السعودية تتوجه شرقا في ذروة التوتر مع واشنطن

جولة آسيوية للأمير محمد ترسم خارطة تحرك سعودي لعلاقات مستقبلية مع اتجاه السعودية لانفتاح أكبر على مسارات متعددة المحطات في آسيا، موازنة بين مسار التوجه غربا واستكشاف علاقات إستراتيجية شرقا.
السعودية تفتح منافذ أوسع مع أكبر أسواقها النفطية شرقا
رسائل سعودية لواشنطن: نملك الكثير من الخيارات لبناء شراكات بديلة
لا خطط للقاء بين بايدن والأمير محمد في قمة مجموعة العشرين
الرياض تتبنى مبدأ 'السعودية أولا' في انعطافة للشراكة مع الولايات المتحدة

الرياض - بدأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جولة آسيوية متعددة المحطات على هامش قمة مجموعة العشرين، بينما تأتي الجولة في خضم توتر مع الولايات المتحدة وفي الوقت الذي تسعى فيه المملكة أكبر منتج للنفط في العالم، لتنويع مصادر الشراكات بعيدا عن الارتهان لعلاقة متقلبة مع واشنطن من دون أن تتخلى الرياض عن العلاقة الإستراتيجية الأمنية مع الشريك الأميركي.

لكن الجولة ترسم على ما يبدو خارطة تحرك سعودي لعلاقات مستقبلية مع اتجاه المملكة لانفتاح أكبر على مسارات متعددة المحطات في آسيا، مراوحة بين مسار التوجه غربا واستكشاف علاقات إستراتيجية مع مسار التوجه شرقا.

وتفتح جولة الأمير محمد الباب أمام المملكة لفتح منافذ أوسع مع أكبر أسواقها النفطية وفي مقدمتها السوق الصينية والسوق الهندية وسط خلاف مع الولايات المتحدة حول إمدادات النفط بعد قرار تحالف أوبك+ خفض إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يوميا على نقيض الرغبة الأميركية.

وتعرضت السعودية في الفترة الأخيرة لحملة تنمر وضغوط أميركية وصلت حدّ التهديد برد أميركي يشمل مراجعة العلاقات وحتى وقف مبيعات الأسلحة أو أدناه تأخير تسليمها منظومات دفاعية ضرورية فيما تواجه تهديدات إرهابية من قبل ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.  

ومن الواضح أن ولي العهد السعودي الذي دشن قبل سنوات خطة اقتصادية طموحة تقوم أساسا على التخلص من إدمان إيرادات النفط كمصدر أساسي للدخل والاتجاه لتنويع مصادر الدخل من خارج قطاع الطاقة، يخطط كذلك لتوازن أكبر في علاقات بلاده الخارجية وضبطها على إيقاع ما يخدم مصلحة المملكة وشعبها.

ووصل الأمير محمد بن سلمان (37 عاما)، الاثنين إلى اندونيسيا للمشاركة في قمة مجموعة العشرين المنعقدة في بالي والتي يحضرها قادة العالم بينهم الرئيس الأميركي جو بايدن.

وكان آخر لقاء بين الأمير محمد وبايدن في جدة في يوليو/تموز الماضي خلال زيارة الرئيس الأميركي الأولى للمملكة منذ توليه الرئاسة في يناير/كانون الثاني 2021 والتي جاءت تحت عنوان المشاركة في قمة عربية خليجية إلا أن هدفها كان محاولة إقناع المملكة بزيادة إنتاج النفط.

وغادر بايدن الذي سبق له أن هاجم السعودية خلال حملته الانتخابية وتعهد بـ"جعلها منبوذة" على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول وهي الجريمة التي حاولت الاستخبارات الأميركية الزج باسم الأمير محمد فيها.

ورغم تواجد بايدن والأمير محمد في بالي لحضور قمة مجموعة العشرين، أفاد البيت الأبيض بأن لا خطط لعقد لقاء ثنائي بينهما.

وأوردت وكالة الأنباء السعودية الرسمية اليوم الثلاثاء أنّ ولي العهد سيزور "عددا من الدول الآسيوية"، دون الإشارة إلى مزيد من التفاصيل حول مسار جولته.

ومن المحتمل أنّ يتوقف في كوريا الجنوبية حيث قال الإعلام المحلي إنه سيلتقي رجال أعمال بارزين، قبل أن يتوجه إلى بانكوك لحضور القمة السنوية لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ.

ودافع المسؤولون السعوديون مرارا عن سياساتهم النفطية، مؤكدين أن دوافع اقتصادية بحتة تحركها، لكنّ ذلك لم يخفض منسوب التوتر أو يقلّل التكهنات حول ابتعاد الرياض عن واشنطن، شريكها طويل الأمد في مجالي الطاقة والأمن.

ويقول الخبير في السياسة السعودية بجامعة برمنغهام عمر كريم إنّ الجولة الآسيوية تجعل هذا التحوّل يبدو أكثر منطقية، مضيفا "هذه رحلة لزيادة التنسيق مع أسواق الطاقة في آسيا، ولكن أيضا لإظهار للعالم الغربي الأوسع وبشكل أساسي للولايات المتحدة، أن المملكة لا تفتقر إلى الخيارات في ما يتعلق بالشراكات".

وغالبا ما توصف العلاقات السعودية الأميركية التي توثقت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بأنها ترتيب للنفط مقابل الأمن، لكنّ أكبر أسواق النفط السعودي خلال العقد الماضي تركّزت في آسيا: الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند.

وبالتالي قرّر المسؤولون السعوديون التركيز بشكل خاص على تنمية العلاقات في هذه المنطقة حتى قبل أن يصبح الأمير محمد وليا للعهد قبل خمس سنوات، وفق ما يقول المحلّل في مجال العلاقات الخارجية السعودية عزيز الغشيان.

وأضاف الغشيان "لكن السياسة الخارجية للسعودية التي يحركها السوق والاقتصاد أعطت زخما لهذا الأمر وزادت من كثافة مثل هذه الرحلات ومن التركيز على آسيا".

ويوضح الخبير في شؤون الطاقة في آسيا كاهو يو من شركة "فيرسيك مابلكروفت" الاستشارية لمعلومات المخاطر، أن اجتماعات الأمير محمد مع القادة الآسيويين ستتطرّق على الأرجح إلى عدد من المبادرات لتسهيل الصادرات إلى المنطقة، بما في ذلك مشاريع التكرير ومنشآت التخزين، مضيفا "الأمر لا يتعلّق فقط بشراء النفط من السعودية بل بمحاولة توسيع التعاون على طول سلسلة التوريد".

ويمكن للسعودية أيضا الدخول في شراكة مع الدول الآسيوية بشأن بدائل النفط الخام. وأعلنت شركة الطاقة العملاقة 'أرامكو' السعودية وشركة النفط والغاز الحكومية الإندونيسية 'بيرتامينا' الأحد عن خطط لاستكشاف "التعاون عبر سلسلة قيمة الهيدروجين والأمونيا".

ويعد توقيت محادثات الطاقة مع الشركاء الآسيويين حاسما، إذ يأتي قبل أسابيع قليلة من اجتماع أوبك بلاس المقبل في الرابع من ديسمبر/كانون الأول والذي من المرجح أن يضع الخلافات حول إمدادات الطاقة مجددا في صدارة الأخبار.

وتسبق جولة الأمير محمد في آسيا زيارة مرتقبة للرئيس الصيني شي جينبينغ الشهر المقبل إلى السعودية. ولم يتأكد موعد الزيارة، لكن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قال الشهر الماضي إن المملكة "تنهي الاستعدادات" لإجراء محادثات مع شي ستشمل أيضا دولا عربية أخرى.

ويرسل تطوير علاقات أقوى مع الصين أقوى إشارة ممكنة لتحرك الرياض لتحقيق توازن أكبر في علاقاتها مع القوى العالمية وإتباع سياسة خارجية تقوم على مبدأ "السعودية أولا".

ويقول المحلّل توربجورن سولتفيدت من شركة "فيرسيك مابلكروفت" إنّ السعوديين "ما زالوا يعتمدون بشكل كبير على الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالأمن، لكن يظهر أنهم يستكشفون علاقات إستراتيجية أخرى وربما يحاولون بشكل تدريجي أن يصبحوا أقل اعتمادا عليها".

ويقول عمر كريم "أعتقد أنه من المهم جدا للسعوديين أن يوضحوا أنهم لا ينحازون إلى أي طرف في الأمر"ن مضيفا "الاتجاه الحالي في السياسة الخارجية السعودية هو اللعب الانفرادي، لا التبعية أو خدمة قوة أكبر".