'السرد وفنون الفرجة' لقاء فكري يناقش مسألة الاقتباس في الفن

نقاشات الجلسة الحوارية التي نظمها بيت الرواية في تونس تمحورت حول كيفيّة أن تتغذى الفنون من أعمال بعضها البعض.

تونس - نظم بيت الرواية، الجمعة، جلسة حوارية فكرية حملت عنوان "السرد وفنون الفرجة"، واكبها جمع من المهتمين والمختصين في عدد من المجالات الإبداعية وأساسا من الكتابة السردية والسينما والمسرح والنقد.

وتفاعل الجمهور مع المداخلات والشهادات التي قدّمها الناقد السينمائي والأستاذ كمال بن وناس، والمؤلف والسيناريست الطاهر بن غديفة والمخرج المسرحي حمادي المزي والممثل عبدالمنعم شويات والناقد المسرحي الدكتور عبدالحليم المسعودي والفنانة المسرحية سنية زرق عيونه، الكاتب لسعد حسين الذي أدار حوارات الجلسة.

نقاشات تمحورت حول كيفيّة أن تتغذى الفنون من أعمال بعضها البعض بالاعتماد على عملية الاقتباس وإعادة صياغة الأثر الأدبي وخصوصا الرواية في أشكال فنّية حتى يعيش النص السردي حياة ثانية خارج وسائط الكتاب وأيضا حتى تكتسب الأعمال السينمائية والمسرحية في المقابل فرادتها التونسية، فإن تتحوّل قصة أو رواية إلى فيلم سينمائي أو عمل درامي وأن تتحول مسرحية إلى عمل أدبي فذاك هو الرهان والمبتغى لكل كاتب.

وبدأت الجلسة التي أثثها الأستاذ كمال بن وناس بمداخلته التي تناول من خلالها مسألة "الاقتباس" في الفن خاصة في مجالي السينما والمسرح، مؤكدا أن الفن سواء كان سينما أو مسرحا أو رواية لا يمكن أن يكون مجرد أداة محايدة لنقل الأفكار أو سرد الأحداث، بل يجب أن يكون مرتبطا بالبيئة الثقافية التي ينشأ فيها.

وشدد على أن الاقتباس في الفن ليس مجرد عملية محاكاة للثقافات الغربية أو نقل للمحتوى الأدبي إلى قالب سينمائي وإنما هو عملية إبداعية تتطلب التفاعل مع الهوية الثقافية المحلية وإضافة عناصر تميزها، مشيرا إلى أن "الاقتباس" يعني أكثر من مجرد تعديل في الشكل أو المحتوى بل يتضمن ضرورة إعطاء طابع محلي للغة والجماليات والبلاغة.

وأوضح أن هذه العملية يجب أن تنفتح على الثقافات الأخرى خصوصا الغرب مع المحافظة على الجذور الثقافية الخاصة بكل مجتمع، موضحا أن هذا الاقتباس يجب أن يتسم بالإبداع حيث أن الأعمال الفنية التي تحقق هذا التوازن تصبح أكثر أصالة وارتباطا بالواقع الاجتماعي والثقافي المحلي.

ودعا بن وناس في ختام مداخلته، إلى ضرورة إعادة النظر في الهيكلية التي تحكم صناعة السينما اليوم، مشددا على أهمية أن تراعى في الأعمال السينمائية الخصوصية الثقافية المحلية وذلك عبر دمج الأدب مع الفنون.

ورأى أن السينما ليست مجرد اقتباس للأدب وإنما هي لغة بصرية تتطلب التفكير النقدي في كيفية الدمج بين الأدب وأدوات السينما لخلق تجارب بصرية مميزة.

وتناول الكاتب الطاهر بن غديفة في مداخلته دور السينما كفن يعكس رؤية متعددة للعالم، حيث أشار إلى أن السينما هي مجال يتقاطع فيه الإبداع مع الفنون.

وتساءل بن غديفة عن العلاقة بين المخرج والمؤلف وهل من الممكن الفصل بينهما، أم أن هناك تداخلا في عملهما الفني، موضحا أن السينما هي في الأساس رؤية فنية تتعلق بالمخرج الذي ينفذ النص الأدبي من خلال الأدوات البصرية الخاصة بالسينما.

ولكنه اعتبر أن المخرج لا يمكن أن يكون مؤلفا للمحتوى، بل هو تنفيذي يترجم النص الأدبي إلى رؤية بصرية باستخدام تقنيات الفيلم، بينما يظل المؤلف هو من يملك المحتوى والطريقة في بناء الشخصيات والأحداث.

وتطرق بن غديفة إلى مسألة "سينما المؤلف" التي يروج لها بعض النقاد والمخرجين. ولاحظ أن "سينما المؤلف" فيها خلط بين الفن والتقنية، معتبرا أن هذا الخلط قد يساهم في تهميش دور الكتاب والمبدعين في المجال الأدبي والدرامي مما يؤدي إلى فقدان قيمة النصوص الأدبية الأصلية، مؤكدا على أهمية الخيال في السينما، مشيرا إلى أنه عنصر جوهري يجعل السينما تختلف عن الأدب والفنون الأخرى.

وتقاطعت مداخلات بقية المتحدثين حول فكرة أن الفنون تتغذى من بعضها البعض من خلال الاقتباس وإعادة صياغة الأثر الأدبي.

وأكد العديد من المتدخلين على أن الرواية والقصص الأدبية تشكل مصدرا غنيا لإلهام السينما والمسرح، حيث يتحول النص الأدبي إلى فيلم أو عمل درامي أو حتى مسرحية، وتصبح هذه العملية بمثابة حياة ثانية للنص.

ووفق وكالة تونس أفريقيا للأنباء، فإن المتدخلين أشاروا إلى أن هذه العملية تفتح الباب أمام العمل الفني ليعيش خارج وسائط الكتاب التقليدية ويكتسب طابعا جديدا من خلال تحويله إلى وسائط بصرية ومسرحية مما يساهم في إثراء الذائقة الفنية لدى الجمهور.

ولاحظ المتدخلون أثناء النقاش أن الاقتباس وإعادة الصياغة لا يمثلان مجرد عملية نقل للأفكار، وإنما هي فرصة جديدة للإبداع حيث يمكن للسينما والمسرح أن يعيدا تقديم العمل الأدبي بشكل يعكس تطور المقاربات الفنية، مبينين أن الفنون لا ينبغي أن تقتصر على استنساخ النصوص الأدبية، بل عليها أيضا أن تساهم في تجسيد هذه النصوص بأسلوب متجدد مع كل زمان ومكان.

وكانت الجلسة تفاعلية بامتياز، حيث انتهت بعد تداول الأفكار والنقاشات إلى ضرورة أن تكون العلاقة متلازمة ومتشابكة بين مختلف الأعمال الإبداعية بعيدا عن منطق "الأبوة" ووصاية مجال إبداعي على مجال آخر.