السيستاني يوبخ قوات الأمن في رسالة تحذير للصدر وميليشياته

المرجع الشيعي الأعلى في العراق يحمل قوات الأمن المسؤولية عن عدم حماية المحتجين من عنف المندسين والمخربين في إشارة واضحة لأنصار الصدر.
هل تجاوز الصدر الخطوط الحمراء؟
نزول ميليشيات الصدر لساحات الاعتصام محاولة لتقويض الحراك الشعبي
عقدة تشكيل الحكومة ترخي بظلالها على الوضع العام في العراق
تحرك الصدر جاء بعد ضوء أخضر من إيران بتزكية علاوي رئيسا للوزراء

بغداد - وبخ المرجع الأعلى الشيعي في العراق آية الله علي السيستاني الجمعة قوات الأمن لتقاعسها عن حماية محتجين قتلوا في اشتباكات مع ميليشيات مقتدى الصدر هذا الأسبوع بمدينة النجف في جنوب البلاد، داعيا السياسيين لاختيار حكومة جديدة تحظى بثقة الشعب.

وشكل هذا التوبيخ من أعلى مرجعية شيعية رسالة للصدر وميليشياته المعروفة بالقبعات الزرق في ذروة موجة عنف يشهدها العراق منذ دعا زعيم التيار الصدري أنصاره للنزول للشارع واستئناف الاعتصامات بزعم الضغط على القوى السياسية للإسراع في تشكيل الحكومة.

وكانت دعوة الصدر مناورة سياسة أخرى في سياق مناورات متضاربة يكيّفها رجل الدين الشيعي النافذ حسب مصالحه بعد أن اكتسب شعبية في ما مضى على أنقاض ارث والده ومظلومية لطالما رفعها شعارا في تحركاته لانتزاع ما يعتبرها حقا في حكم العراق.

وشكلت دعوته لاستئناف الاعتصامات مزايدة سياسية بامتياز فزعيم التيار الصدري يقود الكتلة البرلمانية التي احتلت المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية ما يعني أنه جزء من منظومة الحكم أو جزء من الحل أو التعقيد في تشكيل الحكومة.

كما كان لافتا أن حشده لميليشياته كان تماهيا مع التحركات الإيرانية لتفكيك الحراك الشعبي العراقي الرافض للنفوذ الإيراني والمندد بنخبة سياسية حاكمة كانت سببا في تغلغل الفساد وفي هيمنة طهران على الشأن العراقي.

ولم يجد المحتجون من ملاذ من عنف الصدريين إلا المرجعية العليا المحلية التي تسعى منذ سنوات للتخلص من هيمنة مرجعية قم على الشأن الديني السياسي في العراق وهي قضية استغلها الصدر ذاته حين عزف على الوتر القومي والديني مقدما نفسه عراقيا وطنيا مخلصا يرفض أن يكون تابعا لإيران.

لكنه عدّل بوصلته صوب إيران في الأشهر الماضية قبل تصفية واشنطن لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني.

وتسببت موجة العنف في مدينة النجف، حيث مقر السيستاني في مقتل ثمانية متظاهرين على الأقل عندما اقتحم أنصار رجل الدين مقتدى الصدر مخيما لمحتجين مناهضين للحكومة في تحرك مماثلا لذلك الذي حدث في لبنان حين اقتحم أنصار حزب الله الموالي لطهران، ساحات الاعتصام في بيروت وأحرقوا خيم المعتصمين واعتدوا عليهم بالعنف الشديد.

وتؤكد مصادر عراقية ولبنانية أن العنف بتلك الطريقة صناعة إيرانية بامتياز بأدوات محلية معلومة للجميع.

وكشفت الواقعة الأخيرة في النجف عن توتر جديد بالعراق حيث قتل زهاء 500 شخص في الاحتجاجات المستمرة منذ أشهر.

وشهدت الأحداث الأخيرة أيضا وقوف محتجين شبان مناهضين للحكومة في وجه العديد من أنصار الصدر المعروفين باسم أصحاب 'القبعات الزرق'.

وهاجم أصحاب 'القبعات الزرق' محتجين في مناسبات عديدة بعد توصل الصدر والكتل السياسية المتحالفة مع إيران إلى اتفاق على تسمية رئيس الوزراء الجديد محمد توفيق علاوي وهو خيار يرفضه المحتجون.

وندد السيستاني على لسان ممثله بخطبة الجمعة في كربلاء بالعنف في النجف وحمل قوات الأمن المسؤولية.

وقال إنه يجب على قوات الأمن "أن تتحمل مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار وحماية ساحات الاحتجاج والمتظاهرين السلميين وكشف المعتدين والمندسين والمحافظة على مصالح المواطنين من اعتداءات المخربين".

وتابع "الحكومة الجديدة التي تحل محل الحكومة المستقيلة يجب أن تكون جديرة بثقة الشعب وقادرة على تهدئة الأوضاع واستعادة هيبة الدولة والقيام بالخطوات الضرورية لإجراء انتخابات مبكرة في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني أو للتدخلات الخارجية".

العراقيون يستجيرون بالسيستاني لحمايتهم من عنف الميليشيات الموالية لايران
العراقيون يستجيرون بالسيستاني لحمايتهم من عنف الميليشيات الموالية لايران

وكان بعض المحتجين يأملون في أن يرفض السيستاني ترشيح علاوي الذي أُعلن قبل أيام منهيا أسابيع من الجمود بين الكتل السياسية. وقال أحد المحتجين ببغداد ويدعى مهدي عبدالزهرة "نأمل أن يرفض السيستاني ترشيح علاوي والاتفاق بين الأحزاب اليوم الجمعة".

وتجاوزت كتلة الصدر البرلمانية خلافاتها مع تجمع أحزاب مدعومة من إيران من أجل تأييد ترشيح علاوي.

وهدد الصدر مرارا بدعوة أتباعه للانضمام للاحتجاجات المناهضة للحكومة. وشارك أنصاره ومنهم أصحاب القبعات الزرق بشكل غير رسمي في الاحتجاجات وتولوا حماية المحتجين في بعض الأحيان من هجمات قوات الأمن وأفراد فصائل متحالفة مع إيران.

لكن الأمر اختلف هذا الأسبوع مع اقتحامهم لساحة الاعتصام واعتدائهم على المحتجين في النجف ضمن محاولة لترهيب المتظاهرين وتقويض حراكهم بعد أن أعطت إيران الضوء الأخضر على تسمية علاوي مرشحا توافقيا لتشكيل الحكومة.

ويرى كثير من المحتجين تحرك الصدر لدعم علاوي ودعواته التالية لأصحاب القبعات الزرق بإزالة مخيمات الاحتجاجات بأنها خيانة.

وقال عبدالزهرة من ساحة رئيسية ببغداد حيث وقعت مناوشات بين المحتجين والشرطة "اعتدت على دعم حركة الصدر لكن بمجرد قيامه بذلك توقفت. حذفت كل منشوراتي على فيسبوك التي أيدته فيها".

وبعد أن هاجم أنصار الصدر الاعتصامات هذا الأسبوع، تحولت أنظار بعض النشطاء إلى آخر أمل باق لهم طمعا في الدعم والمساندة وهو السيستاني المرجعية الدينية العليا لشيعة العراق.

المحتجون ينتظرون فتوى أو دعوة من السيستاني تسند رفضهم لترشيح محمد توفيق علاوي رئيسا للوزراء باعتبار ما يمثله من ثقل وتأثير في الشأن العام العراقي 

وقال عبدالزهرة وهو يرقب قوات الأمن وراء الحواجز الخرسانية في بغداد تطلق الرصاص من بنادق هواء باتجاه المتظاهرين "آية الله العظمى علي السيستاني هو الشخص القوي الوحيد الذي يمكنه مساعدتنا"، مضيفا "يجب عليه الدعوة إلى مسيرة مليونية ضد الحكومة. هذه فرصة أخيرة".

وهناك كثيرون مثل عبدالزهرة تحدوهم آمال كبيرة في السيستاني، فقد كان له القول الفصل والكلمة الحاسمة التي أجبرت رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي على التنحي وسط اضطرابات شعبية في نوفمبر/تشرين الثاني.

وبفتوى واحدة منه في عام 2014، حشد أكبر رجل دين شيعي في البلاد عشرات الآلاف من المحاربين لقتال تنظيم الدولة الإسلامية في شكل جماعات مسلحة شيعية.

لكن في الوقت الذي تتضاءل فيه المظاهرات بعد أن انقلب عليها أتباع الصدر، شرع قطاع من الشباب العراقي في نقاش حول أهمية ما يقوله السيستاني وما إذا كانوا سيستفيدون منه إذا تدخل بثقله في الأمر.

وقال علي عبود وهو ناشط في مدينة النجف مقر السيستاني "أدلى بخطب لا حصر لها في أيام الجمعة حول هذه القضية، لكن لم يحدث أي شيء للأسف وكأنه لا أحد يسمع".

وتابع "عندما صدرت فتوى لمحاربة المتطرفين، قوبلت بالسمع والطاعة، لكن ليست هناك فتوى واضحة هنا. لا يوجد في الواقع ما يرغم أولئك القابضين على السلطة على التحرك".

ونادرا ما يعلق السيستاني على شؤون السياسة، لكنه تحدث في كل خطبة جمعة تقريبا عن الانتفاضة الشعبية في العراق التي انطلقت شرارتها بين جماهير من الغالبية الشيعية في البلاد في بغداد والجنوب في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

وكان رجل الدين البالغ من العمر 89 عاما ينأى بنفسه عن السياسة في ظل حكم صدام حسين، لكن بعد الإطاحة بصدام في الغزو الأميركي عام 2003، ظهر السيستاني كواحد من أقوى الشخصيات في العراق.

ولكلماته ثقل كبير بين ملايين الشيعة، سواء بين المحتجين أو المؤسسة السياسية المتحالفة مع إيران ويهيمن عليها الشيعة ويحتج ضدها المتظاهرون.

وينأى السيستاني المولود في إيران بنفسه عن طهران ولا يتفق مع نموذج الجمهورية الإسلامية في الحكم.

مقتدى الصدر من الشخصيات المؤثرة في المشهد العراقي لكن بات يعرف أكثر بأنه شخصية انتهازية
مقتدى الصدر من الشخصيات المؤثرة في المشهد العراقي لكن بات يعرف أكثر بأنه شخصية انتهازية

وحث على إجراء انتخابات مبكرة وإصلاح سياسي وأدان مقتل نحو 500 محتج سلمي على أيدي قوات الأمن وفصائل مسلحة تدعمها إيران.

ويريد المحتجون المناهضون للحكومة منه الآن أن يجعل الصدر الذي ينتمي إلى عائلة دينية من النجف، يلزم حدوده.

وقال عبدالزهرة "كان أتباع مقتدى يحموننا من الفصائل المسلحة وصاروا الآن يسرقون ثورتنا".

وطلب الصدر الذي يقدم نفسه معارضا للنفوذ الأجنبي ومناهضا للفساد، لكنه يتسم بالانتهازية السياسية من أتباعه التخلي عن الاحتجاجات المناهضة للحكومة وإزالة الاعتصامات الأسبوع الماضي بعد ضوء أخضر من إيران.

ويشعر النشطاء بالأسف عندما يرون كيف أدت تحركات الصدر وهو أحد آخر الشخصيات التي كان مؤيدوها يقدمون لهم الدعم والمساندة في المؤسسة السياسية، إلى تقليص أعدادهم.

وفي بعض الشوارع والميادين في بغداد التي احتدمت فيها الصدامات في الأشهر الأخيرة بين قوات الأمن والمتظاهرين، عادت الأكشاك في السوق إلى ممارسة أعمالها ببيع السلع المنزلية واللعب والأحذية الرياضية.

وفي جنوب النجف، تجثم الخيام محترقة في موقع الاعتصام الرئيسي. وهتف الطلاب مرددين الشعارات المناهضة لعلاوي في ميدان بمدينة كربلاء القريبة، التي يلقي فيها السيستاني خطب الجمعة، ولكن بأعداد صغيرة.

ويقول المحتجون إن على السيستاني أن يصدر بيانا شديدا، يندد بعلاوي الذي يرفضونه، وبالصدر بسبب عقده اتفاقا مع الأطراف المتحالفة مع إيران.

لكنهم يعرفون أن رجل الدين غالبا ما يكون حذرا ويستعدون للمضي قدما دون مباركته. وقال حسين صدري وهو ناشط في كربلاء إن "السيستاني هو القائد الوحيد الذي هو جزء من النظام ويدعم قضيتنا- نحن نرحب بذلك".

وأضاف "لكننا لن نقف فحسب ننتظر ما يقوله لنهتدي به ونتحرك بناء عليه. سوف نتحرك. تفجرت الانتفاضة وسط شباب يتعرفون على العالم من خلال الإنترنت وليس من رجال دين".

ويختلف غالبية الجيل الأكبر سنا في العراق مع هذا التوجه ويقولون إن الشيعة سيتبعون إرشادات السيستاني حرفيا.

وقال محمد الكعبي وهو ناشط يبلغ من العمر 54 عاما وكان يجلس مع صدري في مقهى بكربلاء، إنه سينتظر ليرى ما يقوله السيستاني، مضيفا "إذا قال السيستاني إنه على الجميع أن يعودوا إلى ديارهم، فسوف يفعلون ذلك".