السياحة اكبر ضحية للهجمات على الولايات المتحدة

لندن ـ من عبد الكريم حمودي
بقايا السياح في الهند

تتواصل التداعيات الاقتصادية لحوادث التفجير الهائلة التي ضربت نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من ايلول/سبتمبر بالبروز يوماً بعد آخر، ولعل من أبرز التداعيات ما أصاب صناعة النقل الجوي ليس في الولايات المتحدة وحسب بل امتدت آثارها لتشمل أكثر شركات الطيران في العالم.

ففي الولايات المتحدة خسرت صناعة النقل الجوي مليارات الدولارات حتى الآن، وهي أضخم خسائر تتعرض لها هذه الصناعة في تاريخها مما دفع بالإدارة الأميركية إلى إقرار مساعدات عاجلة بقيمة 15 مليار دولار لمنع هذه الصناعة الاستراتيجية من الانهيار، فيما بدأت التداعيات تصل إلى شركات الطيران الأخرى في أوروبا وآسيا وأستراليا وغيرها من دول العالم.

خسائر متصاعدة

وعلى الرغم من مرور نحو أسبوعين على انفجارات نيويورك وواشنطن، إلا أن أي من المسؤولين الأميركيين لم يستطيع تقدير الأضرار التي تكبدها الاقتصاد الأميركي بما في ذلك قطاع النقل الجوي، وهو ما أكده وزير الخزينة الأميركي بول أونيل ومدير مجلس الاحتياط الفيدرالي آلان جرينسبان بقولهما: بأنه ليس بوسع أي كان التكهن بمدى تضرر الاقتصاد من الهجمات الأخيرة، إلا أن هناك إجماعاً بين الخبراء في صناعة النقل الجوي على أن هذا القطاع سيواجه مستقبلاً قاتماً دفع ببعض المتشائمين منهم إلى القول: إن صناعة الطيران العالمية تواجه خطر الإفلاس إذا لم تبادر الحكومات إلى إنقاذها وتعويضها عن الخسائر التي تكبدتها منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن.

فعلى صعيد الولايات المتحدة فقد تسبب قرار الإدارة الأميركية بوقف حركة الطيران المدني لعدة أيام بخسائر أولية قدرت بأكثر من 11 مليارات دولار في الأسبوع الأول، ومن المتوقع أن ترتفع الخسائر خلال الأشهر المقبلة نتيجة ضياع إيرادات محتملة، وارتفاع تكاليف شركات الطيران الثابتة أو المتغيرة بسبب ارتفاع كلفة الوقود والصيانة، كما أدى تراجع عدد المسافرين إلى تراجع مبيعات التذاكر نتيجة الخوف من ركوب الطائرات تطلب من الشركات تخفيض عدد الرحلات علاوة على ارتفاع كلف التأمين وزيادة أساليب الأمن والحماية الأمر الذي دفع بالشركات إلى تعليق العديد من الرحلات أو إلغائها نهائياً.

وقدمت شركة أماديوس للحجوزات أول دليل مادي على مدى الضرر الذي لحق بصناعة الطيران إذ قالت إن عمليات الحجز العالمية بين يومي الثلاثاء والجمعة أي خلال الأيام الأربعة من وقوع الحوادث انخفضت بنسبة 28 في المائة مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي.

وكانت الحجوزات في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي محدودة للغاية إذ بلغت 26 في المائة فقط من مستواها في الفترة المقابلة من العام الماضي، لكن هذا كان متوقعا نظراً لإغلاق المجال الجوي الأميركي، لكن الحجوزات في بقية أنحاء العالم انخفضت هي الأخرى بمعدل بلغ 19 في المائة أيضاً، وفي ضوء ذلك تشير بعض التقديرات إلى أن شركات الطيران الأميركي تخسر يومياً من جراء الكساد الذي نجم عن الكارثة الأخيرة نحو مليار دولار.

وفي هذا السياق قال اتحاد صناعات الطيران الأميركية إن مبيعات هذه الصناعة التي تزيد قيمتها على 143 مليار دولار سنوياً ستنخفض بنحو 400 مليون دولار هذا العام بينما ستتراجع العام المقبل بنحو 5.5 مليارات وأكثر من 6.5 مليارات دولار في عام 2003.

وكانت الهجمات قد تسببت في وقف أعمال نحو أربعة آلاف شركة طيران من بين شركات الطيران التجارية في العالم البالغ عددها 12 ألفاً. وتقول منظمة الطيران العالمية إياتا إن حجم سوق الطيران يبلغ نحو مليار دولار يومياً.

وأضاف المتحدث باسم المنظمة يقول "قبل أسبوع كنا نتحدث عن خسائر في حدود 2.8 مليار دولار في الرحلات الدولية المنتظمة هذا العام، حيث يقدر عدد الذين يسافرون عن طريق الجو كل عام بنحو 1.6 مليار راكب. وما من شك في أن الخسائر ستكون أكبر بعد حوادث التفجير، وهو ما أكده المحللون في مؤسسة "شرودرز سالومون سميث بارني" بقولهم: إن من المرجح أن يكون للهجمات "أثر أشبه بالكارثة على ربحية شركات الطيران".

كما ستؤثر الأحداث والصعوبات على صناعة الطائرات، وفي هذا الإطار قالت شركة بوينغ أكبر شركة لصناعة الطائرات إنها ستسلم نحو 500 طائرة هذا العام انخفاضاً من 538 طائرة في العام الماضي.

وخفضت تقديراتها لمبيعات عام 2002 بنحو 100 طائرة من العدد الأصلي. كما أعلنت شركات الطيران الخمس الكبرى كلها في الولايات المتحدة خفض رحلاتها بنسبة 20 في المائة وقالت كونتننتال ايرلاينز أنها تخسر30 مليون دولار كل يوم، وأنها قد تطلب حمايتها من الدائنين بموجب قانون الإفلاس في أواخر تشرين الأول/أكتوبر إذا لم تحصل على مساعدات من الحكومة.

وامتدت الخسائر إلى شركات الطيران العالمية الأخرى التي أوقفت أو خفضت العديد من رحلاتها إلى الولايات المتحدة وأماكن أخرى في العالم صنفت على أنها تمثل خطراً على الطيران، فقد أعلنت الخطوط الجوية الكندية (ايركندا) أكبر شركة طيران كندية وعاشر أكبر شركة على مستوى العالم أنها ستخفض رحلاتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 20 في المائة وحذرت أيضاً من أنها قد تخفض رحلاتها المحلية والدولية.

وفي أوروبا أعلنت شركة بريتش ايرويز أنها ستوقف عن العمل 20 من طائراتها وتخفيض رحلاتها الجوية بنسبة 10 في المائة. وقالت شركة فيرجن اتلانتك الأوروبية إنها ستوقف خمس طائرات من طراز بوينج 200/747 عن العمل وتلغي 20 في المائة من رحلاتها عبر الأطلسي. أما شركة سابينا البلجيكية فأكدت أنها قد لا تتمكن من مواصلة نشاطها حتى نهاية العام إذا لم تتوصل إلى اتفاق مع اتحادات العاملين لإعادة هيكلة الشركة. وأضافت أن الهجمات المدمرة على نيويورك وواشنطن زادت أوضاعها المالية المتعثرة سوءاً. وأعلنت شركة لوفتهانزا الألمانية أيضا أنها ستخفض رحلاتها عبر المحيط الأطلسي. وفي امستردام قالت شركة كي.ال.ام الهولندية إنها تتوقع أن تمنى بخسارة كبيرة في السنة المالية الجارية بسبب الآثار السلبية للهجمات.

أما في آسيا فلم تكن الشركات الآسيوية في موقف أفضل من مثيلاتها الأميركية والأوروبية خاصة وأنها تعتمد بشكل كبير على الطيران إلى الولايات المتحدة، وتبلغ نسبة الرحلات الآسيوية المتجهة إلى الولايات المتحدة ما يوازي 25 في المائة من إجمالي الرحلات الآسيوية.

وقد أعلنت شركة نيبون اليابانية ثاني أكبر شركة طيران في اليابان عن خسارتها لـ 502 مليون دولار يومياً جراء الهجمات وقالت إن حوالي 10 في المائة من الركاب ألغوا رحلاتهم في الفترة ما بين 12 و30 ايلول/سبتمبر الجاري، في حين تحدثت الخطوط الكورية عن خسائر بلغت 11.5 مليون دولار، وقدرت شركة الخطوط الجوية الآسيوية خسارتها بـ 3.8 مليون دولار، وخسرت الخطوط الجوية الصينية 7 في المائة من إيراداتها، وفي أستراليا عجلت الأزمة بانهيار ثاني أكبر شركات الطيران الأسترالية تحت وطأة الديون الضخمة، وفقد أكثر من 60 ألف شخص يعملون في الشركة وظائفهم.

ويرى العديد من الخبراء أن الأزمة التي وجدت صناعة الطيران العالمية نفسها فيها بعد هجمات الثلاثاء 11 أيلول/سبتمبر المدمرة تتمثل في ثلاثة جوانب رئيسة هي: إحجام المسافرين عن السفر جواً بسبب الخوف، وزيادة تكاليف التشغيل والحماية والتأمين، ومخاطر حدوث مزيد من الضعف على الاقتصاد العالمي.

تسريح الموظفين

وفي خطوة من جانب الشركات لتقليل الخسائر التي تتكبدها سارعت إلى اتخاذ إجراءات وقائية فأعلنت عن خطط لتسريح عشرات الآلاف من العاملين فيها.

وتشير الأرقام الأولية إلى اعتزام الشركات الأميركية تسريح أكثر من 100 ألف عامل لديها، وفي هذا الإطار أعلنت شركتا أميركان ايرلاينز ويونايتد ايرلانز اللتان خسرتا طائرتين لكل منهما في الهجمات أنهما ستعملان على إلغاء أربعين ألف وظيفة في الشركتين، كما أعلنت شركة بوينغ أكبر منتج للطائرات في العالم تسريح ما يصل إلى 30 ألف عامل يمثلون نحو ثلث قوتها العاملة في قطاع الطيران المدني، فيما تتأهب لمواجهة تراجع الطلب على طائراتها.

كما أعلنت الشركات التالية عن عزمها إلغاء وظائف: كونتيننتال ايرلاينز (20 ألف وظيفة)، يو اس ايرويز (11 ألف وظيفة)، ونورث وست إيرويز وهي رابع شركة طيران أميركية (10 آلاف وظيفة)، أميركا ايرويز (2000 وظيفة)، أميركان ترانس اير (1500 وظيفة)، ميدواست اكسبريس (450 وظيفة)، هانيويل (12 ألف وظيفة)، وفرونتير ايرلاينز (440 وظيفة).

ولم تقتصر عملية إلغاء الوظائف وتقليص عدد العاملين على الولايات المتحدة الأميركية فقد امتدت لتشمل شركات عالمية أخرى في أوروبا وآسيا وأستراليا، وفي هذا السياق أعلنت شركة بريتش ايرويز البريطانية عن إلغاء 7 آلاف وظيفة (يمثلون 12.5 في المائة من قوتها العاملة) بدلاً من 1800 وظيفة كانت مقررة قبل الهجمات، وتمتد تخفيضات العمالة من الطيارين وأطقم الطائرات وحتى العاملين في وحدات الصيانة، كما أعلنت شركة فيرجن اتلانتك عن أنها ستلغي 1200 وظيفة، أما شركات لوفتهانزا الألمانية واير فرانس الفرنسية وايرباص فقال إنها قررت إلغاء عمليات التوظيف المقررة، فيما فقد أكثر من 60 ألف أسترالي أعمالهم بسبب انهيار ثاني أكبر شركات الطيران فيها.

انخفاض أسعار الأسهم

لا توجد حتى الآن تقديرات دقيقة لحجم لخسائر التي قد تتكبدها أسهم شركات الطيران الأميركية أو العالمية المتداولة في البورصات الدولية، إلا أن خسائر الأسهم تبدو كبيرة أيضاً نتيجة الخسائر الباهظة التي منيت بها شركات الطيران في الولايات المتحدة والعالم.

وتؤكد مصادر مطلعة أن أسهم شركات الطيران خسرت إجمالاً ما قيمته 6.66 مليارات دولار من رأس المال المتداول، وتحملت شركة دلتا ايرلاينز وحدها 2.044 مليار دولار منها. وعلى سبيل المثال وفي أول يوم لاستئناف التداول في بورصة وول ستريت انخفض مؤشر ستاندرد اند بورز لشركات الطيران الذي يقيس أداء أسهم شركات الطيران الأميركية 171.48 نقطة أي بنسبة 32.16 في المائة إلى 361.76 نقطة.


وقالت شركة رولزرويز المنتجة لمحركات الطائرات إن سهم الشركة انخفض بنسبة 34 في المائة منذ 11 ايلول/سبتمبر وهو أدنى مستوى له في ثمانية أعوام، وذلك نتيجة مخاوف من إلغاء شركات الطيران طلبات شراء طائرات أو تأجيلها أو التخلص من عدد من الطائرات مما يقلص طلبات شراء محركات وعقود صيانة وقطع غيار. وتمثل مبيعات قطاع الطيران المدني نحو 54 في المائة من إجمالي مبيعات الشركة والباقي يخص قطاعات الدفاع والبحرية والطاقة.

وعلى صعيد أسهم شركات الطيران العالمية فقد تباينت قيمة انخفاض أسعار أسهمها فعلى سبيل المثال انخفضت أسهم شركة بريتش ايرويز بنسبة 42 في المائة، وأسهم شركة لوفتهانزا العالمية 10 في المائة. والكورية 6 في المائة، والخطوط الجوية الآسيبوية 11 في المائة، والخطوط الجوية السنغافورية 6 في المائة. كما انخفض سهم شركة طيران كاثاي باسيفيك المملوكة لهونغ كونغ 12.95 في المائة إلى 6.05 دولارات هونج كونج ليستمر الاتجاه النزولي الذي بدأته منذ وقوع الهجمات على واشنطن ونيويورك وتصل إجمالي خسائر السهم الى نحو 28 في المائة من قيمته.

وانخفض سهم الخطوط الجوية اليابانية أكبر شركة طيران يابانية 8.63 في المائة إلى 286 يناً بينما فقدت أسهم شركة أول نيبون ايروايز ثاني أكبر شركة طيران يابانية 14.29 في المائة من قيمتها إلى 294 يناً.

مساعدات عاجلة

طلبت شركات الطيران الأميركية مساعدات حكومية قدرها 24 مليار لتصحيح أوضاعها في أعقاب الهجمات، وقالت رابطة النقل الجوي التي تمثل شركات الطيران الرئيسية أن الطلب الذي تقدمت به الشركات يشمل ضمانات قروض بقيمة 11.2 مليار دولار وإعفاءات ضريبية قيمتها 7.8 مليارات دولار ومساعدات نقدية مباشرة بخمسة مليارات دولار.

أما الحكومة البريطانية فقد أعلنت من جانبها في 21 ايلول/سبتمبر الجاري أنها وافقت على تأمين الشركات الجوية البريطانية ضد أي هجمات إرهابية، وكانت 12 شركة طيران بريطانية قد حذرت من أنها قد تتوقف عن العمل كلياً ابتداء من اليوم الثلاثاء بسبب قرار شركات التأمين سحب التغطية التأمينية ضد الحرب فوق 50 مليون دولار.

بكلمة أخيرة إن الوقت مازال مبكراً لمعرفة الحجم الحقيقي للتأثيرات والخسائر التي ستتركها انفجارات الطائرات في نيويورك وواشنطن على صناعة النقل الجوي في الولايات المتحدة والعالم، لكن معظم التقديرات تؤكد أنها ستكون كبيرة وقد تتسبب بإفلاس العديد من هذه الشركات فيما ستتراجع قوة الشركات الضخمة في هذا القطاع الحيوي. (ق.ب.)