السودانيون يفتقدون نكهات رمضان مع رائحة البارود والنار

أكثر من 6 ملايين نازح في دور الإيواء في المدارس والجامعات بمناطق مختلفة، يعتمدون على مساعدات إغاثية لا تصلهم غالبا بسبب القتال.

الخرطوم - اختلفت الاستعدادات لرمضان في السودان هذا العام مع استمرار الحرب في عدة مناطق البلاد، وتأثر المناطق الأخرى التي لم تشهد القتال بسبب موجات النزوح الكبيرة ونقص الإمدادات الغذائية والعلاجية.

وانعدام السلع والمواد الغذائية وارتفاع أسعارها وصعوبة الحصول عليها، هو المعلم الأبرز لرمضان وحديث الساعة بين السودانيين الذين يتطلعون لإنهاء الحرب في بلادهم.

واعتاد السودانيون على مر السنيين على أجواء خاصة تسبق حلول شهر رمضان، حيث تطالع رائحة صناعة المشروب الشعبي الشهير “الحلو مر” المنتشرة في الأحياء السكنية في المدن والقرى.

كما درجت النسوة على التجمع في البيوت قبل حلول شهر رمضان لصناعة “الحلو مر”، وتجهيز طحين القمح والذرة لإعداد “العصيدة” إحدى أعمدة المائدة الرمضانية الأساسية التي يتم تناولها، و”التقلية” التي تصنع من اللحم المفروم.

إلا أن تلك الأجواء سوف تتلاشى خلال شهر الصوم هذا العام، بسبب الحرب التي حرمت السودانيين من بهجة رمضان، فرائحة البارود والنار غطت على رائحة “الحلو مر”، والنزوح هو العنوان العريض بدلا من التجمع على موائد رمضان.

 

انعدام السلع والمواد الغذائية وارتفاع أسعارها وصعوبة الحصول عليها، هو المعلم الأبرز لرمضان وحديث الساعة بين السودانيين الذين يتطلعون لإنهاء الحرب في بلادهم.

وتتواصل في السودان منذ 15 أبريل/ نيسان 2023، حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، خلّفت نحو 13 ألفا و900 قتيل، وما يزيد على 8 ملايين نازح ولاجئ وفقا للأمم المتحدة.

كما يحل رمضان هذا العام على السودان، في ظل وجود أكثر من 6 ملايين نازح في دور الإيواء في المدارس والجامعات بمناطق مختلفة، يعتمدون على مساعدات إغاثية لا تصلهم غالبا بسبب القتال.

ويبدو الوضع في الخرطوم وولايات دارفور(غرب)، وكردفان (جنوب)، والجزيرة (وسط)، وأطراف ولايتي النيل الأبيض (جنوب)، وسنار (جنوب شرق)، أشد صعوبة، حيث تنعدم الخدمات الأساسية والمواد الغذائية مع اشتداد المعارك مؤخرا.

وزاد من تفاقم الأوضاع غياب تطبيق البنوك لتحويل الأموال بسبب انقطاع الاتصالات لأسابيع بالخرطوم والجزيرة، وكذلك ضعف الاتصالات في الولايات الأخرى لأن معظم المتواجدين في هذه المناطق يعتمدون على مساعدات مالية من الأهل والأصدقاء.

كما أن السكان في الخرطوم يعتمدون على المطابخ الجماعية التي يديرها متطوعون يقومون بتوزيع الطعام لأهالي كل حي.

وهذه المطابخ الجماعية تعاني أيضا من توقف الدعم، بسبب انقطاع الاتصالات وخدمات التحويلات البنكية عبر تطبيقات الهواتف، لأنها تعتمد على مساهمات الخيرين وعدد من المنظمات الإنسانية، ما يجعل من رمضان شهرا صعبا عليهم.

وللتغلب على هذه المعضلة، ظهرت مبادرات بين السودانيين في الخارج لجمع الأموال لإعداد سلات رمضانية تعين المتواجدين داخل البلاد.

وبحسب الإحصائيات الأممية فإن حوالي 25 مليون سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة. كما أن البلاد على شفا كارثة جوع جراء استمرار الحرب بحسب برنامج الأغذية العالمية، حيث أن 90 بالمئة من السكان يواجهون مستويات الطوارئ من الجوع، وهم عالقون في مناطق لا تستطيع الوكالات الإنسانية الوصول إليهم.

والمعلمة سارة المبارك وهي نازحة من الخرطوم إلى مدينة عطبرة شمالي السودان، قالت إن رمضان هذا العام غير (مختلف) مع الحرب اللعينة و تداعياتها والنزوح.

وأكدت أن “المعاناة شديدة، ونحن نازحون لا نستطيع توفير احتياجات رمضان من أواني وسلع رمضان الأساسية”. وأضافت المعلمة أن “الأسعار مرتفعة في الولايات، ولا توجد مرتبات منذ شهور، وكل أسعار السلع الأساسية زادت وتضاعفت بشكل غير معقول”.

وأشارت إلى أن “الظروف الإنسانية للسودانيين سيئة والوضع كارثي”، وعبرت عن أملها في أن تتوقف الحرب ويعود الأمن والاستقرار في البلاد ويتحسن الوضع الاقتصادي. أما في العام الماضي، وفي مثل هذا الوقت كانت كل احتياجات رمضان متوفرة للسودانيين.

أما المواطن ناجي عثمان من مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان (جنوب)، قال “يحل رمضان علينا ونحن في أصعب الأوقات، ونفتقد كل شيء، فغياب الأمان وصعوبة التنقل مع استمرار الحرب عطل أشغالنا”.

وأضاف أن “الترتيبات لرمضان هذا العام ضعيفة للغاية لارتفاع الأسعار وشح البعض منها، ونفتقد كل تفاصيل رمضان السابقة التي كنا نصل فيها الأرحام ونتزاور بشكل كبير”.

وأعرب عن أمله في “توقف الحرب، فنحن نحب الشهر الكريم لأنه شهر خير وعبادة ويزيد من الترابط الاجتماعي، حيث كنا نجتمع في الإفطار الجماعي”.

ويخشي ناجي أن يؤدي استمرار القتال خلال رمضان إلى غياب ما اعتاد على فعله في رمضان، وهو الإفطار في الشارع في مجموعات.

واعتاد السودانيون عند حلول شهر رمضان على جمع ما لديهم من طعام وشراب، والخروج به إلى الشوارع والطرقات لمشاركة الآخرين الإفطار الرمضاني.

وتزايدت الدعوات الإقليمية والدولية لوقف الأعمال العدائية خلال شهر رمضان في السودان، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، و رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي موسى فكي، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين ابراهيم طه لوقفها.

والجمعة، تبنى مجلس الأمن الدولي، قرارا يطالب بوقف إطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان.

وتم تبني القرار بأغلبية 14 صوتا فيما امتنعت روسيا عن التصويت، ويدعو القرار طرفي الصراع إلى وقف فوري للأعمال العدائية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، بشكل كامل وسريع وآمن وبدون عوائق، بما في ذلك عبر الحدود وخطوط المواجهة.

ورحبت وزارة الخارجية السودانية، بدعوة غوتيريش، لوقف “الأعمال العدائية” في البلاد خلال شهر رمضان، واشترطت تنفيذ قوات الدعم السريع لالتزاماتها باتفاق جدة والانسحاب من ولايتي الجزيرة وسنار.

والخميس، دعا الأمين العام للأمم المتحدة طرفي النزاع في السودان إلى “وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان ورفع صوت السلام”. وخلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، قال غوتيريش “أدعو جميع الأطراف في السودان إلى احترام قيم رمضان من خلال وقف الأعمال العدائية”.

ورحبت قوات الدعم السريع السودانية السبت بالدعوة التي أطلقها مجلس الأمن والتي ستوفر فترة راحة محتملة في الصراع المستمر منذ 11 شهرا. وأسفرت محادثات برعاية سعودية أميركية، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مايو/أيار 2023، عن أول اتفاق في جدة بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين، وإعلان أكثر من هدنة وقعت خلالها خروقات وتبادل للاتهامات بين طرفي النزاع، ما دفع الرياض وواشنطن لتعليق المفاوضات.