السوداني في مأزق الموازنة بين مصالح الولايات المتحدة والميليشيات المسلحة

واشنطن تظل شريكا حاسما لبغداد في الحرب ضد داعش كما أن البنك المركزي العراقي يعتمد على سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من أجل أن يحصل على احتياطه من العملات الاجنبية البالغ 100 مليار دولار.

بغداد - يواجه رئيس الوزراء العراقي محمد الشياع السوداني تحدي تحقيق التوازن في العلاقات المعقدة ما بين ميليشياته الشيعية وبين الولايات المتحدة، فالعراق على مفترق طرق في قلب الشرق الأوسط بسبب الديناميكيات المعقدة للصراع بين إسرائيل وحماس.

ويشير معهد "المجلس الأطلسي" الأميركي في تقرير له إلى أن السوداني يواجه مأزقا صعبا، إذ يتحتم عليه تحقيق توازن دقيق بين مصالح الولايات المتحدة والجماعات المسلحة التي تعمل كشركاء داخل حكومته بينما تحظى بنفوذ سياسي كبير عليها، مضيفا أن تقاعس السوداني عن تلبية مطالب مختلف الاطراف الفاعلة داخل العراق لا يعد خيارا.

ورأى التقرير أن تقاعسا كهذا قد يؤدي الى إقالته من منصبه، مما سيخلق عدم استقرار سياسي وأمني في البلد ويفاقم من تعقيد الوضع الهش، وهو ما يشكل خطرا على العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق والشرق الاوسط الاوسع، حيث يصبح من الصعب على السوداني ان ينجح في تحقيق التوازن بين مطالب الميليشيات التي تتمتع بالتأثير، مع الحفاظ في الوقت نفسه على العلاقة مع الولايات المتحدة.

وهذا الوضع الدقيق يؤكد على أهمية زيارة وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن من أجل التعامل مع الديناميكيات المعقدة وتعزيز الاستقرار في المنطقة، فالسوداني يدرك أيضا قيمة العلاقات مع الولايات المتحدة ولهذا فإنه عبر عن دعمه لاستمرار وجود القوات الأميركية في العراق.

 لكن مع تصاعد الحرب في غزة، فإن السوداني قد يفقد السيطرة ويتعرض لضغوط هائلة من داخل ائتلافه ومن منافسيه مثل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مضيفا أنه في ظل هذه البيئة الحافلة بالمخاطر، فإن الحل الدبلوماسي السلمي يبقى هو الأسلوب الأكثر حكمة لتجنب المزيد من الاضطرابات وتمدد الصراع إلى المنطقة الأوسع.

تقاعس السوداني عن تلبية مطالب مختلف الأطراف الفاعلة داخل العراق لا يعد خيارا وقد يؤدي الى إقالته من منصبه

وذكر التقرير بأن العراق هو الدولة العربية الوحيدة التي رفضت التوقيع على اتفاقية هدنة مع اسرائيل منذ الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1948، وهو ما يعني أن العراق تقنيا في حالة حرب مع اسرائيل، وهو بمثابة عداء تاريخي يؤثر بشكل كبير على موقفه في الحرب الجارية حاليا.

ويرفض العراق الاعتراف بإسرائيل كدولة وبالإضافة إلى ذلك، أصدر قوانين تجرم أي علاقات معها، ويشكل هذا العداء الطويل الخلفية التي تتم من خلالها صياغة موقف العراق الحالي بشأن الحرب بين حماس واسرائيل.

ويشهد العراق مواقف متضاربة منذ هجوم 7 اكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث أن الموقف الرسمي للحكومة يتمحور حول الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، والدعوة إلى اقامة دولة فلسطينية وفتح ممرات إنسانية لسكان غزة، فيما رئيس البرلمان محمد الحلبوسي دعا إلى عقد قمة برلمانية عربية في بغداد، وهو ما يسلط الضوء على نهج العراق الاستباقي في التعامل مع الصراعات الإقليمية.
وفي اليوم الأول للحرب أصدرت الحكومة العراقية بيانا أكدت فيه على التزامها بالقضية الفلسطينية، محملة اسرائيل مسؤولية عواقب الهجوم باعتبار أنه "نتيجة طبيعية للقمع الممنهج الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ زمن طويل على يد سلطة الاحتلال الصهيونية".

كما قام السوداني بخطوات دبلوماسية مهمة من خلال إجراء مكالمات هاتفية مع الزعماء العرب والاقليميين، وتلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الأميركي جو بايدن في 16 تشرين الاول/أكتوبر، وهو ما يعكس إدراك واشنطن لتأثير الصراع في غزة على المنطقة بأكملها وعلى دور العراق.

وأشار التقرير إلى التوترات بين الولايات المتحدة والعديد من الجماعات العراقية المسلحة والمتحالفة مع إيران والمنخرطة في صلب العملية السياسية، والتي شارك العديد منها في هجمات على المصالح الأميركية في العراق وسوريا خلال الأعوام السبعة الماضية، لكن منذ تولي السوداني رئاسة الحكومة تراجعت هذه التوترات بشكل ملحوظ، لأسباب من بينها اصطفاف غالبية هذه الجماعات مع تحالف السوداني لتشكيل حكومة، مما كان يتطلب هدنة مؤقتة مع الولايات المتحدة.

ويفاقم الصراع في غزة من تعقيد علاقة العراق مع الولايات المتحدة، خصوصا أن الجماعات المسلحة استأنفت الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على المصالح الأميركية في العراق، إذ من المتوقع أن يتفاقم هذا التهديد طالما تواصلت حرب اسرائيل وحماس، في حين أن العديد من قادة الميليشيات العراقية الموالية لإيران، بما في ذلك شخصيات بارزة مثل هادي العامري وجماعات مثل كتائب حزب الله، أصدروا بيانات تشيد بهجوم حماس وهددوا المصالح الأميركية في العراق في حال تدخلت واشنطن لصالح عن اسرائيل.

كما أن رجل الدين المؤثر مقتدى الصدر دعا الحكومة الى إنهاء المهمة الأميركية في العراق رسميا وإغلاق السفارة، الا أنه رفض اللجوء الى العنف ضد الدبلوماسيين الأميركيين، كما حذر من أنه يبحث في اتخاذ إجراءات أخرى في حال لم تستجب الحكومة العراقية لمطالبه.

وترتبط هذه المواقف جزئياً بالتنافس الداخلي، ما بين المعسكرات الموالية لإيران وبين كتلة الصدر، غير أن القضية الفلسطينية تظل موضوعا حساسا وشعبيا وتحظى بدعم معظم الشخصيات السياسية.

ومن الأمثلة التي تسلط الضوء على أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق، أن واشنطن تظل شريكا حاسما للعراق في الحرب ضد تنظيم داعش، كما ان الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كبير على علاقاته مع الولايات المتحدة، اذ يعتمد البنك المركزي العراقي على سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من أجل ان يحصل على احتياطه من العملات الاجنبية البالغ 100 مليار دولار.

ويوجد عنصر آخر يؤخذ بعين الاعتبار وهو المتعلق بكيفية منح واشنطن العراق اعفاءات محددة من العقوبات من أجل قطاع الكهرباء وسمحت له بالقيام بعلاقات تجارية مع طهران، على الرغم من العقوبات الأميركية على إيران.

لذلك فإن زيارة بلينكن الى بغداد في 5 تشرين الثاني/نوفمبر تعكس أهمية كبيرة لأن العراق تأثر وسيظل متأثرا بحرب غزة، خصوصا أنه الدولة الوحيدة في المنطقة التي تستضيف الالاف من الجنود الأميركيين والجماعات المسلحة المعارضة للولايات المتحدة والموالية لإيران تاريخيا، وهو ما يؤكد على صورة دور العراق الاستثنائي وغير المستقر في المشهد الجيوسياسي الأوسع.