السعودية تفتح أبوابها للصين في غمرة التوترات مع واشنطن

الرياض تستعد لاستقبال الرئيس الصيني الذي يقوم بزيارة تاريخية للمملكة التي ولت وجهها شرقا ضمن خطة لتنويع الشركاء وحرصا على تأمين مصالحها بعدا عن الارتهان لتقلبات السياسة الأميركية.
زيارة شي للرياض تأتي في مرحلة حساسة في العلاقات الأميركية السعودية
الوفد الصيني سيوقع عشرات الاتفاقيات مع السعودية ودول عربية أخرى
توقعات بأن يلقى شي استقبالا فخما في السعودية على خلاف استقبال بايدن

الرياض - يستضيف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان العائد لتوه من جولة آسيوية، الزعيم الصيني شي جين بينغ هذا الأسبوع في مرحلة حساسة في العلاقات الأميركية السعودية، مما يشير إلى تصميم الرياض على الإبحار في نظام عالمي مستقطب بغض النظر عن رغبات حلفائها الغربيين.

ويأتي التوجه السعودي شرقا في سياق تنويع الشركاء وحرص المملكة على تعزيز مصالحها بعيدا عن الارتهان لسياسات أميركية متقلبة، وهو توجه يعتبر بمثابة رسالة للإدارة الأميركية الديمقراطية مفادها أن للمملكة خيارات كثيرة في حال اتخذت واشنطن أي رد فعل عقابي على قرار خفض إنتاج النفط الذي اتخذه التحالف النفطي أوبك بلاس.

وعاد الأمير محمد ولي عهد السعودية إلى الساحة العالمية بعد مقتل جمال خاشقجي عام 2018 الذي ألقى بظلاله على العلاقات بين الرياض وواشنطن وأبدى تحديا في مواجهة غضب الولايات المتحدة بشأن سياسة الطاقة التي تنتهجها المملكة والضغط من واشنطن للمساعدة في عزل روسيا.

وفي استعراض للقوة كزعيم طموح للعالم العربي، سيجمع الأمير محمد أيضا حكاما من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لحضور قمة صينية عربية خلال زيارة الرئيس شي المتوقع أن تبدأ يوم بعد غد الثلاثاء.

وقال أيهم كامل رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا إن "الرياض تعمل وفق حسابات إستراتيجية لا بد وأن تستوعب بكين لأنها الآن شريك اقتصادي لا غنى عنه".

وقال المحللون إنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك المفضل لدول الخليج التي تعتمد عليها لأمنها، فقد بدأت الرياض تضع سياسة خارجية تخدم تحولها الاقتصادي الوطني مع ابتعاد العالم عن الهيدروكربونات، شريان الحياة للسعودية.

وقال كامل "هناك بالتأكيد خطر أن يؤدي تعزيز العلاقات مع الصين إلى نتائج عكسية وإلى مزيد من الانقسام في العلاقات الأميركية السعودية... لكن ولي العهد السعودي لا يقوم بالتأكيد بذلك بدافع الحقد".

وتأتي زيارة شي في وقت تراجعت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إلى أدنى مستوياتها ومع تأثير الغموض على أسواق الطاقة العالمية بسبب فرض الغرب حد أقصى لأسعار النفط الروسي وفي الوقت الذي تتابع فيه واشنطن بقلق تنامي نفوذ الصين في الشرق الأوسط.

في علامة على الغضب من الانتقادات الأميركية لسجل الرياض في مجال حقوق الإنسان، قال الأمير محمد لمجلة ذا أتلانتك في مارس/آذار الماضي إنه لا يهتم بما إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أساء فهم أمور تتعلق به، قائلا إن على بايدن التركيز على مصالح أميركا.

كما أشار في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية في الشهر نفسه إلى أنه رغم أن الرياض تهدف إلى تعزيز علاقاتها مع واشنطن فيمكنها أيضا أن تختار تقليص "مصالحنا"، الاستثمارات السعودية، في الولايات المتحدة.

مصافحة ولي العهد السعودي للرئيس الأميركي خلال زيارة الأخيرة للمملكة تكشف فتورا في العلاقات
مصافحة ولي العهد السعودي للرئيس الأميركي خلال زيارة الأخيرة للمملكة تكشف فتورا في العلاقات

وتعمل السعودية على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين. والرياض أكبر مورد للنفط للصين على الرغم من أن روسيا العضو أيضا مثل المملكة في مجموعة أوبك+ زادت حصتها في السوق الصينية بوقود منخفض السعر.

وتضغط بكين أيضا لاستخدام عملتها اليوان في التجارة بدلا من الدولار الأميركي. وسبق أن هددت الرياض بالتخلي عن بعض تعاملات النفط بالدولار لمواجهة قانون أميركي (قانون نوبك المتعلق بالاحتكار) محتمل يعرض أعضاء أوبك لدعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار.

وتشهد العلاقات الأميركية السعودية توترا بالفعل بسبب حقوق الإنسان والحرب اليمنية التي تقود فيها الرياض تحالفا عسكريا. وقد زادت توترا خلال حكم إدارة بايدن بسبب حرب أوكرانيا وسياسة أوبك+ النفطية.

وقال دبلوماسيون في المنطقة إن شي سيحظى باستقبال فخم على غرار ما حدث مع الرئيس السابق دونالد ترامب عندما زار المملكة في عام 2017 وعلى النقيض من الزيارة غير الملائمة التي قام بها بايدن في يوليو/تموز والتي كانت تهدف إلى إصلاح العلاقات مع الرياض.

واستقبل العاهل السعودي الملك سلمان ترامب في المطار وسط ضجة كبيرة في الوقت الذي توصل فيه إلى عقود للصناعة العسكرية الأميركية بأكثر من 100 مليار دولار. وقلل بايدن، الذي تعهد في الماضي بجعل الرياض "منبوذة" بسبب مقتل خاشقجي، من أهمية اجتماعاته مع الأمير محمد الذي لم يصافحه واكتفى بملامسة بقبضة اليد.

وقال دبلوماسيون، إنه من المتوقع أن يوقع الوفد الصيني عشرات الاتفاقيات مع السعودية ودول عربية أخرى تشمل الطاقة والأمن والاستثمارات.

على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك المفضل لدول الخليج التي تعتمد عليها لأمنها، فقد بدأت الرياض تضع سياسة خارجية تخدم تحولها الاقتصادي الوطني مع ابتعاد العالم عن الهيدروكربونات، شريان الحياة للسعودية

ويركز الأمير محمد على تنفيذ خطة التنويع الخاصة برؤية 2030 لإنهاء اعتماد الاقتصاد على النفط من خلال إنشاء صناعات جديدة، من بينها تصنيع السيارات والأسلحة وكذلك الخدمات اللوجستية، على الرغم من أن الاستثمار الأجنبي المباشر يتسم بالبطء.

وتستثمر السعودية بشكل كبير في البنية التحتية الجديدة والمشاريع العملاقة في السياحة والمبادرات مثل منطقة نيوم التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، فيما يمثل ربحا كبيرا لشركات البناء الصينية.

وقالت الرياض وحلفاؤها الخليجيون إنهم سيواصلون تنويع الشراكات لخدمة المصالح الاقتصادية والأمنية على الرغم من تحفظات الولايات المتحدة بشأن علاقاتهم مع كل من روسيا والصين.

وقال جوناثان فولتون من أتلانتك كاونسل إن الأمير محمد يريد أن يثبت لمؤيديه في الداخل أن الرياض مهمة للعديد من القوى العالمية، مضيفا "ربما يشير إلى الولايات المتحدة أيضا ولكنه مهتم بشكل أكبر بما يراه الناس داخل المملكة".

وتوعد بايدن "بعواقب" بالنسبة للرياض بعد خطوة أوبك+ بشأن الإنتاج ولكن واشنطن أكدت بعد ذلك دعمها لأمن المملكة مع تشديد المسؤولين الأميركيين على "الميزة النسبية" للولايات المتحدة في بناء هياكل دفاعية متكاملة في الخليج.

وقال المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي جون كيربي للصحفيين يوم الأربعاء إن واشنطن تريد التأكد من أن علاقتها "الإستراتيجية" مع الرياض تحقق "أفضل مصالحنا".

وأبدت واشنطن قلقها بشأن استخدام دول الخليج العربية تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية واستثمارات بكين في البنية التحتية الحساسة مثل الموانئ، بما في ذلك في دولة الإمارات التي أوقفت مشروع ميناء صيني بسبب مخاوف الولايات المتحدة.

وتشتري الرياض وأبوظبي معدات عسكرية صينية ووقعت شركة سعودية صفقة مع شركة صينية لتصنيع طائرات مسيرة مسلحة في المملكة.

وقال المحلل السعودي عبدالعزيز صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث ومقره الرياض لتلفزيون الشرق للأخبار السعودي إن الدول العربية تريد إبلاغ الحلفاء الغربيين أن لديها بدائل وأن علاقاتهم تستند في المقام الأول إلى المصالح الاقتصادية.

وقال جون ألترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية إنه على الرغم من أن العلاقات السعودية مع الصين تنمو "بسرعة أكبر بكثير" من العلاقات مع الولايات المتحدة إلا أن العلاقات الفعلية ليست مماثلة، مضيفا أن "العلاقات مع الصين تتضاءل مقارنة بالعلاقات مع الولايات المتحدة من حيث التعقيد والألفة".