السودانية "بنت الشمس" تتألق في "أمير الشعراء"

الإماراتية عائشة الشامسي والعراقي سعد جرجيس يتأهلان إلى المرحلة الثانية في "أمير الشعراء 8" بعد تصويت الجمهور.
عُرَيب تغنّي "يازائري في الضُّحى"
مع الفصيح والنبطي يجتمع قوقزة والتميمي على حب الإمارات وزايد

أبوظبي ـ انطلقت مساء الثلاثاء أحداث الحلقة الثانيةِ من حلقات برنامج "أمير الشعراء" على إيقاع التسامح الذي سبق وأعلنت الإمارات أنه سيكون شعارها للعام 2019. وهو التقليد الذي اتبعته الإمارات منذ عام 2015، حيث بدأت بتسمية الأعوام منذ عام 2015 مع عام الابتكار، ثم عام القراءة 2016، وعام الخير 2017، وعام زايد 2018.
أما 2019 فكُلِّل بلقب التسامح، وقد كّللت - في مسرح "شاطئ الراحة"- الشاعرة الإماراتية عائشة الشامسي بانتقالها إلى المرحلة الثانية من البرنامج إثر حصولها على 73 درجة، وإلى جانبها الشاعر العراقي سعد جرجيس الذي حصل على درجة 58، وذلك بعد أسبوع كامل من انتظار نتائج التصويت التي جُمعت مع درجات التحكيم. 
وقد استمعت لجنة التحكيم المكونة من د. علي بن تميم، د. صلاح فضل، ود. عبدالملك مرتاض إلى ما قدمه شعراء الحلقة، وهم ابتهال تريتر من السودان، وخلود بناصر من المغرب، وعبدالمنعم حسن من مالي، وهاني عبدالجواد من الأردن.
فذهبت أعلى الدرجات للشاعرة ابتهال تريتر التي حصلت على 47 درجة من أصل 50، فيما حصلت خلود بناصرعلى 45 درجة، تلاها هاني عبدالجوادبحصوله على 42 درجة، وأخيراً عبدالمنعم الذي حصل على 38 درجة. 
وخلال أحداث الحلقة، غنت عُرَيب قصيدة "يا زائري في الضُّحى" من كلمات وألحان الأخوين رحباني، والتي سبق وغنتها فيروز. فيما عزفت فرقة بيت العود" خلف رئيس الفرقة الأستاذ أحمد طه. 
وعرضت الحلقة أيضاً مجموعة من التقارير حول الشعراء المشاركين في الحلقة، بالإضافة إلى تقرير عن نشاطاتهم في نادي مندرة للفروسيةبأبوظبي.
"إغفاءة على صدر يوكابد" يؤهل ابتهال
ابتهال تريتر من السودان كانت أول الشعراء الذين قدموا قصائدهم ليلة أمس في مسرح "شاطئ الراحة"، فقدمت نصها "إغفاءة على صدر يوكابد" الذي حظي بإعجاب أعضاء لجنة التحكيم بالإجماع، حيث أفردوا للنص مساحة نقدية مهمة.

ميقاتُك العِطْرُ عنْدَ المنتهى أسْرَى ** نيلاً يعانق في أرحامه السِّدْرا
كنخلةٍ علَّمت أترابها جُمَلاً ** من العَطاء وألقَتْ ظلها جسرا
كان د. صلاح فضل أول النقاد المتحدثين عن النص، فقال: إن الشاعرة تلتقط ملمحاً شعرياً بالغ الرهافة عن فؤاد يوكابد أم موسى، والتي كان قلبها مفعما بالرهبة والخوف والشوق لتدبير مستقبل آمن لابنها الغريق. 
وقال د. علي بن تميم: إن القصيدة جميلة، وفيها حزن، وألم شفيف تتجاوز فيه الذات بعدها الفردي إلى البعد الجمعي. والشاعرة تتخذ من والدة النبي موسى يوكابد بنت لاوي قناعاً لها، فتتحدث من خلاله. 
وقال د. عبدالملك مرتاض لابتهال: "إلقاؤك كان جميلاً جداً، وإن كنت بالغتِ أحياناً في التأليق الصوتي. والشأن في اللغة المعجمية في شعرك يحيّر قليلاً، فأنت شديدة الجرأة على استعمال ما لا يستعمل، حين قلت: (أشْبَلْتُ أشْبَلْتُ حتى أَشبَلَت لغتي/وفجّر الحبر من أوجاعها زأرا)، فمعنى (أَشْبَلَتِ المرأَةُ على أَولادِها: أي حَنَتْ عليهم بعد زوجها ولم تتزوَّج). وهنا أوضحت الشاعرة أنها كما يشير المعنى تماماً". 
خلود بناصر.. "نبوءة للسلام"
خلود بناصر ثاني متسابقة في الأمسية، وهي التي ألقت نص "نبوءة للسلام" الذي حاز على اهتمام لجنة النقاد، فقالت:
منْ نوتتيْن حزينتين.. سأبدأ ** سينام طفلٌ لا ينام ويهدأ
"دو" "ري" ويجتمع الحمام ** حمامةٌ ستعود للعشِّ القديم وتهنأ
"مي" "فا" وينسحب الظّلام ** نهارنا بالنّور في أعتابه يَتَوضأ
"صول" "لا" ونرقب هدْهداً ** بسلامنا هذا الشهيِّ لروحنا يَتنبّأ
د. علي بن تميم قال: إن نبوءة السلام في القصيدة تبدأ من أبجدية الموسيقى وأحرفها. وإن الموسيقى هنا رمز لتقويض احتكار الصواب. وأجمل ما في القصيدة أنها تتكئ على السلم الموسيقي لتصنع نغماتها، وهذا ابتكار جميل. 
من جهته أكد د. عبدالملك مرتاض أن خلود أنشدتنا قصيدة كبيرة ورائعة وجميلة، وهي في قصيدتها توضح مدى اشتغالها على اللغة عموماً واللغة الشعرية أساساً. وثمّن لغتها المعجمية، واشتغالها على الإيقاع الداخلي باستخدام عبارات مثل: (ويجتمع الحمام، وينسحب الظلام)، وهو ما يدل على أن للشاعرة حاسة سادسة مع اللغة الشعرية، وهو المطلوب من الشعراء. 
د. صلاح فضل أثنى على نص خلود، وقال لها باعتبارها تتعلم العزف على آلاتي البيانو والكمان: أنت لا تضيعين وقتك وتدرسين العزف فتستخدمين النوتة الموسيقية في القصيدة، وهذا ذكاء شعري. إذ على الشاعر أن يعدد مداخله وطرائقه في التعبير الشعري. وأنت تعزفين مقطوعة شعرية ولا تكتبينها فقط، وتقيمين توازياً بين الإيقاع الموسيقي والتصاعد الدلالي في النص مع كل حرف في النوتة (ينام الطفل، تعود الحمامة إلى العش الهادئ، يتوضأ الكلام بالنور، يتنبأ الهدهد، نتفيأ الحب، وتنتصر فكرة الإنسان)، وفي ذلك تسلسل جميل. 
ذكرى تتوهج في الدِّقة
عبدالمنعم حسن كان ثالث شعراء الحلقة، حيث ألقى "ذكرى تتوهج في الدِّقة"، وهو النص الذي وجده النقاد أنه لا يرقى إلى المستوى الذي يضمن التنافس للشاعر مع بقية شعراء الموسم، وجاء في مقاطع النص الأولى: 
قنديل الله الساطع يجثم فوق محيط الأشكال
جريئًا كالسحر الطاغي في تحديقة نسر
أدخل عبر دهاليز الأفق إلى بهوٍ من فخّار
وامرأة راكعة تكنس رمل الذكرى..
د. عبدالملك مرتاض تحدث عن اللغة المعجمية الجميلة التي يتقنها الشاعر. ومن جانب آخر يعتقد د. مرتاض أن النص لا يرقى إلى مستوى المنافسة الشرسة، وخصوصاً عندما قال الشاعر (وكذلك تبقى)، إذ هبط بمستوى الشعرية إلى النثر الرديء. 
من ناحيته اعترف د. صلاح فضل بقسوة د. مرتاض على الشاعر. معتبراً أن القصيدة تهويمة عجيبة وجميلة في أحضان الذكرى الأنثروبولوجية الإنسانية. فهي توظف تقنيات قصيدة التفعيلة بشكل جيد.
د. علي بن تميم استهشد بدايةً بما جاء في نص عبدالمنعم:
(ثمة أشياء لم تمسسها قط يد 
منذ هيولى البذرة 
وكذلك تبقى في الأبدية عائية من زيف الأسماء)
وهو ما ذكّره ببيت أبي تمام: (لا تَسقِني ماءَ المُلامِ فَإِنَّني/صَبٌّ قَدِ اِستَعذَبتُ ماءَ بُكائي). وبرأي د. بن تميم أن الحواس تتداخل في القصيدة، فيعطي الشاعر السمع للبصر، والحس للذوق أو اللمس، ومع أن القارئ والسامع يشعران بحركة الإيقاع السريعة المتدفقة اللافتة، إلا أنها لا تقود إلى، فأثناءها تولد معانٍ متلاحقةٍ لا رابط بينها. وربما كان الشاعر يشرح ذكريات فيها هسهسة وبحة لا تكاد تفهم. 

المشية الأخيرة لراحة الأرواح 
آخر شعراء الأمسية هاني عبدالجواد قدم نصه "المشية الأخيرة لراحة الأرواح"، والذي اعتمد فيه على حرف (الكاف) كقافيةٍ حيّرت د. صلاح فضل الذي لم يدرِ من يخاطب الشاعر، مفترضاً حيناً أنها تعود إلى الشعر، وحيناً إلى نفس الشاعر، أو إلى الذات الإلهية. ومن الأبيات الأولى للقصيدة قال عبدالجواد:
أمشيك مشي نبيٍّ ثم لا أجدكْ ** البحر مد يد الغرقى فأين يدكْ
أراك جداً فلا تظهر علي فقط ** لوح ليسلك درب الغيب مفتقدكْ
وحول التعدد في المرموز؛ قال د. فضل إنه أمر يحسب لهاني وليس عليه. معترفاً بأن ما لفته في جملة هاني الشعرية المتداخلة؛ التقديم والتأخير والاعتراض والاستبدال. 
أما د. علي بن تميم فبدأ من قول هاني: (وظلَّ المشتهى جسدكْ)، مؤكداً أن ليس هناك من لا يشتهي الجسد، حتى الصوفية تشتهيه بضاً رقيقاً ناعماً. وبالتالي فإن القصيدة ذات منزع صوفي، تُظهِر حالةً المكابدة فيها حرارة السالك الراغب بالوصول، ومعانة العاشق. وعليه فقد رأى د. بن تميم أن في النص مجازات مبتكرة، وتصويراً جميلاً يكشف المعاناة الصوفية في طريق السالكين. واعتبر أن الكاف الساكنة في القصيدة متعبة للشاعر وللمتلقي فالقافية قيّدت الجماليات، وذكّرته بقصيدة للشاعر شاكر الغزي بذات الوزن والقافية: (ما زلت أمنّي النفس أنّ يداً/على رأسي تُمسّدني فأين يدك).
وخاتمة الآراء النقدية كانت مع د. مرتاض. فبدأ من العنوان "المشية الأخيرة لراحة الأرواح" الذي يدل على صوفية القصيدة. مشيراً الناقد إلى أن التصوف سلوك جميل وراقٍ. 
ودعا د. مرتاض الشاعر إلى ضرورة إعادة النظر بثلاثة أمور: وهي لغته المعجمية ممثلةً بمفردتي (عياناً، فقط) لأنهما ناشزتان، وبالبيت الذي يصدم المتلقي: (أمشيك مشي نبيٍّ ثم لا أجدكْ/البحر مد يد الغرقى فأين يدكْ). ومع أنه من أجمل الأبيات النص شعرياً؛ إلا أنه فاسد نحوياً، إذ لا يجوز قول (مشي) إنما (مشية).
في حب زايد والإمارات
على مسرح "شاطئ الراحة" وقبل ختام الأمسية  شهد الجمهور مواجهة بين الشعر النبطي والفصيح ، وهي مُجاراة نالت استحسان الجمهور التي تفاعل معها بالتصفيق . حيث اجتمع الفصيح والنبطي معاً تأكيداً على أصالة الشعر النبطي ،كونه يستمد مفرداته من اللغة العربية الفصحى .
 وألقى الشاعر الأردني "قيس قوقزة" الذي شارك في الموسم السابع من "أمير الشعراء"، والشاعرالسعودي علي البوعينين التميمي الذي شارك في الموسم الخامس من "شاعر المليون"؛ شعراً في حب زايد والإمارات بما فيها من خير وجمال ومحبة. وأضافت الفقرة الشعرية  لكل من الشاعران  تواصل  ثقافي  بين شعراء الشعر النبطي و الشعر الفصيح.
شعراء الحلقة القادمة 
ثم أعلنت لجين عمران عن شعراء الحلقة الثالثة التي ستبثّ الثلاثاء القادم على الهواء مباشرة يوم 12 فبراير/شباط، ويتنافس فيها كل من أماني الزعيبي من تونس، شيخة المطيري من الإمارات، علي حسن إبراهيم سلمان من البحرين، ومبارك سيد أحمد من مصر، ويعلن خلالها عن الشاعرين المتأهلين عن الحلقة الثانية بناءً على جمع نتائج التصويت مع درجات اللجنة.