"السيرك المتجول" يأخذنا إلى واقع إنساني بالغ القسوة والشفافية

الفيلم الفيتنامي ينفتح على فريق سيرك، يقوده رئيس برفقة ثلاثة شباب وفتاة واحدة، تسير باتجاه قرية تعلن تضاريسها الجغرافية عن الواقع البائس الذي تعيشه.
في الفيلم خط تبدأ فيه علاقة بين الطفل، وممثلة السيرك "لان" حيث يجد فيها ما يعوض الأمومة المفقودة
"رئيس الفرقة" يجد في كلام زعيم القرية مدخلاً لتنفيذ أهدافه

عمّان ـ يروي الفيلم الفيتنامي "السيرك المتجول"، الذي تعرضه مؤسسة عبدالحميد شومان عند السادسة والنصف من مساء الثلاثاء، حكايةً من أفواه الجدات التي يحولها المخرج فيت لينه إلى "معادل بصري"، يحمل الكثير من الأسئلة، والدلالات.
وينفتح الفيلم على فريق سيرك، يقوده رئيس برفقة ثلاثة شباب وفتاة واحدة، تسير باتجاه قرية تعلن تضاريسها الجغرافية عن الواقع البائس الذي تعيشه، حيث الجفاف والرمال وانحسار النهر، ويكون اللقاء الأول مع سكان القرية، مع الطفل "داك" وأخته الصغيرة "بوبان" اللذين يجلسان عند قبر الأم المتوفاة.
يرافق الطفل وأخته الفرقة، ليدلهم على القرية وزعيمها، حيث لا يوجد إلا الشيوخ العاجزين والأطفال. وفي أول حوار مع زعيم القرية، وفي أجواء من الجفاء، يقول زعيم القرية بوضوح إن أولويتنا هي الطعام وليس الترفيه، وأن القرية لا يوجد بها الذهب الذي يبحث عنه رئيس الفرقة، كما أن الرجال والنساء يعملون في المزارع البعيدة.
لكن "رئيس الفرقة" يجد في كلام زعيم القرية مدخلاً لتنفيذ أهدافه، فهو يعمل على معالجة الطفح الجلدي المصاب به أطفال القرية، وفي العرض المسائي للفرقة، يلجأ إلى حيلة لصنع الأرز من لا شيء، الرز الذي يفتقر إليه الجميع لسد جوعهم، وهنا يبدأ الحلم عند الطفل "داك" بأن يصنع الأرز لأخته الجائعة، ولأهل القرية.
في الفيلم هناك خط تبدأ فيه علاقة بين الطفل، وممثلة السيرك "لان" حيث يجد فيها ما يعوض الأمومة المفقودة، وهي تتعامل مع براءته وصدقه وعفويته، وروحه القوية الباحثة عن التغيير، لكن رئيس الفرقة يقف حاجزا بين هذه العلاقة، حيث تحاول "لان" إقناع الطفل بأن ما يقومون به هو نوع من الخداع، فيما رئيس الفرقة يزجرها ويمنعها من الحديث، لأن نجاحه واستمراريته معتمدة على هذا الوهم والأمل الكاذب الذي يخلقه في عيون ونفوس أهل القرية.
تموت الطفلة "بوبان" بعد أن شربت مادة من الصابون يستخدمها المهرجون، أثناء بحثها عن الطعام، وهنا تتضح الرؤية عند "داك" ويقتنع بمقولة زعيم القرية بأنه لا توجد معجزات، وأن الطعام يحتاج إلى العمل، ويدرك رئيس الفرقة بأن لعبته انكشفت تماما، ويهرب بعيدا بعد مطاردة أهل القرية له، الذين يعودون من جديد إلى واقعهم وحياتهم الحقيقية ومواجهة مصيرهم بالعودة إلى العمل.
ما بين حلم الطفل "داك" بتوفير الطعام، وحلم "لان" بأن تعمل مع فرقة سيرك محترفة، تقف السلطة الممثلة برئيس الفرقة، الذي يحطم أحلام الجميع بشراهته للذهب، حيث يخدع أهل القرية بإنتاج الأرز، فيما يخدع "لان" باستغلال محبة وثقة أهل القرية لها، وإيهامها بأنه سيوصلها إلى النجومية، فيما يمثل زعيم القرية السلطة المركزية التي تحاول أن تعزز قيمة العمل، رغم افتقارها للمقومات التي تستطيع تغيير حياة الناس بشكل فعلي.

السينما الفيتنامية
الواقع الفيتنامي لا يزال يعاني من ويلات الحرب

"السيرك المتجول" بسيط في فكرته، عميق بدلالاته، فهذا الواقع الفيتنامي، لا يزال يعاني من ويلات الحرب، ويعيش حالة من الفقر والأحلام المجهضة، فالفرقة حجبت عيون الناس عن الحقيقة، وأدواتها قتلت أخت "داك"، وحرمت "لان" من أن تعيش لحظات صدق وجدتها في الطفل وأهل القرية.
ومن خلال عيون الطفل "داك" نشهد المأساة سواء على المستوى الشخصي، أو المستوى العام، فهو شاهد على الأحلام التي لا تتحقق، والعلاقات التي يتم قطعها بقسوة، سواء بموت أخته، أو بمغادرة "لان"، فهو رغم واقعيته، إلا أنه يحمل نفسا شاعريا، ومحملا بتلك المشاعر الشفيفة، مثل المشهد قبل النهاية الذي يظهر فيه الطفل بالآفق هو و"لان" يركضان باتجاه بعضهما البعض.
يتميز الفيلم برسم قوة المشاعر الإنسانية، وأداء الممثلين، والتصوير بالأبيض والأسود الذي عمّق وحشة المكان وقسوته، وكذلك الموسيقى، بدءا من تلك الدقات "الصنوج"، التي جاءت في بداية الدخول إلى القرية، أو آلات النفخ الموسيقية. بإيقاع متماسك يشد المشاهد طوال الوقت.
فيلم "السيرك المتجول" يأخذنا إلى واقع إنساني بالغ القسوة والشفافية بنفس الوقت.