السلطة الفلسطينية تقترح لما بعد الحرب حكومة تكنوقراط بمشاركة حماس

أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" يكشف أن الحكومة ستكون حكومة عباس، لافتا إلى ضرورة أن تحظى بحالة إجماع داخل الأوساط الفلسطينية.

غزة - تتجه الأنظار نحو المشهد السياسي الفلسطيني بعد أن إنتهاء الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، وسط انقسام منذ عام 2007 بين السلطة الفلسطينية في رام الله بالضفة الغربية وحركة حماس في القطاع.
وقال صبري صيدم نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة 'فتح' إن الحديث يتصاعد اليوم عن حكومة كفاءات فلسطينية ترتبط بإدارة قطاع غزة والمشهد الفلسطيني برمّته، مشيرا إلى أن حركة حماس يجب أن تكون في المعادلة السياسية.
ولفت صيدم خلال حوار مع الأناضول في مكتبه بمدينة البيرة وسط الضفة الغربية إلى أن حركة فتح تركز على "تواؤم فلسطيني ـ فلسطيني وأن تكون حركة حماس في المشهد السياسي ضمن وفاق ورؤية ينسجمان مع القانون الدولي".
وتابع أن "التركيز الفلسطيني اليوم هو على مدينة رفح، المحطة الأخيرة في النضال الوطني الفلسطيني، إما أن تنتصر، أو ينكسر كل الشعب الفلسطيني".
وبيّن أن "الانتصار المنشود سيكون بمنع التهجير وصدّ العدوان الإسرائيلي وحقن الدماء ووقف المحنة وأن يكون هناك موقف دولي يمنع الجريمة، خاصة أن التكدس البشري في رفح غير مسبوق، نتحدث عن 27 ألف فلسطيني في كل كيلومتر مربع، بمعنى أن إسرائيل سترتكب جريمة محققة وهذا يزيد الاحتقان".
وتتصاعد التهديدات الإسرائيلية بتنفيذ عملية برية في رفح الملاصقة للحدود مع مصر، رغم تحذيرات إقليمية ودولية من تداعيات كارثية محتملة في المدينة التي تشهد اكتظاظا كبيرا يتمثل بوجود ما لا يقل عن 1.4 مليون فلسطيني فيها، بينهم أكثر من مليون نازح لجأوا إليها جراء عمليات الجيش الإسرائيلي شمال ووسط القطاع بزعم أنها "منطقة آمنة".
ومنذ نحو 5 أشهر تشن إسرائيل حربًا مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات آلاف الضحايا معظمهم أطفال ونساء، فضلا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة أبرزها المجاعة وتدمير البنى التحتية والممتلكات، وفق بيانات فلسطينية وأممية وهو الأمر الذي أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".
وأشار صيدم إلى فظاعة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قائلا "لم يعد بالقاموس ما يفسّر مشاعر الفلسطيني، لا سيما وأن حرب الإبادة فاقت كل التوقعات من حيث الجرائم والمذابح".
وتابع "نعيش محرقة تُفرض على الشعب الفلسطيني بهذه الصورة أمام مراوحة العالم ودعم الشعب وعلى المستوى الرسمي لم يتبلور شيء، لا المظاهرات ولا حتى المؤتمرات والقمم وحتى محكمة العدل الدولية لم تنجح في وقف هذا المشهد المأساوي".
وفي 26 يناير/كانون الثاني الماضي أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين وتحسين الوضع الإنساني في غزة، لكنها لم تأمر بوقف إطلاق النار.
وتواصل المحكمة النظر في هذه الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا وتتهم فيها تل أبيب بارتكاب جرائم "إبادة جماعية"، وهذه أول مرة منذ قيامها عام 1948، تخضع فيها إسرائيل لمحاكمة أمام العدل الدولية وهي أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة.
ويقول صيدم إنه "بطبيعة الحال يتزايد الحديث عن حكومة فلسطينية جديدة، حكومة كفاءات ترتبط بإدارة قطاع غزة مستقبلا وإدارة المشهد الفلسطيني برمّته".
ويضيف "عندما نتحدث عن حكومة سنأخذ في الاعتبارات كل التفاصيل المرتبطة بالمكونات السياسية الفلسطينية، بحيث يكون هناك توافق ولكن هذه الحكومة حكومة الرئيس محمود عباس هو من يشكلها تستند إلى كفاءات تحظى على الأقل بحالة إجماع داخل الأوساط الفلسطينية وحالة الوفاق".
وأوضح أن "هذا لا يعني أننا نكون على الطاولة ذاتها مع كل من نختلف ونتفق معهم، سيكون هناك أطياف سياسية فلسطينية مختلفة وعلينا أن نحترم هذا المشهد ونركز على إستراتيجية جماعية تحظى بقبول وتوافق الجميع".
وتابع "نقول لحماس لدينا محاور اتفقنا عليها في الجزائر ومدينة العلمين المصرية نريد لهذه المحاور أن تكون المظلة الجامعة".
وفي 30 يوليو/تموز 2023، عقد الأمناء العامّون للفصائل الفلسطينية اجتماعا طارئا بمصر، عقب عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة استمرت نحو 48 ساعة في مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية المحتلة.
ودعا عباس في البيان الختامي للاجتماع إلى تشكيل لجنة من الأمناء العامّين للفصائل المشاركة في استكمال الحوار الوطني بهدف "إنهاء الانقسام" وتحقيق الوحدة الوطنية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022 وقّعت فصائل فلسطينية "إعلان الجزائر" لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، في ختام جلسات حوار وطني فلسطيني شامل استضافته الجزائر لمدة يومين.
ومنذ يونيو/حزيران 2007 يسود أراضي السلطة الفلسطينية انقسام سياسي بسبب خلافات حادة بين فتح بزعامة عباس وحماس، فيما لم تفلح وساطات إقليمية ودولية في إنهائه.

"حركة فتح تركز على تواؤم فلسطيني ـ فلسطيني وأن تكون حركة حماس في المشهد السياسي ضمن وفاق ورؤية ينسجمان مع القانون الدولي".

وعن تزايد الحديث عن مقترحات إقليمية حول شكل الحكومة الفلسطينية ما بعد الحرب على غزة، قال صيدم "وصلتنا مقترحات إقليمية ولكن القضية تحسم على طاولة القيادة الفلسطينية وسيتم ذلك قريبا".
لكن القيادي في "فتح" قال إنه لتشكيل الحكومة "يجب أن يُفهم الإطار الفلسطيني الشامل وليس ما يريد العالم أن يخطه للشعب الفلسطيني".
وأضاف صيدم "يجب عدم تكرار الماضي عندما جرى الحديث في 2002 إبّان مرحلة الرئيس الراحل ياسر عرافات عن الإصلاح والقيادة وترسيخ الموقف".
وتابع "10 مجرمين يجلسون إلى جوار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحكومة اليمينية ولديهم قضايا ولا أحد يتحدث هناك عن إصلاح وترميم البيت الداخلي الإسرائيلي، فيما الفلسطيني يتم التعامل معه دائمًا كأنه يصغي للتعليمات، كيف يعيش؟ كيف يختار قيادته؟ وكيف يتنفس؟"، مشددا على أن "هذه تصرفات تعبّر عن نفَس استعماريّ متواصل"، متهما نتنياهو "بطرح الإصلاحات في اليوم الأول للحرب لأنه يريد أن يحجب الأضواء عما يجري في القطاع".
وأضاف "البعض يرى فيه منصة لإطلالة المعركة واللعب على عامل الوقت، بهدف إشغالك بقضية أخرى تبعدك عن القضية الأساس وهي الحرب الإسرائيلية المدمرة في غزة ونَعي تماما خلفيات هذا الموضوع".
وذكر صيدم أن "السلطة كانت قد بدأت إصلاحات قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول ولذلك نستمر في عملنا الإصلاحي ونعي أن أي مؤسسة في القطاع العام يجب أن تخضع بشكل دائم لعملية مراجعات".
واستدرك "لكن أن يُسقط هذا الأمر على الشعب الفلسطيني بالإكراه وتبقى في المقابل حكومة مجرمين إسرائيلية دون أن يشار إليهم بالبَنان والقول إن عليكم أن تصلحوا أنفسكم وأن تعطي القيادة الفلسطينية دروسًا في الإصلاح والحوكمة، هذه قضية مهزلة بامتياز".
وأكمل "نستمر في دربنا على أرضية القناعة، أولا يجب إنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني بمنع التهجير، غزة مكوّن أساسي.. وارتباطنا والتزامنا بالقانون الدولي وتماسكنا في إطار كل القوى الفلسطينية شكّل القاسم المشترك لرغبات كل مواطن".
وشدد أن "على العالم أن يعيد النظر ويطيح بهذه الحكومة اليمينية التي تتذرع اليوم بإجراءات شهر رمضان، لأنها تريد أن تشعل الميدان في الضفة فتبحث عن أي ذريعة".
وأضاف "اقتحمت القوات الإسرائيلية المدن ونكّلت بالمخيمات واعتقلت الناشطين وقصفت ولم تنجح بجرّنا لمواجهة في الضفة لذلك تريد أن تشعل الأرض تحت أقدام الفلسطينيين عبر هذه الإجراءات".
واتهم نتنياهو "بمحاولة جرّ الفلسطينيين إلى حرب دينية عبر ما تسمى إجراءات رمضان"، محذرا من أن "هذه الإجراءات ستشعل الأرض تحت أقدام إسرائيل وتقودنا إلى مواجهة محققة مع الاحتلال في الضفة والقدس لأن هذا حق للبشرية لا يمكن لأحد أن يمنعه وأعتقد هذا الأمر يتجه بخطى متسارعة نحو الغليان، وأعتقد أن إسرائيل ستعود عنها".
وتابع "ننتظر ولكن أي إجراءات قمعية قائمة على أرضية دينية غير مقبولة على الإطلاق وهذا لا يمسّ بالضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل يمسّ فلسطينيي الداخل"
وكانت وسائل إعلام عبرية بينها هيئة البث الإسرائيلية الرسمية ذكرت أن نتنياهو قبِل في مداولات أجراها الأحد توصية وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير بفرض قيود على وصول الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر إلى المسجد الأقصى في رمضان.
ولم يتم الإعلان رسميًا عن طبيعة هذه القيود، لكن هيئة البث قالت الاثنين إنه "من المقرر أن تقدم الدوائر الأمنية إلى المجلس الوزاري المصغّر توصياتها بشأن طبيعة القيود التي ستفرض على دخول المصلين إلى الحرم القدسي الشريف خلال رمضان".
ويمكن للقيود أن تشمل المواطنين العرب في إسرائيل أيضا، وفق هيئة البث، التي قالت إن "الشرطة طرحت حلا وسطا بخصوص القيود الممكن فرضها على دخول العرب إلى الحرم القدسي خلال شهر رمضان".
وقوبل الإعلان الإسرائيلي بتنديد ورفض شديدين فلسطينيا، مع تحذيرات من تفجر الأوضاع في الضفة والقدس بسببه، وهو ما حذرت منه أجهزة الأمن الإسرائيلية قبل أيام.
ويرى صيدم أنه "يجب أن يُجمع العالم أمام هذا الإصرار الإسرائيلي الرافض لقيام دولة فلسطينية ومحاولة جرّنا إلى مزيد من المواجهة، على ضرورة الإطاحة بنتنياهو".
واعتبر أنه "يجب أن لا يمثل نتنياهو الإسرائيليين ولا اليهود الذين انضموا إلينا في المظاهرات حول العالم، المشروع اليهودي القائم على أرضية الإزاحة يجب أن لا يكون هو محور الكون وهو الذي يتمحور حوله نتنياهو".
وقال "اليهود يستحقون أفضل.. ومن انضم إلينا في العالم ورفعوا العلم الفلسطيني يجب أن يجتمعوا لإعادة النظر في هذا المشروع القائم على قتل الهوية الفلسطينية، 70 عاما من الصمود الأسطوري لا يمكن مهما امتلك من قوة عسكرية أن يزيحه".