"السيرة الحشيبرية" و"منثور الحكم" يوثقان للتراثين الشعبي والصوفي

علوان الجيلاني يصدر كتابين جديدين هما "بنو حشيبر.. إرث العلم وبذخ الولاية" و"منثورُ الحكمِ" للصوفي محمد بن عمر بن حشيبر (دارسة وتحقيق).
الجيلاني يتتبع من خلال تاريخ الذهنيات سمة التأثير الذي أحدثته هذه الأسرة والأسر التي تتساند معها
ابن حشيبر يقنعنا أن كتابته لا تبدو تابعة للنص المقدس قرآناً، وآثاراً نبوية

القاهرة ـ ينبني مشروع الشاعر والكتب اليمني علوان مهدي الجيلاني على جملة من المجترحات والاشتغالات الإبداعية والبحثية التي تتفق مع ميوله ككاتب متعدد، كما تتأسس في همه الواسع تجاه توثيق التراث الشعبي، وتحقيق وحماية التراث الصوفي والعلمي، إلى جانب الشعر والنقد بطبيعة الحال، وقد تجلت ثمار ذلك الدأب خلال خمسة وعشرين عاماً مضت في 17 إصدراً تقاسمقتها تلك الاهتمات المشار إليها.
الجديد في هذا الصدد صدور كتابين جديدين دفعة واحدة للجيلاني هما "بنو حشيبر.. إرث العلم وبذخ الولاية" و"منثورُ الحكمِ" للصوفي محمد بن عمر بن حشيبر (دارسة وتحقيق).
في الكتاب الأول يقدم المؤلف السيرة الحشيبرية وهي سيرة أسرة علمية وأدبية وصوفية من أسر تهامة (غرب اليمن)، قدمت خلال القرون الثمانية الماضية المئات من العلماء والأولياء والأدباء والوجهاء الذين أثروا كثيراً في تاريخ المنطقة من خلال اشتغالهم بالتعليم واصلاح المجتمع. وأيضاً من خلال إرثهم التأليفي في علوم الفقه والأصول والحديث والسلوك والتصوف والادب، ثم من خلال مساهماتهم في نشر الإسلام في شرق أفريقيا وجنوب شرق آسيا حيث يقف ضريح العلامة محمد جمال الدين بن حشيبر المتوفى سنة 100ه في حيدر أباد الدكن شاهداً على تاريخ أثيل لا ينسى.
يتتبع الجيلاني من خلال تاريخ الذهنيات سمة التأثير الذي أحدثته هذه الأسرة والأسر التي تتساند معها، وسلم القيم الاجتماعي الذي تبنته والذي اعتمد كثيراً على الحدب العطف والتكافل الاجتماعي وأخلاق العناية، كما رصد الكثير من العادات والتقاليد والمظاهر الثقافية والاجتماعية التي تخلقت من تلك الوتائر وما يترصدها اليوم من تبدلات عنيفة جراء عواصف المتغير الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، حيث طال الحاضة الحشيبرية في تهامة اليمن ما طال المنطقة من تهميش وإقصاء واستبعاد وظيفي وسياسي، وتجفيف اقتصادي، ونهب موارد ومصادرة أراض وإفقار متعمد.
وقد حرص المؤلف على تتبع الحالة زمنياً، وضم عشرات الأسماء التي برزت على الساحة الحشيبرية في العقود القليلة الماضية، يقول: "لقد حاولت من خلال هذه الفصول أن أبني سيرة إن لم تكن متكاملة فهي شبه متكاملة لتاريخ الأسرة الحشيبرية، فاستقصيت قدر الإمكان كل ما استطعت الوصول إليه من المصادر التاريخية، متكئاً على السرد التتابعي لرؤية المؤرخين لها في حقب التاريخ المتلاحقة، ثم حاولت ربط المتأخرين بالمتقدمين مع إلقاء مزيد من الأضواء على واقع الأسرة وأعلامها في الحاضنة الأم، وامتداداتها خارج موطنها الأصل من خلال بعض مشاهير الأسرة الذين نبغوا في مجلات مختلفة، وفي سبيل توضيح الصورة أكثر حاولت استيعاب كل شاردة وواردة وصلني علمها، حتى المعلومات الهامشية التي كان يمثل سردها حالات استطراد إلى حد ما، تعاملت معها بوصفها مكملات ضرورية للصورة العامة التي أحاول رسمها.

يحول النص المقدس إلى أنثى
نَكْحُ الكلام بالكلام

لقد كانت فصول الكتاب في معظمها تشكل بانوراما للتاريخ الحشيبري تجعل القارىء أشبه ما يكون براكب قطار ينظر من النافذة إلى الشوارع والأبنية والأشجار وهي تنقذف أمام عينيه في مشاهد متتابعة، وتلك غاية حقيقية تعمدتها، وتلمست نجاحها وأثرها حين نشرت على صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك بعض تلك الفصول عند منتصف عام 2017 .
الكتاب الثاني عبارة دراسة وتحقيق لمخطوطة "منثور الحكم"، وهو كتاب في التصوف ألفه الولي العلامة محمد بن عمر بن حشيبر المتوفي سنة 718ه. والجيلاني يقدم اشتغاله عليه بوصفه مكملاً لاشتغاله على الكتاب الأول "بنو حشيبر.. إرث العلم وبذخ الولاية"، فهو بمثابة نموذج لما قدمته الأسرة الحشيبرية في هذا المجال، لكن الجيلاني يؤكد أن أهمية الكتاب لا تكمن في هذا السب الخاص به، أي بالجيلاني كمشتغل على سيرة الأسرة الحشيبرية وتاريخها، فأهمية الكتاب تكمن في كونه واحدا من أهم إنجازات التصوف اليمني من حيث غنى مادته الفنية وقيمتها الصوفية والأدبية والفنية، بل هو يقدم الكتاب بوصفه كنزاً نادراً، واكتشافاً مميزاً، بمثل ما هو مساهمة في رفع الحيف ونفض الغبار الذي طال هذا التراث وغيّبه عن أعين المحققين والدارسين والمهتمين. 
وقد قارب الجيلاني في دراسته للكتاب مجموعة من موضوعاته وثيماته وسمات أسلوبه ومما قاله "إن اشتغال ابن حشيبر في (منثور الحكم) على القرآن، وحتى على النصوص الرديفة من أحاديث وآثار نبوية، هو نوع من الكتابة على الكتابة، وهذا النوع من الاشتغال يتحكم فيه عادة قوة وضعفاً، موهبة الكاتب وحنكته، وقوة تجربته ومقدار ثقافته. 
الغريب أن ابن حشيبر يقنعنا أن كتابته لا تبدو تابعة  للنص المقدس قرآناً، وآثاراً نبوية، صحيح أنها تتقصد أن تكون جزءاً منه، تابعة له تدور في مداره، إذ هو أساساً يتخذ تلك النصوص متكآت أو منصات إطلاق لنصوصه لكننا حين نخضعها للمعاينة الدقيقة ستبدو تبعيتها للنص المقدس مجرد سمة تتصف بها هذه الكتابة، فإذا استعرنا بعض مفاهيم رولان بارت فإن ابن حشيبر هنا يحول النص المقدس إلى أنثى يمثل الاشتغال عليه أو استدعاؤه بتلك الكيفة نوعاً من اللذة؛ لأنه على نحو ما ضرب من المناكحة (نَكْحُ الكلام بالكلام) لنتذكر كم كان يلح الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي على اعتبار "الكلمة أنثى لا تحلو ولا تتجلى إلا بموالجتها بكلام آخر". 
صدر الكتابان عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر – القاهرة  2018.