السبسي الصغير على خطى الايتام الصغار

شعبية نداء تونس تقوم على قدرته في مواجهة النهضة وليس لقاءات السبسي الابن مع الغنوشي في الدوحة.

من هذا الـ"حافظ قائد السبسي"؟

مجرد كونه ابن رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي هو سبب يكفي لأن تكلله هالات من الشبهات حين يدير الحزب الذي يتزعمه والده.

في ذلك السلوك قدر واضح من الملكية العائلية لا يمكن التغاضي عنه.   

لقد توهمت كما توهم الكثيرون أن السبسي الأب رجلا ديمقراطيا. ولكن ما أن ألجأ إلى الحاق صفة الأب بلقبه لكي أفرق بينه وبين ابنه فإن ذلك يذكرني بالأسدين الأب والابن.  

لقد نجح حافظ الأسد من قبره في توريث ابنه بشار الحكم وسوريا معا. وهو ما قاد سوريا إلى ما هي عليه اليوم من خراب. قد يكون بشار الأسد إنسانا جيدا، غير أنه وجد نفسه في المكان الخطأ فتصرف بطريقة جعلت منه إنسانا سيئا.

ليس لأنه أخطأ في معالجة الأزمة حتى تحولت إلى حرب ضروس بل لأنه لم يكن يملك المقومات التي تؤهله للقيام بذلك من موقعه رئيسا.

وقد نغالي في تبرئة الأسد الابن حين نلقي باللائمة كلها على الأسد الأب. فهو لم يسمح بقيام حياة سياسية سوية. لذلك لم يجد الحزب الحاكم أمامه متسعا من الوقت ليفكر بحل، ينهي من خلاله عقدة الأسد الذي صار أشبه بالماركة المسجلة.       

ما حدث في سوريا عام 2000 كان حدثا فظيعا لا يقبله العقل.     

بشار الأسد أصبح رئيسا لأنه ابن الرئيس السابق. سبب مضحك فعلا.

لو قُدر لبشار نفسه أن يكون مواطنا عاديا لأنفجر ضحكا وهو يستمع إلى خبر من ذلك النوع.

ما حدث في سوريا كان بمثابة لعنة ضربت بشرورها أنظمة عربية عديدة.

كان الابناء الموعودون بالحكم ينتظرون خلف الباب نبأ موت آبائهم.  

في الوقت نفسه كان الآباء يخططون لمرحلة ما بعد موتهم. لخلودهم عن طريق التوريث.

كان من الممكن أن يتكرر البرنامج السوري في اليمن ومصر وليبيا والعراق لولا ما وقع من زلازل، بدءا بكارثة سقوط العراق تحت الاحتلال الأميركي وانتهاء بما سمي بثورات الربيع العربي التي أسقطت الآباء فصار الأبناء أيتاما ينظر إليهم الشعب بنوع من الشفقة.

حافظ قائد السبسي هو مشروع يتيم لا يزال والده على قيد الحياة.

ولكن في حالة السبسي الابن يبدو سوء التقدير مضاعفا بالمقارنة مع حالة الأسد الابن.

أولا لأن تونس 2018 هي ليست سوريا 2000. لقد جرت الكثير من المياه تحت الجسور وبات من المستحيل الحديث عن وراثة سياسية بوصية أو بمكيدة أو عن طريق المال القادم من الخارج.

ثانيا إن فكرة أن يكون السبسي الابن مديرا تنفيذيا لحزب نداء تونس فهذا لا يعني شيئا في قاموس الحياة السياسية. فـ"نداء تونس" في المحصلة لا تاريخ سياسي له وليس لديه مشروع يضمن له البقاء في ما لو اختفت حركة النهضة من الوجود.

يحظى حزب نداء تونس بشعبيته لأنه يمثل سدا يمنع وجوده حركة النهضة من الوصول إلى الحكم. وذلك كما يقال أضعف الايمان.

الرجل الذي يمني نفسه بخلافة أبيه رئيسا لا يخطر في باله أن يلتفت إلى الوراء قليلا ليرى مصير الأبناء من غير أن يُطلب منه أن يعتبر بمصير الآباء. وهو كما أرى سلوك لا ينم عن حنكة سياسية.

وإذا ما كان السبسي الصغير قد وجد الطريق أمامه سالكة في اتجاه منصب سياسي كبير فلا أعتقد أن أحدا من التونسيين ينظر إليه وإلى منصبه بطريقة جادة. فلعبته المكررة لا أمل في أن تثمر عن شيء إيجابي، ناهيك عما تنطوي عليه من شؤم.   

فقد تؤدي مغامرات ومناورات حافظ قائد السبسي ومنها لقاؤه المريب بالغنوشي في الدوحة إلى أن يتخلى التونسيون عن خياراتهم الواقعية ذات السقف المنخفض ويذهبوا إلى الفراغ حيث اللاشيء أفضل من ذلك الشيء الذي يعيدهم إلى الوراء.