السيسي: مصر جاهزة لتدخل عسكري مباشر في ليبيا

الرئيس المصري في أول وأوضح ردّ على التدخل التركي العسكري في ليبيا دعما لحكومة الوفاق التي يهيمن عليها الاخوان، يؤكد أن تدخل بلاده المباشر "باتت تتوفر له الشرعية الدولية".
السيسي يحدد الأسباب التي تدفع مصر للتدخل العسكري في ليبيا
السيسي يتهم تركيا بالتحرك وفق أطماع توسعية تهدد الأمن القومي العربي
مصر جاهزة للتصدي لميليشيات إرهابية تدعمها تركيا في ليبيا
السيسي يشدد على أهمية التسوية السياسية وإعادة الاستقرار إلى ليبيا

القاهرة - رسم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اليوم الجمعة في خطاب بثه التلفزيون الحكومي ووسائل الإعلام المصرية، الخطوط العريضة لموقف بلاده من الأزمة الليبية بما يتيح التدخل عسكريا لحماية الأمن القومي والحدود الممتدة بين مصر وليبيا، في أول وأوضح ردّ مصري عملي على الخطر الذي بات يمثله التدخل التركي في ليبيا على أمن بلاده.

وحذّر السيسي من "تدخل مباشر" للقوات المصرية في ليبيا، إذا واصلت القوات الموالية لحكومة الوفاق تقدمها نحو سرت التي تسيطر عليها قوات المشير خليفة حفتر.

وفي ظل التراخي الدولي في لجم الانتهاكات التركية ووضع حد للتدخل العسكري ونقل آلاف المرتزقة المتطرفين إلى الساحة الليبية، يبدو أنه لم يعد أمام مصر التي ترتبط بحدود ممتدة مع ليبيا من خيار إلا التدخل عسكريا.

لكن السيسي الذي قال في كلمة السبت إن تدخل مصر المباشر في ليبيا "بات تتوفر له الشرعية الدولية" وينطوي على أهداف، لم يحدد توقيت التدخل وطبيعته وما إذا كان سيقتصر على غارات جوية جراحية تستهدف معاقل المتطرفين وداعميهم.

وقال أثناء تفقده وحدات الجيش المصري بالمنطقة العسكرية الغربية "إن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية"، مضيفا "سواء في ميثاق الأمم المتحدة: حق الدفاع عن النفس أو بناء على السلطة الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي: مجلس النواب".

وأوضح الرئيس المصري أن من أهداف هذا التدخل هو حماية الحدود الغربية للدولة ووقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، فضلا عن إطلاق مفاوضات التسوية السياسية.

وتابع أن الهدف الثاني هو "سرعة استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية باعتباره جزءا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والأمن القومي العربي"، مضيفا أن الهدف الثالث يتعلق بـ"حقن دماء الأشقاء من أبناء الشعب الليبي شرقا وغربا، بتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار ومنع أي من الأطراف من تجاوز الأوضاع الحالية".

وقال أيضا "نقف أمام مرحلة فارقة تتأسس على حدودنا، فهناك تهديدات مباشرة تتطلب التكاتف والتعاون ليس في ما بيننا فقط وإنما مع أشقائنا من الشعب الليبي والقوى الصديقة للحماية والدفاع عن بلدينا ومقدرات شعوبنا من العدوان الذي تشنه الميليشيات المسلحة الإرهابية والمرتزقة بدعم كامل من قوى تعتمد على أدوات القوة العسكرية".

واتهم السيسي تركيا بأنها تتحرك في ليبيا وفق أطماع توسعية قائلا انها تعمل على "تحقيق طموحاتها التوسعية على حساب الأمن القومي العربي والسيادة الوطنية لدولنا تحت رؤية كاملة من المجتمع الدولي الذي لا يملك حتى الآن الإرادة السياسية لوقف هذه الاعتداءات".

وأتت تصريحات السيسي غداة تلقي الأمانة العامة لجامعة الدول العربية طلبا من مصر لعقد اجتماع افتراضي طارئ على مستوى وزراء الخارجية من أجل بحث تطورات الأوضاع في ليبيا. ومن المتوقع أن يعقد الاجتماع خلال الأسبوع المقبل.

لكن حكومة الوفاق الوطني التي مقرها طرابلس وتعترف بها الأمم المتحدة أعلنت بايعاز من تركيا أنها لن تشارك في الاجتماع المقبل للجامعة العربية لبحث النزاع الذي تخوضه منذ أكثر من عام ضد قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا.

وتدعم مصر حفتر الذي نفذت قواته انسحابا تكتيكيا من عدة مواقع لتجنب سقوط قتلى في صفوفها بعد أن كثفت تركيا قصفها الجوي ونشرت قوات على الأرض إلى جانب آلاف المرتزقة من الفصائل السورية المتشددة الموالية لأنقرة.  

الجيش المصري أحبط تهريب شحنات أسلحة من ليبيا الى سيناء حيث تتمركز جماعات متطرفة
الجيش المصري أحبط تهريب شحنات أسلحة من ليبيا الى سيناء حيث تتمركز جماعات متطرفة

وقال السيسي السبت "مصر لم تكن يوما من دعاة العدوان على الأراضي والمقدّرات لأي من الدول"، لكنه أكد أن "الجاهزية والاستعداد القتالي للقوات صار أمرا ضروريا وحتميا في ظل حالة عدم الاستقرار والاضطرابات التي تسود منطقتنا".

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 تشهد ليبيا حالة من الفوضى. ومنذ 2015 تتنازع سلطتان الحكم: حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السرّاج ومقرها طرابلس (غرب) وحكومة مؤقتة يدعمها المشير حفتر في شرق البلاد.

ولا يعترف حفتر بشرعية حكومة السراج التي تشكلت بموجب اتفاق الصخيرات في المغرب بإشراف الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2015 وشنت قواته هجوما في ابريل/نيسان 2019 لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات الإرهابية الداعمة لحكومة السرّاج.

وانتهى الهجوم باستعادة حكومة الوفاق بمساعدة تركية غرب ليبيا بالكامل مطلع يونيو/حزيران واضطرار قوات حفتر الى التراجع.

وفي الأسبوع الأول من الشهر الحالي، وافق حفتر على مبادرة لحل الأزمة في ليبيا، أعلنها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وتضمنت وقفا لإطلاق النار، فيما رفضتها حكومة الوفاق وتركيا التي تخطط للتوسع اكثر في ليبيا خاصة في المناطق الإستراتيجية التي تضم حقول النفط وتطل على البحر الأبيض المتوسط.

وتأتي تصريحات الرئيس المصري بعد أشهر من دعوات أطلقتها دول الجوار الليبي ومن ضمنها مصر، حّرت فيها من أن التدخل العسكري التركي ينذر بتوسع الصراع وتحوله إلى نزاع إقليمي.

وتجاهلت تركيا كل الدعوات الإقليمية والدولية لوقف تدخلها في تركيا، في الوقت الذي توسع فيها دعمها لحكومة الوفاق من السياسي إلى العسكري ومن السري إلى العلن على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.

وشجع التراخي الدولي الرئيس التركي في المضي في انتهاكه للقرارات الدولية ذات الصلة وعلى رأسها قرار حظر السلاح إلى لبيبا.

التدخل التركي أنعش الإرهاب في ليبيا حيث بدأت جماعات متطرفة في إعادة ترتيب أوراقها على وقع الفراغات الأمنية والفوضى التي فاقمتها الانتهاكات التركية عبر تجنيد وإرسال آلاف المرتزقة من الجماعات السورية المتطرفة إلى الغرب الليبي

وأنعش التدخل التركي الإرهاب في ليبيا حيث بدأت جماعات متطرفة في إعادة ترتيب أوراقها على وقع الفراغات الأمنية والفوضى التي فاقمتها الانتهاكات التركية عبر تجنيد وإرسال آلاف المرتزقة من الجماعات السورية المتطرفة التي أنشأتها الاستخبارات التركية ودربت عناصرها خلال الحرب الأهلية السورية وذلك لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وتسعى أنقرة لتعزيز تواجدها في لبيا عسكريا وأمنيا واقتصاديا والتمدد في المنطقة وهو ما يمثل خطرا على الأمن القومي المصري والعربي.

وتركيا ومصر على خلاف كبير منذ قام الجيش المصري بعزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ومنذ حظر القضاء المصري الجماعة بعد أن صنفتها الحكومة المصرية تنظيما إرهابيا.

وتصف أنقرة عزل مرسي بأنه انقلاب عسكري، بينما يقول الجيش المصري إن الإطاحة بنظام الإخوان كان ضرورة ملحة لإنقاذ البلاد.

وتقود الحكومة التركية منذ سنوات حملة شرسة على النظام المصري وحرّضت مرارا على الفوضى سواء بشكل مباشر أو من خلال قيادات اخوانية هاربة وفرت لها الإقامة والحماية ومنصات الخطابة والدعاية.  

مجلس قبائل ترهونة يعلن ترحيبه بكلمة السيسي، معتبرا أ، تدخل مصر في الشأن الليبي هو تدخل مشروع وفق معاهدة الدفاع العربي المشترك

ورفضت حكومة الوفاق الليبية بشدة مساء السبت تلويح الرئيس المصري بـ"تدخل عسكري مباشر" في ليبيا إذا واصلت قواتها (حكومة الوفاق) التقدم نحو مدينة سرت الإستراتيجية والتي تسيطر عليها قوات المشير خليفة حفتر.

وقال عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق محمد عماري زايد "نرفض بشدة ما جاء في كلمة السيسي ونعتبره استمرارا في الحرب على الشعب الليبي والتدخّل في شؤونه، وتهديدا خطيرا للأمن القومي الليبي وانتهاكا صارخا للأعراف والمواثيق الدولية".

وفي المقابل أعلن مجلس قبائل ترهونة الليبي في بيان أعقب كلمة السيسي تأييده لما جاء في خطاب الرئيس المصري حول ليبيا والبدء الفوري في تطبيق ما جاء فيه باعتبار أن المعركة حقيقية وعاجلة ولا تقبل التأجيل.

واعتبر أن تدخل مصر "في الشأن الليبي هو تدخل مشروع وفق معاهدة الدفاع العربي المشترك ووفق ما شهده التاريخ الليبي المصري من الوقوف صفا واحدا ضد العدو الأجنبي عبر التاريخ، سواء في جهاد الليبيين ضد الطليان أو ما قدمته ليبيا من دعم قوي لشقيقتها مصر في حرب أكتوبر".

وأشار مجلس قبائل ترهونة في بيانه إلى أن مصر تتدخل و"نحن نتعرض إلى استعمار تركي يسعى إلى السيطرة على مقدراتنا ونهب ثرواتنا وتفكيك النسيج الاجتماعي وإحياء الإرث العثماني علاوة على تحويل ليبيا إلى حاضنة للإرهاب والمرتزقة والدواعش وإطالة حكم الميليشيات التي لا يمكن أن تصدر الخير والسعادة لليبيين مهما طال بها البقاء أو تهيأت لها الظروف".

وختم بتجديد موقفه الداعم للجيش الوطني الليبي وبرلمان طبرق "في تحقيق آمال الليبيين لبناء دولتهم والدفاع عن سيادتها".