السلوك الإيراني الذي امتد إلى.. "بوليساريو"

لا معنى لمفاوضات مسقط من دون طرح السؤال الحقيقي المتعلق بمستقبل الدور الإيراني في المنطقة؟

إلى أين ستؤدي المفاوضات الأميركية – الإيرانية التي استضافت مسقط جولة أولى منها؟ هل تقع واشنطن مرة أخرى في الفخ الإيراني عبر التركيز على الملف النووي لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" متجاهلة أن الأهمّ من الملف النووي هو سلوك إيران على الصعيد الإقليمي؟

يفترض في إدارة ترامب أن تكون مختلفة عن إدارة أوباما التي رفضت رؤية أن "الجمهورية الإسلاميّة" استخدمت مواردها من أجل تمويل ميليشيات مذهبية وإرهابية لتفتيت المنطقة وتعطيل كلّ ما يمكنه تحقيق تطور إيجابي في هذه الدولة أو تلك أو في هذه المنطقة العربية أو تلك، بما في ذلك منطقة شمال إفريقيا.

استنادا إلى صحيفة "واشنطن بوست" امتد نشاط "الجمهوريّة الإسلامية" إلى تدريب عناصر من جبهة "بوليساريو" في الأراضي السورية إبان حكم بشّار الأسد الذي كان قريبا جدا من النظام الجزائري من جهة وتحت السيطرة الإيرانية من جهة أخرى. ورد في "واشنطن بوست"، في تحقيق طويل عن سعي إيران إلى متابعة إستخدام الأراضي السورية لتمرير أسلحة وأموال إلى "حزب الله"، أنّه "على مر السنوات، دعمت إيران مجموعة متنوعة من الأذرعة لخدمة مصالحها. دربت إيران في هذا السياق مقاتلين من جبهة بوليساريو التي تتمركز في الجزائر والتي تقاتل من أجل استقلال الصحراء الغربية وفصلها عن المغرب". نقلت الصحيفة عن مسؤول في المنطقة وآخر أوروبي أن السلطات الجديدة في سوريا تحتجز حاليا مئات المقاتلين التابعين لـ"بوليساريو" التي ليست، في واقع الحال سوى إحدى الأدوات الجزائرية. الثابت تدريب إيران لعناصر "بوليساريو" في الأراضي السورية، لكنّ معلومات أخرى، لم تذكرها الصحيفة الأميركية، تشير إلى أن معظم مقاتلي "بوليساريو" فروا من سوريا إلى لبنان والعراق مباشرة بعد سقوط النظام السوري.

من منطلق السلوك الإيراني في المنطقة كلها... وصولا إلى شمال إفريقيا، لا يمكن الإستخفاف بالحدث المتمثل بالمفاوضات الأميركيّة – الإيرانية في مسقط، بغض النظر عمّا إذا كانت هذه المفاوضات تعتبر مباشرة أم لا. يظلّ مطلوبا إعطاء هذه المفاوضات التي انعقدت جولتها الأولى في مسقط معنى.

لا معنى لهذه المفاوضات من دون طرح السؤال الحقيقي المتعلق بمستقبل الدور الإيراني في المنطقة؟ في حال كان مطلوبا الذهاب إلى أبعد من ذلك، لا مفرّ من التساؤل أي مصير للنظام الإيراني القائم منذ العام 1979 بعد فشله في حماية نفسه عبر شبكة ميليشيات مذهبيّة أقامها في المنطقة أبرزها "حزب الله" في لبنان. الأهمّ من ذلك كلّه، أي مصير للنظام الإيراني في ضوء فقدانه القطعة الأساسيّة في "الهلال الشيعي"، أي النظام العلوي في سوريا؟ إرتبط هذا النظام العلوي إرتباطا عضويا بـ"الجمهوريّة الإسلاميّة". لم يكن النظام العلوي بوابتها إلى سوريا فحسب، بل كان بوابتها إلى لبنان أيضا. كان أيضا بوابتها إلى مناطق بعيدة مثل شمال إفريقيا كما كشفت "واشنطن بوست"!

يعطي تفاوض "الجمهوريّة الإسلاميّة" مع "الشيطان الأكبر" فكرة عن المعطيات الجديدة في المنطقة. لولا هذه المعطيات، لم تنعقد جولة المفاوضات الأولى. جعلت المعطيات الجديدة "الجمهوريّة الإسلاميّة" تفاوض في شأن بقاء النظام القائم في طهران أو عدم بقائه، خصوصا أن موضوع الملف النووي الإيراني بات محسوما.

ليس في العالم من يريد إيران نووية، لا لشيء سوى لأنه لم يعد هناك ما يضمن عدم إستخدامها لمثل هذا السلاح النووي. كانت نقطة التحول شنّ "حماس" هجوم "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر  2023 وحرب "اسناد غزّة" التي شنها "حزب الله"، باوامر إيرانيّة، انطلاقا من جنوب لبنان...

تدافع "الجمهوريّة" عن بقاء نظامها بعدما فقدت أوراقها في المنطقة. باستثناء العراق، حيث لا يزال لطهران نفوذ، لا يمكن الإستهانة به عبر ميليشيات "الحشد الشعبي" وحكومة محمّد شياع السوداني، فقدت "الجمهوريّة" أوراقها الأخرى. يشمل ذلك اليمن الذي صار فيه الحوثيون في حال يرثى لها بعدما تبيّن أن الحملة العسكرية التي تشنّها الولايات المتحدة من الجوّ مستمرّة... في انتظار اليوم الذي تتحرّك فيه قوات محلّية على الأرض تخرج الحوثيين من صنعاء.

هل ستذهب إدارة دونالد ترامب إلى لبّ المشكلة مع إيران، أي إلى طبيعة دورها في المنطقة، بما يعطي للمفاوضات معنى؟

لا خيار آخر أمام إدارة ترامب غير تفادي الخطأ الكبير الذي وقعت فيه إدارة أوباما التي لم تفهم أن الملف النووي ليس سوى جزء من المشكلة التي يمثلها النظام الإيراني. الجزء الآخر الأهم يتمثّل في سلوك إيران. من دون البحث في سلوك إيران، لن تكون فائدة تذكر من مفاوضات بين "الجمهوريّة الإسلاميّة" والولايات المتحدة في حال تفادت إدارة ترامب الأسئلة الحقيقية من نوع ما الذي تفعله إيران في العراق واليمن حاليا وما الذي كانت تفعله في سوريا ولبنان ولماذا تدريب عناصر من "بوليساريو"؟

من الواضح أن إدارة ترامب لا تريد مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، وذلك على خلاف حكومة بنيامين نتانياهو. لن تستطيع تفادي المواجهة في غياب موقف إيراني يقوم على الإعتراف بالفشل. يبدو الإعتراف بالفشل واردا في حال ولدت قناعة في طهران بأنّ المشروع التوسعي الإيراني صار جزءا من الماضي.

الكرة في الملعب الإيراني. ليس أمام إيران سوى التخلي عن أوهامها والإعتراف بأن لا فائدة من الدفاع عن النظام القائم، أي نظام "الجمهورية الإسلاميّة" المؤمن بـ"تصدير الثورة"... وصولا إلى دعم النظام الجزائري في حرب الإستنزاف التي يشنها على المغرب منذ خمسين عاما.

توجد منطقة جديدة ولدت من رحم هجوم "طوفان الأقصى" وحرب "إسناد غزّة". راهنت إيران على الهجوم وعلى الحرب وخسرت الرهانين. عليها دفع الثمن، ما دام يحيى السنوار لم يعد موجودا وما دام "حزب الله" لم يعد يحكم لبنان... وما دام بشّار الأسد في منفاه الروسي... وما دامت الجزائر خسرت الحرب التي تشنها على المغرب.