السياسة في تركيا تحرم مسارح مستقلة من المساعدات الحكومية

مسارح مستقلة أو معروفة بمعارضتها لسياسة اردوغان تواجه خطر الإغلاق والإفلاس وتصطدم برفض طلبها الحصول على مساعدات حكومية تُعينها على البقاء في ظل أزمة كورونا.
غموض يحيط بطريقة وكيفية تسليم المنح والمساعدات في القطاع الثقافي التركي
خشية من ارغام المسارح المستقلة على الاذعان للخط السياسي للحكومة
المسرح يعيش تحت الضغط بسبب الرقابة في تركيا

أنقرة - تقدم مسرح اسمالي ساهني المستقل في اسطنبول بطلب للحصول على مساعدات حكومية تُعينه على البقاء في ظل التأثير السلبي لأزمة فيروس كورونا على هذا القطاع، إلا أن طلبه قوبل بالرفض لأسباب سياسية.
ويعتبر محرم أوغورلو، المؤسس المشارك لهذا المسرح الواقع في منطقة بيوغلو البوهيمية في اسطنبول، ومثله يرى عدد من أصحاب المسارح والممثلين، أن المسارح المستقلة وتلك المرتبطة بالمعارضة حُجِبَت عنها المساعدات الحكومية، ما يعرض مستقبلها للخطر.
وهم شعروا بأنهم يقومون بعمل سليم ومتكامل عبر إنتاج مسرحية تركية كتبتها امرأة.
وكانت هذه المحاولة الثالثة لهذا المسرح للحصول على التمويل الحكومي وكان يأمل في الحصول على 108 آلاف ليرة تركية (13600 دولار)، إلا أن مبرراً غير واضح لرفض الطلب أعطي القائمين عليه.

هذه القوة السياسية ستغادر وستأتي أخرى. سيتم إغلاق هذا المكان وسيفتح مكان آخر. فن المسرح سيعود قويا وسينهض مجددا

وقال أوغورلو "لقد استوفينا كل المعايير لكننا فشلنا مرة أخرى" في الحصول على المساعدة المالية.
وتابع "للمرة الأولى منذ ست سنوات (تاريخ تأسيس المسرح)، بدأنا نناقش ما إذا كان يجب إغلاق المكان أم لا".
وأوضح "عملية تخصيص المساعدات الحكومية غير شفافة، وهذا يجعلني أتساءل عما إذا كانت السياسة تؤدي دورا" فيها.
ويوافقه الرأي جينكو إركال، أحد أشهر الممثلين المسرحيين في تركيا.
إلا أنه لم يكلف نفسه عناء تقديم طلب للحصول على دعم حكومي لمسرحه لأنه يعتقد أنه لن يحظى بفرصة.
وقال إركال البالغ من العمر 82 عاما والذي يلزم منزله خوفا من فيروس كورونا "كل شيء مرتبط بالسياسة".
وأضاف أن "المسارح المعروفة بأنها جزء من المعارضة، بما فيها مسرحنا "دوستلار"، لم تستفد من الأموال لسنوات وهي على حافة الافلاس".
لطالما اشتهر مسرح "دوستلار" بدعم المعارضة السياسية في وجه سياسة الرئيس رجب طيب اردوغان.
ولفت إركال إلى أنه يعتقد أن المسارح الأقل إثارة للجدل تخسر في الوقت الراهن لأن "الشركات المقربة من الحكومة" بدأت بشكل متزايد باستخدام نظام غامض للتقدم لطلب مساعدات ثقافية من الدولة والحصول عليها.
وتابع إركال "يبدو أن الحكومة لا تمول فن المسرح بل الأشخاص المرتبطين بها".
ولم ترد وزارة الثقافة التركية على طلبات وكالة فرانس برس للتعليق.
أعادت المسارح التركية في تموز/يوليو فتح أبوابها بعد توقف استمر أربعة أشهر، واعتمدت منذ ذلك الحين على تقديم المسرحيات في الاماكن المفتوحة.
لكن الشتاء سيحل قريبا وعشاق الثقافة الذين كانوا يحتشدون في تلال بيوغلو لمشاعدة العروض في "كومباراجي 50" لم تعد لديهم الآن إلا خيارات قليلة.
وكتب هذا المسرح المستقل الشهر الماضي على صفحته في تويتر "كومباراجي 50 يواجه خطر الاغلاق. سوف نحتاج إلى سنوات لسداد ديوننا الحالية".
وقالت المؤسِسة المشاركة للمسرح غولان كاظم وهي أيضا ممثلة ومخرجة، إن ممثليها المحبطين "لم يعودوا يملكون القوة ليقولوا لنستمر في تقديم العروض مهما كان".
وأشارت وزارة الثقافة الشهر الماضي إلى أنها منحت مبلغا قياسيا يبلغ 12 مليون ليرة (1,5 مليون دولار) إلى 328 مشروعا مسرحيا خاصا وقالت إنها "أكبر مساعدة تم تسليمها على الإطلاق في موسم ثقافي واحد".
لكن الممثلين يؤكدون أن أكثر من نصف المجموعات التي تقدمت بطلبات للحصول على المنح كانت إما غير معروفة في مجتمع المسرح التركي المترابط أو تشارك في مجال عمل مختلف تماما عن المسرح.
وقالت كاظم "ثمة الكثير من شركات البناء والسياحة على القائمة. ليس من الواضح من الذي يحصل على التمويل أو مقداره".
وأوضح إركال أن القائمة تضمنت "شركات تمارس أعمالا غير المسرح. في الواقع، تم تأسيس بعضها قبل 15 يوما فقط من الموعد النهائي للتقدم بطلب للحصول على الأموال".

يبدو أن الحكومة لا تمول فن المسرح بل الأشخاص المرتبطين بها

وشرح إرسين أوموت غولر مؤسس مسرح "يولكو" في إسطنبول وعضو مجلس إدارة المسرح التعاوني الذي يمثل 62 مسرحا مستقلا، إن نصف المسارح لا يمكنها التقدم للحصول على أموال لأن أحد المعايير كان أن تكون المؤسسة قد سددت كل ضرائبها المتوجبة.
وأضاف "طالبنا بإزالة هذا الشرط موقتا على الأقل. يعتمد دخلنا على مبيعات التذاكر بنسبة 100 في المئة. وفيما كنا في الماضي نؤدي أمام 200 شخص، فإن هذا الرقم انخفض إلى 70 بسبب القيود المفروضة لمكافحة انتشار الوباء".
بالنسبة إلى بعض المسارح، يمثل التقدم بطلب للحصول على تمويل حكومي معضلة أخلاقية. فإذا لجأ القائمون على المسارح إلى ذلك، فهم يخشون أن ينطوي طلبهم على مخاطرة، وأن ترتّب عليهم هذه الخطوة التزام الخط السياسي للحكومة.
وتساءلت كاظم "بغض النظر عن الأموال، من يعتقد حتى أن هناك حرية تعبير في تركيا".
وتابعت "إن الضغط الذي يشعر به كل قطاع آخر موجود أيضا في المسرح" مضيفة "الرقابة أصبحت جزءا من الحياة اليومية".
واحتلت تركيا المرتبة 154 من بين 180 دولة على مؤشر الحريات لمنظمة "مراسلون بلا حدود" لهذا العام.
وليس لدى الممثل ييغيت سيرديمير من مسرح "كومباراجي 50" أي شك في أن الإبداع الفني والاستقلال سيسودان في النهاية.
وقال "هذه القوة السياسية ستغادر وستأتي أخرى. سيتم إغلاق هذا المكان وسيفتح مكان آخر. فن المسرح سيعود قويا وسينهض مجددا".