها قوى كبرى لها "أطماع" في سوريا، كإيران وتركيا والولايات المتحدة،
والسبب الثاني، هو "تشجيع النظام في سوريا على تطوير موقفه من التسوية السياسية"، إذ أن الرياض ترغب في "ردم الفجوة بين النظام السوري والمعارضة السورية".
 أما السبب الثالث، يرى العقيلي أنه يتمثل في أن سوريا أصبحت في السنوات الأخيرة، "مصدر تهديد للمنطقة وللسعودية فيما يخصّ تصنيع المخدرات (حبوب الكبتاغون) وتصديرها إلى الدول المجاورة"، قائلا إن التعاون السعودي مع سوريا في هذا المجال، سيحدّ من "هذا التهديد الذي دام لسنوات".

أما فيما يخص سوريا، فتشكل عودة علاقاتها مع السعودية، بمثابة بوابة للعبور إلى "الحضن العربي" من جديد، بعد عزلة دامت لأكثر من عقد. حيث استعادت دمشق مقعدها في جامعة الدول العربية، رغم تحفظات لدول عربية، في مقدمتها قطر.

وتُعد عودة سوريا إلى الحضن العربي بمثابة مكسب اقتصادي كبير لها، سيسمح لها بتوقيع اتفاقيات اقتصادية واستثمارية وتجارية، مع عدد كبير من الدول العربية، وتفعيل عمليات العبور البري، التي يُفترض أن تعود بإيرادات مالية على خزينتها، التي تعاني أزمة حادة في السيولة منذ عام 2011.

كذلك ضمنت دمشق عقودا لترميم وتحسين البنى التحتية والطرقات، وبناء ما تهدّم من مدارس ومستشفيات ودوائر رسمية ومرافق صحية، لاسيما في المناطق التي شهدت مواجهات عنيفة بين الجيش السوري والمعارضة السورية.

ومرت استعادة العلاقات السورية السعودية بمحطات عديدة منذ عام 2020  حين قال مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله بن يحيى المعلمي، إن العلاقات بين بلاده وسوريا يمكن أن تعود في أي لحظة، إذا انتهت الأزمة السورية، وفي حال تم التوافق بين الشعب السوري على مستقبل البلاد.

وفي عام 2021 تحدثت تقارير غربية، عن زيارة قام بها رئيس جهاز الاستخبارات السعودي خالد الحميدان إلى سوريا، التقى خلالها الرئيس السوري ومستشاره للشؤون الأمنية علي المملوك.

في العام نفسه، شارك وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني، في مؤتمر عقد في الرياض حول السياحة في الشرق الأوسط. كانت تلك هي الزيارة الرسمية العلنية الأولى لمسؤول سوري رفيع إلى السعودية، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

ولاحقا خلال القمة الصينية السعودية، في أواخر 2022، أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن رغبة بلاده في البحث عن طريقة للتواصل مع القيادة السورية،. وفي فبراير/شباط 2022، وفي أعقاب الزلزال المدمّر، الذي ضرب كلا من سوريا وتركيا، أرسلت الرياض مساعدات إنسانية إلى المناطق المتضررة التي تسيطر عليها المعارضة وتلك الخاضعة لسيطرة الدولة السورية على حدّ سواء. وكسرت هذه المساعدات إلى حدّ ما، حال العزلة التي كانت تمرّ بها سوريا.

وفي مارس/آذار 2023، أعلنت الرياض ودمشق إجراء محادثات لاستئناف عمل البعثات الدبلوماسية في البلدين كليهما. وبحسب بيان وقتذاك للخارجية السعودية، جاء القرار "انطلاقا من روابط الأخوة التي تجمع الشعبين، وحرصا على الإسهام في تطوير العمل العربي المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة".

وتلا هذا الإعلان المشترك، زيارة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى السعودية التقى خلالها نظيره السعودي في أبريل/نيسان 2023.
ثم شارك الرئيس بشار الأسد في القمة العربية التي عقدت في جدة في مايو/أيار 2023، أعقبتها أيضا مشاركته في القمة العربية الطارئة في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، لبحث التطورات في غزة، بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.