السودان يشرع أبوابه للاستثمارات الروسية لاستقطاب الدعم العسكري
الخرطوم - في خطوة تُظهر تقاربًا متزايدًا بين الخرطوم وموسكو، أكد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني، جبريل إبراهيم، دعم بلاده اللامحدود للاستثمارات الروسية في مختلف القطاعات، مشيرًا إلى استعداد الحكومة لدراسة جميع المقترحات الاستثمارية المقدمة من الجانب الروسي، بما يتناسب مع أولويات السودان في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عام في موقف يمكن أن يثير غضب الولايات المتحدة، حيث يتضمن توجها واضحا لاستقطاب الدعم العسكري الروسي.
جاء هذا التصريح خلال اجتماع رسمي عقده الوزير السوداني مع السفير الروسي لدى الخرطوم، أندريه تشيرنوفول، بحضور وفد من رجال الأعمال الروس، حيث استعرض الطرفان الفرص الاستثمارية المتاحة في السودان، وسبل تنشيط التعاون الثنائي في مجالات متعددة، من أبرزها: الزراعة، الطاقة، البنية التحتية، والطيران المدني.
وفي بيانه الرسمي، شدد إبراهيم على أن تنمية التعاون الاقتصادي مع روسيا يُعد أولوية استراتيجية، داعيًا إلى تحقيق منافع مشتركة تسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني، وتعزز فرص الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب مضيفا "نرحب بكافة الاستثمارات الروسية، وسنشرع فورًا في تقييم الحاجات الوطنية لضمان توافقها مع سياساتنا في مرحلة إعادة البناء".
لكن خلف هذا الانفتاح الاقتصادي، تقف أبعاد استراتيجية وعسكرية أوسع تثير اهتمام القوى الدولية، خصوصًا الولايات المتحدة الأميركية. فقد برزت روسيا خلال السنوات الأخيرة كفاعل رئيسي في الساحة السودانية، مدفوعة برغبتها في توسيع حضورها في القرن الإفريقي، وتأمين موطئ قدم استراتيجي على ساحل البحر الأحمر، أحد أهم الممرات المائية في العالم.
ورغم الاتهامات التي وجهت لموسكو في بعض المراحل بدعم قوات الدعم السريع لكن يبدو ان هنالك توجه من الحكومة السودانية لتعزيز التعاون مع الجانب الروسي بهدف استقطاب دعم عسكري.
ويعود هذا التوجه إلى اتفاقيات سابقة وقّعتها موسكو والخرطوم، من بينها اتفاق عسكري أولي تم الإعلان عنه في العام 2017، تضمن بندًا يمنح روسيا الحق في إنشاء قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان، تسمح لها بإرساء أربع سفن حربية في وقت واحد، بينها سفن تعمل بالطاقة النووية. وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية واجهت عراقيل خلال الفترات الانتقالية التي مر بها السودان، فإن التصريحات الأخيرة تشير إلى رغبة متجددة من الطرفين في إحياء المشروع، لا سيما في ظل الانشغال الغربي بالأزمة الأوكرانية وتراجع التأثير الأوروبي في إفريقيا.
ولا يمر هذا التقارب مرور الكرام في واشنطن، التي تُبدي قلقًا متزايدًا من تمدد النفوذ الروسي في القارة الإفريقية، وخاصة في المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية كالبحر الأحمر. وترى دوائر القرار الأميركي أن أي تمركز روسي في سواحل السودان من شأنه أن يعزز قدرة موسكو على التأثير في حركة الملاحة الدولية، ويوفر لها منفذًا استراتيجيًا لدعم شركائها في المنطقة.
من جهة السودان، ورغم استمرار الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع، فإن القيادة السودانية الحالية تسعى إلى فتح منافذ اقتصادية جديدة تساعدها في تجاوز العزلة، وجذب استثمارات تُسهم في استعادة الثقة بالاقتصاد المحلي. وكان السودان قد عرض في ديسمبر/كانون الاول الماضي على الشركات الروسية حقوق استغلال 20 حقلًا نفطيًا، في خطوة واضحة لتعزيز الشراكة مع موسكو في قطاع الطاقة، وهو ما اعتبره مراقبون تمهيدًا لصفقات أكبر ذات أبعاد سياسية وعسكرية.
وفي خطوة تعكس جديّة الطرفين، اتفق الجانبان السوداني والروسي على تشكيل لجنة وزارية مشتركة تضم ممثلين عن وزارات المالية، الطاقة، والتجارة، إلى جانب ممثلين من القطاع الخاص السوداني والشركات الروسية، بهدف تسريع إجراءات الاستثمار وتذليل العقبات أمام المستثمرين الروس.
وبينما يواصل السودان جهوده للخروج من دائرة الصراع الأهلي، تبدو بوابة موسكو فرصة سانحة لإعادة التموضع السياسي والاقتصادي، لكنها في الوقت ذاته قد تضع الخرطوم مجددًا في قلب صراع النفوذ بين الشرق والغرب، لا سيما إذا ما تم المضي قدمًا في ملف القاعدة البحرية الروسية على البحر الأحمر.
ومع غياب مؤشرات قريبة على نهاية الحرب الداخلية، تبدو الحكومة السودانية عازمة على استثمار علاقاتها الدولية لموازنة الضغوط، وتنويع مصادر الدعم، في وقت تستمر فيه القوى الدولية، وعلى رأسها واشنطن، في مراقبة التحولات السودانية عن كثب، بقلق لا يخفيه التصعيد الدبلوماسي الأخير تجاه تمدد روسيا في القارة الإفريقية.