السودان.. مواقف هيئة الفقهاء أيام الإخوان وبعدهم!

رئيس هيئة التقديس يعتبر أن النظام الحاكم وضع أساس الشريعة ويقترح ضرورة خلق عقد اجتماعي إسلامي لإكمال تطبيق الدين لكن بعد سقوط النظام عاد ليقول: النظام البائد كان سادرا في غيه بالرغم من أنه كان يرفع شعارات الحكم بالإسلام.

كتب بابكر فيصل الكاتب السودني على صفحة "الحرة"(5/9/2019) يقول:  طوال فترة حكم نظام الإخوان المسلمين الذي ترأسه الطاغية المخلوع عمر البشير عملت تلك الهيئة على تقديم الإسناد والمبرر الديني للسياسات والقرارات الحكومية، ولم تتخذ أية مواقف واضحة تعلن انحيازها للموقف الجماهيري، خصوصا فيما يتعلق بقضايا كبت الحريات والفساد ونهب الثروات والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الاستهلاكية وإزهاق الأرواح في الحروب الأهلية العبثية وغير ذلك من القضايا.

كان محمد عثمان صالح (رئيس هيئة علماء السودان) يرى صلاحية نظام الحكم الاستبدادي باعتبار أنه طبق شرع الله، ففي حواره مع صحيفة "المجهر السياسي" في يناير 2013 سئل السؤال التالي: هل تعتقد أن الحكومة نجحت في تطبيق الشريعة الإسلامية؟ فأجاب بالقول: "الحكومة وضعت الأساس من خلال سن القوانين والتشريعات، لكن (الكمال لله) وما تحتاجه الحكومة الآن في هذه المرحلة هو عقد اجتماعي إسلامي".

إذن، رئيس هيئة التقديس يعتبر أن النظام الحاكم وضع أساس الشريعة ويقترح ضرورة خلق "عقد اجتماعي إسلامي" لإكمال تطبيق الدين، وبغض النظر عن طبيعة العقد الذي يدعو له والذي يستند إلى الدين في بلد متعدد الأديان والذي يفترض أن يقوم فيه عقد اجتماعي مدني يشمل جميع المواطنين، إلا أن إجابة صالح توحي برضائه التام عما قام به النظام في إطار تطبيق الشريعة ويرجو إكماله عبر خطوات أخرى.

لم يكتف رئيس هيئة التقديس بهذه التصريحات، بل إنه ظهر في لقاء تلفزيوني بُعيد اندلاع الثورة وخروج التظاهرات في ديسمبر الماضي وأدلى بتصريحات أبدى خلالها موافقته على قمع من أسماهم "المخربين المسلحين" في وسط المتظاهرين.

ويوضح الكاتب ما كانت تعمله هيئة التقديس قائلاً: على تأكيد الادعاءات الكاذبة التي روجت لها الأجهزة الأمنية للنظام وزعمت فيها أن التظاهرات مدعومة من قبل أجهزة استخبارات خارجية وأنها ألقت القبض على مجموعة من أبناء دارفور اعترفوا بتلقيهم تدريبا في إسرائيل، حيث اتهم عضو الهيئة، عبد الجليل النذير الكاروري، المتظاهرين بالعمالة، وقال إن "دعاة التخريب وحرق ممتلكات الشعب عملاء للدوائر الأجنبية والموساد".

لم يكن غائبا عن عبد الحي يوسف ووفد هيئة التقديس الذي اجتمع بالطاغية أن أس المشكلة هو الرجل الذي ذهبوا لمناصحته وتناول العشاء معه، وأنه هو من أطلق أيادي بطانته الفاسدة في سرقة المال العام ونهب الثروات وقتل الأبرياء وتكميم الأفواه، ومع ذلك لم يجرؤ أي شخص منهم على مطالبته بالتخلي عن كرسي السلطة بحكم مسؤوليته المباشرة عما آلت إليه أحوال البلاد من تردي شامل.

غير أن رأس هيئة التقديس فاجأ الجميع بتصريحات مختلفة الأسبوع الماضي قال فيها إن "النظام البائد كان سادرا في غيه بالرغم من أنه كان يرفع شعارات الحكم بالإسلام، لكنها لم تجد طريقها إلى التطبيق لذلك أزاله الله بحسب سننه الكونية".

هذا التحول في خطاب صالح يعكس حالة نموذجية من حالات النفاق، وهو في حقيقته يهدف لركوب موجة الثورة وتغيير جلد هيئة علماء السلطان، إذ رأينا كيف صمتت الهيئة طوال ثلاثين عاما عن مفاسد السلطة وقالت على لسان رئيسها إنه لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم الذي التزم جانب الدين وما انفك ينشد الكمال في تطبيق الشريعة.

ويختم الكاتب مقاله بالقول: من الجلي أن علماء السلطان أطلوا برأسهم من جديد في محاولة يائسة لتغيير جلودهم وغسل أياديهم عن النظام البائد، ولكن الوعي الثوري الذي اتسمت به الجماهير وخصوصا الأجيال الطالعة كفيل بأن يضع حدا لممارسات رجال الدين المرتبطين بالسلطة، وهي الممارسات التي لم تجن من ورائها البلاد سوى التمكين الشديد للكبت والفساد والاستبداد باسم الإسلام.

نُشر في صفحة الحرة الأمريكية

ملخص مقال: "السودان: علماء السلطان يبدلون جلودهم"