السعودية.. قصة مصري احتال على رموز الصحوة الدينية

استطاع عبد المعطي تسويق نفسه حتى أصبح إماماً وخطيباً في جامع الشيخ علي الصالحي في عنيزة ليمنح بذلك منزلاً تابعاً للمسجد ذاته ليسكن بعدها خلال تنقله في عدد من المدن السعودية في منازل مختلفة لعدد من الدعاة من بينهم سفر الحوالي والشيخ صالح بن حميد والقاضي عبد العزيز الرومي.

بقلم: هدى الصالح

مضى 31 عاماً على قصة من بات يُعرف بمحتال "الصحوة" في السعودية، إلا أن انقضاء تلك السنوات، لم تكن كافية لأن يطوي هذا الرجل فصول حياته، والتي يبدو أنها أخذت من حياة الفيلم الأميركي "Catch Me if you can"، ببطولة ليوناردو دي كابريو، الذي جسد فيه شخصية محتال محترف، مزور شيكات، ومِهن، وشهادات، عمل بها طوال حياته.

فمن هو هذا الرجل الذي استطاع أن يحتال على رموز "الصحوة " في السعودية، وعلى رأسهم سفر الحوالي وعايض القرني وسلمان العودة وغيرهم؟ وكيف استطاع جمع مبالغ طائلة من خزينة "الصحوة"؟ وأين انتهى به المطاف اليوم؟

بداية قصة المحتال

في أواخر الثمانينات، وتحديداً في عام 1987، وفد من مصر من قرية "الزعفران" المخرج السينمائي "الهوليودي" أنيس عبد المعطي (كما عرف بنفسه حينها)، إلى السعودية وذلك بتأشيرة أداء العمرة ليتمكن من دخول السعودية.

حينها حاول "عبد المعطي" الترويج لقصة إعداده لعمل سينمائي بعنوان "القضية" اختار فيه لتجسيد دور البطولة الفنان "محمد عبده"، وبمشاركة المطربة "سميرة سعيد"، إلا أن الأمر لم يكن سوى وهم مازال يعيش فصوله حتى اليوم، كما الفيلم الذي عرضه على الرئيس العراقي السابق صدام حسين لتجسيد شخصيته بعنوان "فارس ضد فارس".

مراحل شخصية أنيس

بحسب ما ذكره المخرج الهوليودي في اتصال لـ"العربية.نت" قال: "كان الدور المقترح على فنان العرب "محمد عبده" مقتصراً على الأدوار الغنائية، فبحسبه لم يكن لينجح في تجربة التمثيل". وما هي إلا أيام قليلة حتى استبدل المخرج الهوليودي (الحليق) بدلته الإفرنجية، إلى زي آخر، ليلبس الثوب السعودي والغترة البيضاء مطلقاً العنان للحيته، متجسداً بذلك رواية جديدة عنوانها "توبة المخرج العالمي".

حتى اليوم مازال رجالات الصحوة في السعودية، يذكرون بين الفينة والأخرى، قصة "محتال الصحوة" المصري أنيس عبد المعطي، مدعياً أنه "مخرج هوليودي" تائب، ولديه الكثير من "فضائح أهل الفن"، فما كان ذلك سوى إغراء كبير لاحتضانه وإكرامه من قبل دعاة الصحوة المشاهير، من بينهم سفر الحوالي، وعائض القرني، قبل أن يتم ترحيله عن الأراضي السعودية، مع حملة ملاحقة أنشطة الصحويين في السعودية، والإيقاف الأمني لسلمان العودة وسفر الحوالي في العام 1994، ليكتشف بعدها كذب رواياته التي ليست سوى قصاصات من الصحف المصرية والإنجليزية، المهتمة بتناول "إشاعات" الأوساط الفنية.

هكذا بدأ محتال الصحوة

"إخواني" فار بدينه وملاحق أمنياً من قبل الأمن المصري، كانت هذه حبكة رواية "المحتال المصري" عبد المعطي لرموز التيار الإسلامي الصحوي في السعودية، مع بداية قدومه إلى السعودية في العام 1987، لتبدأ أموال الزكاة والتبرعات تغدق عليه، مع تزكيات من قبل مشاهير "الصحوة" كانت أبرزها محاضرة لسفر الحوالي (أحد رموز التيار الإسلامي في السعودية) وعائض القرني (أحد خطباء التيار الإسلامي في السعودية). ليلتحق عبد المعطي بحلقة الشيخ محمد بن عثيمين في جامع عنيزة، والذي افتتح مضافة لطلبة العلم الديني في مدينة عنيزة وسط المملكة للسعوديين وغيرهم.

واستغل "عبد المعطي" بصفته "مخرجا هوليوديا تائبا" لإنشاء علاقات مع الإسلاميين والحركيين في منطقة القصيم وسط السعودية ومدينة جدة غرب السعودية، امتدت لـ 7 أعوام مدة إقامته في السعودية.

من عناوين الروايات الهوليودية التي روج لها "لص الصحوة غير الظريف" عبر منابر الجوامع والمحاضرات الدينية في عدة مدن سعودية، أبرزها مدينة جدة ومنطقة القصيم، ونسخت في أشرطة وزعت بأعداد هائلة، كان منها الشريط الشهير"حروب الفن وفن الحروب".

استطاع بذلك، تسويق نفسه حتى أصبح إماماً وخطيباً في جامع الشيخ علي الصالحي في عنيزة، ليمنح بذلك منزلاً تابعاً للمسجد ذاته، ليسكن بعدها خلال تنقله في عدد من المدن السعودية في منازل مختلفة لعدد من الدعاة من بينهم سفر الحوالي، والشيخ صالح بن حميد، والقاضي عبد العزيز الرومي، بحسب ما قاله في حديثه مع "العربية.نت".

تابع خلال حديثه معترفاً: "نعم قدم لي الشيخ فريح العقلاء، وإبراهيم الشبلي في مدينة جدة منزلاً ودفعوا عني الإيجار، وقدموا لي الملابس وجابوا الأكل لكوني عابر سبيل".

" العربية.نت" تحدثت مع المحامي علي فريح العقلاء، وأكد مساعدة والده الشيخ فريح للمصري أنيس عبدالمعطي بتقديم منزل له، وتوفير الأجهزة والأدوات الكهربائية له والتكفل كذلك بطعامه.

وتابع المحامي علي العقلاء حديثه، الذي التقى شخصياً في ذلك الوقت بعبد المعطي وحينها كان بعمر الـ14 عاماً: "أذكر جيداً عبد المعطي وهيئته، حيث بالغ كثيراً في مظاهر التدين أكثر من المتدينين أنفسهم، حيث وصل ثوبه إلى ركبتيه، وكانت لحيته طويلة جدا"، مضيفا: "لقد كان نهماً في الأكل ولم يفوت دعوة للعشاء أو الغداء".

عن استغلاله الدعاة قال المحامي العقلاء: "جاء أنيس عبد المعطي في مطلع التسعينات، حيث كانت الصحوة في أوجها، وكان المجتمع حينها يتعاطى مع كل شخص يسعى إلى التدين بحسن نية، ويقدمون له المال والدعم، وكان قد ادعى عبد المعطي حينها، أنه مخرج سينمائي كبير، وأنه يرغب بالتوبة إلى الله، ويسعى إلى فضح المجتمع السينمائي، كما أن الدول الأجنبية قدمت له الأموال ليسيء للعرب والمسلمين".

أضاف: "لم يكن في ذلك الوقت محركات البحث عبر الشبكة العنكبوتية، فكان من السهولة تصديقه خاصة أنه ادعى ارتباطه بعالم هوليود لمعرفته ضعف إلمام المجتمع السعودي بهذا الجانب خلافاً للفن في مصر".

عن ردة فعل والده بعد انفضاح أمر عبد المعطي، قال المحامي علي العقلاء: "وصل الخبر للوالد وكانت ردة فعله جيدة، حيث قال: إننا ساعدناه لله ونحن مأجورون، إلا أنه ظل يحذر منه بعد ذلك".

فك الارتباط

على إثر المواجهة الأمنية الأولى لتيار الصحوة في السعودية في العام 1994، وإيقاف كل من سفر الحوالي وسلمان العودة، تم القبض على المصري أنيس عبد المعطي وترحيله من السعودية، ليتم إيقافه لعدة أشهر في مصر، وفي هذه اللحظة ابتكر عبد المعطي رواية جديدة، كانت سبباً في كشف "احتياله" أمام الأوساط الصحوية، تجلت في لقاء نشر معه في مجلة "المصدر"، ادعى فيه تعمده في اختراق مجتمع المتدينين في السعودية، بغرض التجسس عليهم لكشفه وإخراج فيلم يتحدث عن التدين في السعودية.

في مصر عاد أنيس إلى ارتداء بدلته الإفرنجية، وربطة العنق مع فارق في الاسم، فعوضاً عن استخدام شهرة عائلته "عبد المعطي" استبدله إلى "الدغيدي"، لم يكن هنا الاختيار اعتباطياً إنما الاحتيال بالاسم لبيع إصدارات كتبه "الصفراء" ذات العناوين الفضائحية، متلبساً بذلك تجربة المخرجة المصرية "ايناس الدغيدي"، إذ يبدو أن هوسه بالفن السينمائي ظل عصيا عليه، رغم أنه لم يمسك حتى بـ "الكلاكيت" ولو مرة واحدة.

نجم عن هذا الهوس الفني رصيد كبير من الكتب "الصفراء" عن الفن وأهله، لا تتعدى كونها قصاصات من الصحف، تناولت إشاعات فضائحية عن المشاهير والفنانين. وطبقاً لوصفه في كتبه: "توزع على مستوى الكرة الأرضية، حتى تفوقت على معدلات توزيع مؤلفات الكاتب والأديب المصري نجيب محفوظ".

السيرة الذاتية

وفقا لتعريف أنيس عبد المعطي الدغيدي عن نفسه فهو: "محترف وسياسي"، حائز على تقدير أفضل كاتب عربي 2004 كأعلى كتاب توزيع ضمن قائمة الكتب العشرة الأولى في العالم العربي عن كتابه: الحياة السرية لصدام حسين"، والحائز على نفس الجائزة بالمركز الأول عام 2005 عن كتابه "بن لادن والذين معه"، كما فاز لعام 2006 عن كتابه "السي أي أيه وملفات حكام العرب"، وكتاب "بوش السري الأسود".

من إنجازاته الصحافية، لقاء صحافي مع الرئيس الأميركي جيمي كارتر، ومقابلة صحافية مع أسامة بن لادن سنة 1992، ومع الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ونجله عدي صدام في منتصف عام 1988، إلا أنه يعتبر أهم لقاءاته وحواراته الصحافية مع "الزعيم الكبير نلسون مانديلا".

الاحتراف السياسي

من الصحافة إلى الإمامة والخطابة وصولا إلى الأدب والكتابة انتقل "أنيس الدغيدي" إلى مرحلة النشاط السياسي، وذلك بالتزامن مع ما وصف بـ"الربيع العربي"، مؤيداً لثورة 25 يناير، ومعلناً عن تأسيس حزب "الحرية الديمقراطي الساداتي"، تمهيداً لترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المصرية في 5 فبراير 2010 وشعاره الانتخابي: "انتخبوا أنيس الدغيدي اللي مش ابن الرئيس".

إلا أن مشواره الانتخابي لم يكتمل مكتفياً بتأييده ودعمه لصعود جماعة الإخوان إلى سدة الحكم وبحسبه: "تنازلت عنه بعد أن هبت الثورة الميمونة والعظيمة فاكتفيت بها من أجل مصر".

فبحسب المصري "عبد المعطي" كان هو أحد الممهدين للثورة في مصر، وذلك من خلال كتبه التي: "تخطت الـ55 كتاباً سياسياً وصحفياً، ورواية أدبية قد هيأت وكرست بقدر كبير لهذه الثورة العظيمة أملاً في أن ينصلح حال البلاد والعباد"، مضيفاً في خطابه كما يقول لوزير الداخلية المصري: "ولما كانت ثورة 25 يناير المجيدة وليدة اجتهادات مقالاتي الصحفية النارية الناقدة للنظام الفاسد في جريدة "صوت الأمة" وصحيفة "الموجز" محدودة الانتشار وغيرها من الصحف المصرية".

إلا أنه سريعاً ما تراجع عن تأييد حكم الإخوان في مصر على أعقاب ثورة 2011 ، معلناً عن تقدمه بطلب إلى وزير الداخلية المصري بعد لقاء جمعهما، وهو قبول تنازله عن جنسيته المصرية قائلا: "وأكرر لسيادتكم ضرورة موافقتكم على طلبي هذا بالتنازل عن جنسيتي المصرية العظيمة، وذلك لحين سقوط أو رحيل محمد مرسي".

الثورة الليبيبة

بعد استقرار المشهد السياسي في مصر انتقل أنيس الدغيدي إلى ليبيا، وذلك مع بداية تصاعد الأحداث ضد الرئيس الليبي معمر القذافي، ليصل إلى باب العزيزية عبر تونس، بحجة دعم النظام الليبي، وليصعد من جديد على منبر مختلف معرفاً بنفسه لدى الجمهور الليبي بـ"المرشح الرئاسي المصري السابق"، ولتستضيفه عدد من الفضائيات الليبية التابعة للنظام الليبي، وتحتفي به حشود الليبيين المؤيدين للرئيس السابق معمر القذافي أمام باب العزيزية وفي المسيرات الشعبية.

فقا لما روج له عبر الإعلام الليبي لديه اتصالات شخصية مع الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، الذي عرض عليه شخصياً أن يكون مستشاراً خاصا له، إلا أن الدغيدي رفض باعتباره مرشحاً رئاسياً في مصر، واستطاع بفضل "حنكته" تغيير موقف أوباماً من ليبيا، قائلا: "أنا مع القائد العظيم المظفر معمر القذافي، وثورة شباب ليبيا مؤامرة".

سريعا تحول الدعم إلى معارضة بالتزامن مع تفاقم المشهد، واختلال كفة الميزان إلى جانب "الثوار"، وبحسبه كان انقلاب موقفه بسبب عدم استجابة "الرئيس معمر القذافي لنصائحه وخطته للتهدئة"، متحولاً بذلك إلى دعم الثوار الليبيين، قبل أن يعود مرة أخرى إلى مصر، ويؤلف كتاباً ضد الرئيس الليبي، بعنوان: "حكايتي مع ابن الحرام"، الصادر عن مكتبة "مدبولي الصغير".

إلا أن هذا الكتاب تسبب لعبد المعطي بدعوى قضائية رفعت من قبل عائلة القذافي في مصر من خلال المحامي خالد الزايدي، وقضت المحكمة المصرية بمنع تداول الكتاب ودفع غرامة مالية لكلا الطرفين قدرت بـ10 آلاف جنيه مصري.

الهروب

تزايدت الدعاوى القضائية المرفوعة بحق أنيس الدغيدي، جراء قصص احتيال متعددة رفعت من قبل مصريين وليبيين، آثر بسببها "الدغيدي" الفرار إلى بريطانيا حيث يقيم حالياً، إلا أنه مع ذلك لم يتوقف وافتتح قناة يوتيوبية، مبشراً بقرب ظهور الرئيس العراقي السابق "صدام حسين"، بحسب ما قال في (لقاءات متعددة جمعت في 2013 و 2014)، ومؤكداً أن صدام حسين عاش فترة في إيران ويقيم حاليا في كوريا الشمالية.

آخراً وليس أخيراً، وإلى جانب نظرية "ظهور الزعيم" ومشروع "الدغيدي" بإنشاء فضائية عالمية مخصصة لتغطية خروج "صدام حسين"، ابتكر "عبد المعطي" من مقر إقامته اللندني، شخصية جديدة وهذه المرة كممارس للطب النبوي وبغرض تجسيد هذه الشخصية الجديدة، ارتدى على رأسه قبعة بيضاء فوق بدلته الافرنجية، ليقدم برنامجه الخاص "داء ودواء"، جامعاً فيه ما بين الحديث عن السلاح النووي لكوريا الشمالية ومابين خلطات الطب الشعبي لعلاج العقم وسن اليأس لدى المرأة وإنجاب الذكور.

ليستمر بذلك "المخرج الهوليودي التائب" إلى اليوم، ولأكثر من 20 عاماً، ومع كل ما شهدته محركات البحث من تطور تقني، بلعب أدوار لا حصر لها، تنسجم مع رواياته الهستيرية، التي لطالما وجد جمهوراً يصدقها.