السودان لا يغادر مربع الأزمة مع انهيار الجنيه والجمود السياسي
الخرطوم - يزداد الوضع في السودان قتامة مع انهيار جديد في قيمة الجنيه بنحو 3 بالمئة إلى 465 جنيها للدولار في السوق السوداء اليوم الأحد وارتفاع معدل التضخم إلى مستوى قياسي جديد ليبلغ 359.09 بالمئة في 2021 ارتفاعا من 163.26 بالمئة في 2020، وفق جهاز الإحصاء السوداني الرسمي، بينما تستمر الاحتجاجات المناوئة لنظام الحكم بوتيرة تصاعدية.
ويأتي تراجع قيمة العملة الوطنية السودانية مع تصاعد الطلب على الدولار بسبب استمرار حالة عدم اليقين بعد انقلاب في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وحالة الجمود السياسي رغم مبادرة أممية لإنهاء الأزمة بين السلطة العسكرية التي يقودها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان والقوى المدنية التي استبعدها من المشاركة في المرحلة الانتقالية.
واستقر الجنيه السوداني إلى حد كبير في الأشهر الماضية بعد أن انخفضت قيمته بشكل حاد في فبراير/شباط 2021 في إطار إصلاحات اقتصادية نفذتها حكومة انتقالية وراقبها صندوق النقد الدولي.
وحل القادة العسكريون الحكومة في الانقلاب قبل إعادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في محاولة لحماية الإصلاحات، لكنه استقال في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال تاجر في العاصمة الخرطوم "الناس يشترون الدولارات لحماية أصولهم خوفا من تدهور الوضع في البلاد، وهناك طلب كبير".
وكان الدولار يُباع بحوالي 450 جنيها الأسبوع الماضي، فيما كانت الفجوة بين السوق الموازية وأسعار الصرف الرسمية ضئيلة في الغالب في الأشهر القليلة الماضية.
وبدأت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي مشاورات في محاولة لكسر الجمود بين القادة العسكريين والجماعات المدنية المؤيدة للديمقراطية وتجنب خطر المزيد من عدم الاستقرار.
وقبل الانقلاب، أبدى الاقتصاد السوداني علامات على الاستقرار بعد سنوات من الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019.
وتأتي هذه التطورات بينما واجه المجلس العسكري في السودان موجة احتجاجات جديدة الأحد مع تنديد أطباء باستهداف مستشفيات ورفض مزارعين رفع أسعار الكهرباء ومطالبة وسائل إعلام بالحقّ في تغطية التطوّرات في البلاد.
وفي الخرطوم، سلّم عشرات الأطباء مكتب المدعي العام تقريرين عن هجمات على جرحى وطواقم طبيّة ومستشفيات خلال حملة قمع المحتجين على انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى وقوع هجمات "على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها منذ نوفمبر 2021 في الخرطوم ومدن أخرى، تأكَّد منها وقوع 11 هجوما".
قالت الطبيبة المتظاهرة هدى أحمد "ظللت طوال أيام المواكب أعمل في مستشفى الخرطوم، أطلقوا علينا الغاز داخل المستشفى ودخلت القوات إلى قسم الطوارئ" .
ويؤكد الأطباء أنه يتم باستمرار إخراج مصابين من سيارات الإسعاف أو أسرة المستشفيات وتعرض الأطباء لاعتداءات تصل إلى الضرب حتى وهم داخل غرف العمليات.
ورغم القمع الذي أسفر عن مقتل 64 متظاهرا وشرطي واحد، يدعو المجتمع المدني إلى تظاهرات جديدة الاثنين للمطالبة بإعادة المدنيين إلى السلطة واستكمال الانتقال الديمقراطي الذي بدأ عام 2019.
وتظاهر مواطنون الأحد شمال البلاد احتجاجا على غلاء المعيشة في واحدة من أفقر دول العالم. وأعلنت وزارة المال الأسبوع الماضي أنها ستضاعف سعر الكهرباء، لكنها واجهت سخطا واسعا دفعها لتجميد القرار.
لكن التجميد لم يقنع الجميع، فقد أغلق مئات المتظاهرين طرقا شمال البلاد تربط بمصر للمطالبة بإلغاء الزيادة نهائيا.
وقال متظاهر يدعى حسان إدريس "لن تمر أي مركبة إن لم تلغ السلطات هذه الزيادة لأنها بمثابة توقيع على وثيقة وفاة الزراعة المحلية".
ويُنذر أي ارتفاع في الأسعار أو إلغاء للدعم الحكومي على المواد الأساسية بتفاقم حدة الأزمة الاقتصادية العميقة التي يغرق فيها البلد، فيما توقعت الأمم المتحدة أن 30 بالمئة من السكان سيحتاجون لمساعدة إنسانية عام 2022.
وقد فجّرت مضاعفة سعر الخبر ثلاث مرات الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018 وأدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير في العام التالي.
وفي تطور آخر، بدأ وزير الخارجية السوداني السابق إبراهيم غندور المسجون منذ انتفاضة 2019، إضرابا عن الطعام مع عدد من المسؤولين السابقين، وفق ما ذكرت عائلته الأحد مطالبة "بإطلاق سراحهم أو مثولهم أمام محكمة نزيهة".
وكانت النيابة قد قررت مؤخرا الإفراج عن عدد من مسؤولي نظام البشير، لكن البرهان الذي يتولى قيادة السودان بمفرده أمر باستمرار احتجازهم.
ونددت عائلة الغندور في بيان بحدوث "أول تدخل غير مسبوق في العدالة في بلادنا"، فيما تشهد البلاد تظاهرات مناهضة للبرهان متهمة إياه بالسعي لإعادة إلى الحكم مسؤولي النظام القديم الذي يتحدر منه هو نفسه.