السودانيون يتمسكون بالتغيير في بلد أنهكته الانقلابات العسكرية

المؤسسة العسكرية في السودان لعبت أدوارا مهمة في تاريخ البلاد، فمنذ استقلال البلاد سنة 1956 حكم ثلاثة قادة عسكريين البلاد، التي لم تشهد فترة حكم طويلة للأحزاب المدنية.
زخم المظاهرات يعود لينذر بنهاية نظام البشير
مطالبة قادة في المؤسسة العسكرية برحيل الرئيس
خطة إعلان حالة الطوارئ للمرة الثانية خلال حكم البشير تفشل
المعارضة تناشد المجتمع الدولي حماية المتظاهرين
الحزب الحاكم يناور عبر دعم تنظيم مسيرة حاشدة الخميس

الخرطوم - دعا أنصار الرئيس السوداني عمر البشير للخروج في مسيرة مؤيدة له في الخرطوم الخميس، وفق ما أفاد حزبه، في وقت واصل آلاف المتظاهرين اعتصامهم خارج مقر القيادة العامة للجيش لليوم الخامس على التوالي مطالبين بتنحيه.

وجاء في بيان صدر عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم أن "المكتب القيادي للمؤتمر الوطني يدعم مبادرة قوى الحوار الوطني لتنظيم مسيرة حاشدة يراها الجميع الخميس"، داعيا أعضاءه في أنحاء ولاية الخرطوم للمشاركة.

ونقل البيان عن رئيس الحزب المكلف أحمد هارون قوله "أدعو المؤتمر الوطني في كل أنحاء ولاية الخرطوم للمشاركة في المسيرة لإظهار أن هناك قوى اجتماعية وسياسية حريصة على سلام وأمان واستقرار السودان".

وسلم البشير سلطاته كزعيم الحزب إلى هارون في آذار/مارس في إطار تغييرات في المناصب العليا في الدولة أعلن الرئيس عنها في مسعى لمنع تفاقم الحركة الاحتجاجية التي اندلعت ضد حكمه منذ أربعة أشهر.

وتأتي محاولة حزب المؤتمر الوطني لامتصاص غضب المحتجين، بعد أن استأنفت المظاهرات في المدن السودانية هذا الأسبوع رغم إعلان حالة الطوارئ في البلاد.

ويستشعر نظام البشير قرب النهاية خصوصا بعد مطالبة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وهو حزب المعارضة الرئيسي بالسودان، أمس الثلاثاء مناشدة المجتمع الدولي حماية المتظاهرين.

وقال المهدي خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء إن نحو 20 شخصا قتلوا فيما أصيب العشرات خلال هجمات نفذت فجرا على اعتصام المحتجين أمام وزارة الدفاع في الخرطوم.

ودعا المهدي إلى "تسليم السلطة لقيادة عسكرية مختارة مؤهلة للتفاوض مع ممثلي الشعب لبناء النظام الجديد المؤهل لتحقيق السلام والديمقراطية".

في المقابل قال الناطق الرسمي باسم الشرطة اللواء هاشم على عبدالرحيم إن "مجموعات منفلتة استغلت الوضع الذي مرت به البلاد في الأيام الفائتة وقامت بنهب وسلب عدد من المواطنين في الطرقات والأسواق بمناطق متفرقة من العاصمة".

وواصل اليوم الأربعاء آلاف المحتجين ولليوم الخامس على التوالي الاعتصام أمام المجمع الموجود بوسط الخرطوم والذي يضم وزارة الدفاع ومقر إقامة البشير والأجهزة الأمنية.

ومنذ أن حدد تجمع المهنيين الذي يقود الاحتجاجات أن هدفه هو القيادة العامة للقوات المسلحة وأن على الجيش أن يتخذ موقفا واضحا مع الحراك الشعبي، عاد الزخم للمظاهرات وتجمع المحتجون بالملايين.

الشباب في السودان يحاول الأخذ بزمام التغيير
الشباب في السودان يقود التغيير

ويقول مراقبون للشأن السوداني إنه من المرجح أن يصطف الجيش إلى جانب المتظاهرين في خطوة مماثلة لما حصل في الجزائر، حيث تواترت أنباء عن مطالبة قادة في المؤسسة العسكرية برحيل البشير.

ولعبت المؤسسة العسكرية في السودان أدوارا مهمة في تاريخ البلاد، فمنذ استقلال البلاد في يناير/كانون الثاني 1956، حكم ثلاثة قادة عسكريين البلاد، في حين لم تكن مدة حكم الأحزاب المدنية طويلة.

وتمكن الجنرال إبراهيم عبود في 1958 من الوصول إلى السلطة وتسلم الحكم في انقلاب عسكري، ليتم الإطاحة به من قبل الجنرال جعفر النميري عبر انقلاب عسكري جديد في 1969.

وأقر النميري الشريعة الإسلامية في 1983 كما فرض قوانين متشددة في البلاد بالتعاون مع مجموعة من الإسلاميين بقيادة حسن الترابي.

وكانت تلك القوانين سبباً في تجدد الحرب الأهلية في جنوب البلاد، وكانت المحفز الأكبر في الانتفاضة الشعبية ضد الحكم العسكري في أبريل/نيسان 1985.

وفي 1989، سيطرت الإسلاميون على كرسي الحكم، بعد انقلاب قاده عمر حسن البشير على حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، التي جاءت للحكم عبر انتخابات ديمقراطية، بعد سنة واحدة من إسقاط حكم النميري.

والبشير الذي دعمه الإسلاميون السودانيون بقيادة حسن الترابي، قام خلال فترة حكمه بتطهير المؤسسة العسكرية من العناصر الوطنية السودانية ليتمكن من السيطرة تماما على الجيش من خلال مجموعة قيادية حولته إلى وحدة من مؤسسات الإخوان المسلمين في البلاد.

وفي أواخر سنة 1999 خرجت اتهامات بالفساد بين المجموعة الإسلامية الحاكمة وحدث أكبر انقسام بين الإخوان في البلاد توترت بعده علاقة البشير والترابي.

وأعلن بعدها البشير حالة الطوارئ لثلاثة أشهر، وحل البرلمان للحيلولة دون توصل حوار في البرلمان لإجراء تعديلات دستورية تحد من سلطاته.
وشهد السودان خلال 30 عاما من حكم البشير حروبا في الجنوب قادته إلى الانفصال في 2011، وفي غربه راح ضحيتها عشرات الآلاف، فيما عانى شرق البلاد عزلة دولية لم يسبق لها مثيل، حيث تدهور الاقتصاد وانهارت المؤسسات الحكومية.

وفي 1993 أدرجت الولايات المتحدة السودان ضمن قائمتها للدول التي ترعى الإرهاب وفي 1997 فرضت عقوبات اقتصادية وتجارية على البلاد بداعي دعم نظام البشير تنظيمات إسلامية، بعد أن استضاف أسامة بن لادن.

وفي 2008 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق البشير، وجرى اتهامه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، وطلبت مثوله أمام المحكمة، في خطوة غير مسبوقة ضد رئيس دولة لا يزال في سدة الحكم. وبعد سنة ألحقت نفس المحكمة مذكرة قبض ثانية ضد البشير، في اتهامات بالإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، مما قيد حركته الخارجية.

وفي 2015 بدأت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تخفيف العقوبات تدريجيا على الخرطوم شريطة الالتزام بتنفيذ "خطة المسارات الخمسة" التي تدعو إلى مكافحة الإرهاب والتعاون لمعالجة النزاعات الإقليمية.

لكن الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ عقود وانتشار الفساد والتضييق على الحريات السياسية والفردية في البلاد، ساهمت في فشل نظام البشير على احتواء أطول فترة احتجاجات تشهدها البلاد منذ 19 ديسمبر/كانون الأول.

وفي فبراير/شباط الماضي أعلن البشير أنه سيستجيب لمطالب المتظاهرين ويتنحى، لكنه أعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة عام.

وأثار إعلان البشير عدم ترشحه للرئاسة مرة أخرى في انتخابات 2020، حفيظة معارضيه وطالبوا على إثرها بتنحيه فورا وقرروا استمرارهم في الاحتجاجات.