السجال السياسي بشأن الرئاسيات الثلاث يبدأ قبل الانتخابات العراقية
بغداد – يجري الحديث داخل أروقة الحكومة العراقية عن اختيار الرئاسات الثلاث مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذ يبدو أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يميل إلى حسم هذا الملف الذي يخضع لمعادلات التوافق التي غالبا ما تعكس ميزان القوى داخل الإطار السياسي لا داخل البرلمان فحسب.
ولا يوجد نصر مكتوب بشأن التوافق السياسي، غير أن أغلب التفاهمات المتعلقة بتشكيل الحكومة وتوزيع المناصب السيادية تقوم على مبدأ المحاصصة والتوازن بين المكونات، وعلى الرغم من اعتماد الانتخابات كآلية دستورية لاختيار أعضاء البرلمان، إلا أن النتائج النهائية غالبا ما تكون رهن التحالفات والاتفاقات، التي تفود إلى تشكيل السلطة التنفيذية، بعيدا عن حجم المقاعد البرلمانية لكل طرف.
وكشف الإطار التنسيقي الذي يجمع القوى السياسية الشيعية الثلاثاء، عن طرح السوداني فكرة حسم الرئاسات الثلاث قبل انتخابات مجلس النواب المقررة يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
وقال القيادي في الإطار حسن فدعم، أن "السوداني طرح فكرة حسم الرئاسات الثلاث المقبلة خلال حديث جانبي مع أحد أطراف الإطار التنسيقي منذ الآن أي قبل انتخابات البرلمان، ويكون هناك اتفاق ما بين المكونات على المرشحين للرئاسات لتجنب الصراعات والخلافات وتأخير عملية تشكيل الحكومة المقبلة".
وأضاف فدعم أن "هذه الفكرة رفضت صراحة من قبل الإطار التنسيقي، كونها غير قابلة للتطبيق فهذه الرئاسات تخضع لتوازنات الكتل وأحجامها في مجلس النواب والقدرة على إدارة هذه الملفات، وهذا الأمر سابق لأوانه وبعد الانتخابات ومعرفة حجم كل كتلة مقاعدها وتحالفاتها، كما أن هذا الأمر ربما يتأثر ببعض المتغيرات الوطنية الداخلية وكذلك الإقليمية".
وتابع "لصعوبة الأمر فكرة السوداني لم تطرح بشكل رسمي داخل اجتماعات الإطار التنسيقي، ولم يكن هناك أي مشجع لأن تكون هذه الفكرة موضوع نقاش داخل اجتماعات الإطار".
ويستند السوداني في مقترحه إلى حقيقة أنه لم تتشكل أي حكومة بناء على نتائج انتخابية حاسمة، بل ظلت خاضعة لمعادلات التوافق التي غالبا ما تعكس ميزان القوى داخل الإطار السياسي لا داخل البرلمان فحسب، وهو ما ساهم في ترسيخ فكرة أن "الكتلة الأكبر" تحدد بعد الانتخابات لا قبلها.
وبحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، من المقرر أن تُجرى الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، بعد تأجيل سابق لأسباب تتعلق باستكمال التشريعات والتحضيرات الفنية.
وأعلنت المفوضية في 22 مايو/أيار الماضي، إغلاق، باب تسجيل التحالفات والأحزاب استعدادا لانتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2025، ليرتفع عدد الأحزاب السياسية المسجلة إلى 116 حزبا، فيما يستعد 20 تحالفا انتخابيا لخوض السباق النيابي المرتقب.
يضاف إليهم أكثر من 300 حزب مسجل رسميا، وهو رقم يفوق عدد مقاعد البرلمان العراقي التي تبلغ 329 مقعدا، ويُقدر عدد من يحق لهم التصويت بأكثر من 29 مليون ناخب، بينهم نحو 19 مليون شاب، في وقت تواجه فيه البلاد تحديا جوهريا في تحويل هذه الكتلة الشعبية من مجرد رقم إلى طاقة تصويتية مؤثرة.
وبحسب المعطيات في الساحة العراقية من المتوقع أن تشهد الانتخابات القادمة تراجعا في نسبة المشاركة، بسبب حالة الاستياء الشعبية والإحساس بصعوبة التغيير في النظام السياسي، لا سيما أن الأحزاب تتمسك بمبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية في إدارة الدولة.
وتعد الانتخابات العراقية القادمة، من أكثر الدورات تعقيدا منذ سنوات، بحسب العديد من المراقبين، حيث بات العراقيون يواجهون العديد من المشكلات في اختيار ممثليهم، في ظل ارتفاع أعدادهم، ووجود المال السياسي، الذي يعيق وصول المستقلين للسلطة.
ويجري حراك سياسي لتغيير قانون الانتخابات، بما يسمح لتعدد الدوائر في المحافظات الكبرى، وبينها بغداد، بدلا من الدائرة الواحدة، الأمر الذي فسره مقربون من رئيس الحكومة، المرشح عن أكثر الدوائر ثقلا وهي العاصمة، بأنه استهداف للأصوات التي يسعى للحصول عليها، مؤكدين أن المستفيدين من هذا التغيير هم القوى الكبيرة غير المتحالفة مع السوداني (في إشارة إلى قوى الإطار التنسيقي).
وسبق أن قدم النائب رائد المالكي، مقترحا يتضمن اعتبار المحافظة دائرة انتخابية واحدة، باستثناء محافظات بغداد والبصرة والموصل، التي ستقسم دائرتين انتخابيتين.
بدوره، أكد رئيس تحالف الحسم في بغداد، النائب السابق ليث الدليمي الأسبوع الماضي أن الدعايات الانتخابية بدأت مبكرا، وشراء الذمم بالمال السياسي سيساعد في المشاركة، لكن من يبيع ذمته عليه البقاء بمنزله لأنه سيعيد الفاسدين لمراكز الحكم".
وتُقدر بعض الأوساط السياسية والرقابية حجم الصرف في الانتخابات البرلمانية القادمة، بمبلغ يتراوح بين 2.5 إلى 3 تريليون دينار عراقي، وهو رقم صادم يعادل نحو 2 مليار دولار أميركي، ويثير عشرات الأسئلة حول العدالة الانتخابية، ومشروعية المال المستخدم، وغياب آليات المراقبة والمحاسبة.